شبکة تابناک الأخبارية: عن الامام علي بن موسى الرضا،عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه سيد الشهداء الحسين بن علي، عن أبيه سيد الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله خطبنا ذات يوم فقال :"أيّها النّاس أنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرّحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشّهور، وأيّامه أفضل الأيّام، ولياليه أفضل اللّيالي، وساعاته أفضل السّاعات، هو شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله..." الى آخر الخطبة التي خطبها في آخر جمعة من شهر شعبان المبارك ليذكر الناس بانهم مقبلين على شهر عظيم هو أعظم شهور الله سبحانه وتعالى ، شهر نزول القرآن الكريم ، شهر الرحمة والمغفرة وضيافة الرحمان ، شهر غفران الذنوب وستر العيوب وكشف الكروب .
وفيما ندخل اليوم الأول من هذا الشهر العظيم حيث دُعينا الى الضيافة الكبيرة علينا أن نعلم جيداً أن الصوم ليس بمعنى الإمساك عن الطعام والشراب فقط ، بل الواجب هو الاجتناب عن المعاصي بكل أشكالها وصورها حتى الصغيرة جداً منها خاصة الغيبة والنميمة والأقوال السيئة ، كما علينا أن نتحلى بالخلق الحسن في عباداتنا وتعاملنا مع أخواننا في الدين وغيرهم لنكون كما قال رسول الله (ص) بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ، لنري العالم برمته الصورة الحقيقية والواقعية للاسلام المحمدي الأصيل .
دعونا نحاول على الأقل أن لا يكون صومنا مقترناً باقتراف الذنوب وإلا فان صومنا وإن كان صحيحا ً ليس "مقبولا ً" ولا يُرفع إلى الله سبحانه وتعالى لأن ارتفاع الأعمال إلى الله عزوجل وقبولها لديه تبارك وتعالى تختلف كثيراً عن صحّتها الشرعية ...
فاذا انقضى الشهر الشريف ولم نجد أي تغيير في سلوكنا عمَّا قبل شهر الطاعة والصيام ... أننا في هذا الشهر الشريف مدعوون لضيافة الله سبحانه وتعالى فان لم نزدن معرفة بالله عزوجل فان ذلك يدل على اننا لم نلبي الدعوة بصورة صحيحة كما ينبغي ولم نقوم بمستلزمات الضيافة ومقتضياتها كما أمرنا الخالق المتعال بها.
في شهر رمضان الكريم ينبغي أن نعلم أن أبواب رحمة الله سبحانه وتعالى لعباده مفتوحة وأن الشياطين والمردة مغلولة أيديهم ، فان لم نستطيع إصلاح أنفسنا وتهذيبها ومراقبتها خلال هذا الشهر العطيم وإذا لم نتمكن من قطع علاقاتنا المادية بالدنيا وإذا لم تتمكن من سحق كل الأهواء النفسية البغيضة ، فانه من الصعب جداً أن نتمكن من القيام بذلك بعد الانتهاء شهر الصيام .
وكون أن الصوم من أعظم ساحات الجهاد الروحي للانسان في الاسلام، نرى فيه عجائب كثيرة من الانسان المؤمن حيث يمسك طوعًا عن الطعام، والشراب، والشهوات، كشهوة الجنس، ابتغاء وجه الله تعالى، فهو يمتنع بارادته عن تناول هذه الأشياء التي يشتهيها، ولا يمدّ يده إليها، وهي ميسورة له، فهو يجوع وبجواره طيب الغذاء، ويظمأ وأمامه بارد الماء، ويمتنع عن مباشرة زوجه، وهي بجانبه، ولا يتناول السيجارة وعلبتها في جيبه، إنه اختبار حقيقي لمدى إيمان الانسان، وإرادة الانسان. والمؤمن قطعًا ينجح في الامتحان الصعب، ويحقق الاستعلاء الاختياري، الذي يثبت بحق انتصار الإنسان، حين تنتصر فيه الروح على الطين والصلصال والحمأ المسنون، تنتصر أشواق الروح الصاعدة، على غرائز الجسم الهابطة، وتنتصر إرادة الإنسان على شهوة الحيوان.
ولهذا نسب الله سبحانه وتعالى - في الحديث القدسي - الصيام لذاته المقدسة حين قال عزوجل: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به، يدع طعامه من أجلي، ويدع شرابه من أجلي، ويدع زوجته من أجلي، ويدع شهوته من أجلي”.
ولذا فهو ليس شهر صيام فقط، بل هو صيام بالنهار، وقيام بالليل..فما أجملها وأرقاها من حياة للانسان المؤمن، أن يكون بالنهار صائمًا، وبالليل قائمًا، وهو يحس بنشوة روحية لا يتذوقها من غلظ حجابه، ولا يعرف قدرها من سجن في رغباته المادية، فحُرِم تلك السعادة الروحية، التي قال عنها بعض أهلها: نحن نعيش في سعادة لو علم بها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف!، ولكن من حسن حظهم أن الملوك والسلاطين لا يعرفون قيمتها، فتركوها لهم، يستمتعون بها وحدهم بلا منازع.
وللوقوف على عظمة منزلة ومكانة وأهمية هذا الشهر الكريم دعونا نستقرئ معاً ما أمرنا به الخالق الواحد الأحد سبحانه وتعالى وبعض ما قاله الرسول الأعظم (ص) والأئمة المعصومين عليهم السلام بهذا الخصوص وما أوصونا به :-
* قال الله تبارك و تعالى: يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" البقرة – 183.
* قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :"لكل شيئ زكاة وزكاة الأبدان الصيام" ، وقال (ص) ايضاً :" الصوم فى الحر جهاد".
* قال أمير المؤمنين الامام علي بين أبي طالب عليه السلام: "فرض الله سبحانه وتعالى الصيام ابتلاء لاخلاص الخلق"، وقال(ع) ايضاً:"صوم النفس عن لذات الدنيا انفع الصيام" ، وكذلك قال(ع):"الصيام اجتناب المحارم كما يمتنع الرجل من الطعام والشراب".
ويؤكد أمير المؤمنين(ع) في قوله ايضاً:"ان صوم النفس غير صوم الجسم، فـ: «صوم النفس امساك الحواس الخمسة عن سائر المآثم، وخلو القلب من جميع أسباب الشر».أي ان نطهر القلب من كلّ غل وغش للّه ولعباده. كما توجد روايات كثيرة أُخرى في هذا المضمار.
*الامام الباقر عليه السلام:"بنى الاسلام على خمسة اشياء،على الصلوة والزكاة والحج والصوم والولاية. "
* الامام الصادق عليه السلام: "انما فرض الله الصيام ليستوي به الغني والفقير".
*الامام الرضا عليه السلام: "انما أمروا بالصوم لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش فيستدلوا على فقر الآخر".
لقد دعانا الله تبارك وتعالى لضيافته في شهر رمضان الكريم، وكما نرى فان ضيافته هي الصوم وليست على غرار ما نعدُّ نحن من ضيافة تعج بمظاهر البهرجة، وإنما هي ردع عن كل ماله صلة بغرائز الانسان. فعلينا الاهتمام والعمل بالآداب الروحية لشهر رمضان؛ ولا نقتصر فيه على الدعاء فحسب، بل علينا بالدعاء وذكر الله بمعناهما الحقيقي؛ ذلك الذكر الذي يبعث الاطمئنان في النفوس وهو قوله تعالى :"ألا بذكر الله تطمئن القلوب" الرعد – 28 .
والأسمى من ذلك أن يبادر الانسان لاصلاح نفسه في شهر رمضان؛ وإننا بحاجة لاصلاح النفس وتهذيبها حتى الرمق الأخير، كما كان الأنبياء بحاجة لذلك، سلوا الله تبارك وتعالى أن يوفقكم للعمل بما فيه رضاه وأنتم تنجزون هذه المهمة المعهودة إليكم، سلوا الله أن لا يحرمنا رعايته، واعرفوا قدر ضيافة الله هذه الحافلة بالروعة والجمال، وعلينا جميعاً عرفان قدرها.
إن الأدعية الواردة عن أئمتنا الهداة (ع) في شهري شعبان ورمضان بمثابة دليل هداية يرشدنا نحو غايتنا، فالظرافة الكافية في هذه الأدعية مما لا نظير له، فعلينا بهذه الأدعية لأنها هي التي تدفع الانسان نحو الحركة، وشهر رمضان هو الذي يمنح الانسان التوفيق في الكثير من الأمور وهو القادر على صقل الانسان بحيث يغدو متزناً حتى قابل أو ما بعده من رمضان ولا يخرج عما فيه رضى الله سبحانه وتعالى خاصة أدعية الافتتاح والسحر وأبو حمزة الثمالي وجوشن الكبير وجوشن الصغير ومناجاة الامام السجاد (ع) وغيرها من الأدعية الواردة في الصحيفة العلوية والصحيفة السجادية ومفاتيح الجنان وضياء الصالحين وغيرهما من كتب الأدعية المعتبرة الاخرى.
وبهذا الخصوصو يقول الامام الخميني /قدس سره/:" إنّ هذه الأدعية تُخرج الإنسان من هذه الظلمة، وإذا خرج الإنسان من الظلمة أصبح عاملاً لله، فهو يمارس مهنته، يعمل... ولكن لله، يضرب بالسيف... لله، يقاتل ... لله، يثور .... لله، فالأدعية لا تشغل الإنسان عن العمل".
ويضيف الامام الراحل في جانب آخر من كلامه حول أهمية أدعية شهر رمضان :" إنّ الأدعية التي ورد الحثُّ عليها في شهر رمضان المبارك.. ، هي دليلنا نحو الهدف. عندما يُحيي المسلمون ليالي القدر ويناجون ربّهم، فإنّهم إنّما يفكّون أسرهم من قيد العبودية لغير الله تعالى ويتحررون من قيد شياطين الجن والإنس ليدخلوا في العبودية لله وحده.
إنّ أولئك الذين ينتقدون كتب الأدعية، إنّما يفعلون ذلك لما بهم من الجهل والتعاسة، فهم لا يعلمون كيف تساهم هذه الأدعية في بناء الانسان".
واما سماحة القائد الخامنئي فيقول بخصوص شهر رمضان المبارك:" انّ لهذا الشهر ثلاثة أعمال ووظائف رئيسية، وإن كانت لجميع الأعمال الحسنة المقرّبة الى اللّه فضيلة كبيرة، فقد ورد انّ «أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة»، انظروا كم هي فضيلة هذا الشهر، وهذا لا يختصّ بالصائمين فقط، بل يشمل الذين تعذّر عليهم الصيام أيضاً، فهم خسروا الصيام ولم يخسروا شهر رمضان، فالجميع يستفيد من شهر رمضان حتّى المعذور لسفر أو مرض أو شيء آخر".