۶۷۵مشاهدات

ایران والواقع النووي

رمز الخبر: ۱۱۳۷
تأريخ النشر: 02 October 2010
تبدي إيران اليوم جهوزيةً للتفاوض على مركزها النووي عبر عرض اقتراح على روسيا أو الصين، أو حتى بلدان أخرى، بمشاركتها في منشأة تخصيب مقرها في إيران. يشكل ذلك بالتالي تمليحاً أوضح إلى حل الإشراف، لكن هل ستفهم الولايات المتحدة وأوروبا هذا التلميح هذه المرة؟

تخطت إيران الحدود عندما دشنت في الآونة الأخيرة مفاعل بوشهر النووي، منشأة خاضعة كلياً لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهكذا لم تعد الجمهورية الإسلامية تطمح بالانضمام إلى «المنتدى» النووي، إنما أصبحت دولة نووية بحق.

لذلك لم يعد من المنطقي أن يقترح الغرب التفاوض مع إيران بينما يفرض عقوبات إكراهية كما لو أنها لم تصبح دولة نووية بعد.

حالياً يزوّد الروس مفاعل بوشهر بالوقود، لكن سرعان ما سيُستبدَل هذا الوقود الأجنبي بالوقود الإيراني، كذلك تعتزم إيران بناء عدد إضافي كبير من المفاعلات. لذلك من غير المرجح أن تستمر دولة في مثل هذا الوضع، حيث يعتمد قطاعها المحلي بشكل كثيف على الكهرباء المولدة بالوقود النووي، في السماح لدولة أجنبية بأن تكون المزود الوحيد لها بالوقود. من شأن ذلك أن يضع الجزء الأكبر من اقتصادها المحلي رهينةً لنزوة هذه الدولة القادرة على تعطيله عبر وقف إمداداتها متى شاءت.

بما أن الظروف المحيطة بالمسألة النووية تغيرت، لابد حتماً من أن يتغير فحوى المفاوضات على حد سواء. في المقابل، تشهد الولايات المتحدة لحظة تشغيل بوشهر وسط جدال طويل حول الإجراءات التي يجب اتخاذها في حال امتلكت إيران القدرة على إنتاج أسلحة نووية.

معضلة تواجه الولايات المتحدة
جادل وزير الدفاع روبرت غيتس في وقت سابق من هذا العام بأن اليورانيوم المنخفض التخصيب قد يُحول سراً إلى مادة تُستخدم في صناعة الأسلحة النووية. على حد قوله، قد يحدث ذلك بينما تكون الاستخبارات الأميركية في غفلة من مثل هذا التحول، ما قد يعرض الولايات المتحدة لخطر أن تُؤخذ على حين غرة. لذلك افترض الوزير غيتس أن الحل الوحيد لهذه المعضلة أن تمارس الولايات المتحدة ما يكفي من النفوذ على إيران لإجبارها على «التخلي» عن معظم اليورانيوم المنخفض التخصيب الذي تملكه، ما يبدد بالتالي احتمال امتلاك إيران ما يكفي من هذا النوع من اليورانيوم لإنتاج أسلحة نووية.

تستقي هذه الفرضية مصدرها من مبدأ أميركي قديم مفاده أنه لا وجود لفارق كبير بالأساس بين التخصيب لأغراض سلمية وذلك المخصص لصناعة أسلحة، بما أن المسارين متشابهان تقنياً بحسب هذه الفرضية. بالطبع إن صح ذلك، فستصبح إيران حتماً قادرة على إنتاج أسلحة نووية، كما ستحظى أي دولة مثل اليابان التي تخصب كميات من اليورانيوم المنخفض التخصيب، بالقدرة التقنية على صناعة أسلحة نووية. ينطبق ذلك على ميدان الطاقة النووية.

لكن حين يستخدم غيتس عبارة «نفوذ» تلك المثقلة بالمعاني، نحن نتحدث إذن بلهجة مختلفة. فممارسة «نفوذ» على دولة تمتلك مسبقاً مفاعلاً ودورة وقود لا يمكن أن تعني سوى تهديد إيران بشن حرب أو اعتماد استراتيجية احتواء عسكري قاس ضدها ما لم تتخل عن احتياطي الوقود لديها وفق الأصول. مع ذلك، رفض الرئيس أوباما حتى الساعة المصادقة على الفرضية المتمثلة في قدرة إيران على تحويل اليورانيوم المنخفض التخصيب لديها إلى مادة تُستخدم في صناعة الأسلحة كما يحثه صقور مثل غيتس على ذلك.

التخصيب قد يكون سلمياً
تشدد إيران من جهتها على أن المبدأ الأميركي القديم الذي لا يميز بين عملية تخصيب وأخرى خاطئ. ففي نظر إيران، قد يكون الاستخدام السلمي لعمليات التخصيب بالفعل مختلفاً عن المسار الموجه لصناعة أسلحة نووية، لأن الأول يمكن مراقبته بخلاف الثاني.

يُذكَر أنه في عام 2005، اقترح كبير المفاوضين آنذاك حول المسائل النووية، علي لاريجاني، حلاً ثلاثي المسار على الأوروبيين: 1) أجهزة طرد مركزي تكف عن التخصيب عند تخطيها حداً أدنى، 2) ملكية مشتركة مع أوروبا لمنشآت التخصيب بحد ذاتها، 3) تعزيز المراقبة التدخلية. لكن الدول الأوروبية الثلاث لم تتكرم بالرد. فخلال عهد الرئيس البريطاني الأسبق توني بلير، أصرت هذه البلدان فحسب على إنهاء دائم لعمليات التخصيب.

الغرب بحاجة إلى مقاربة جديدة
في ظل هذا الواقع الجديد ما بعد تشغيل مفاعل بوشهر، لم يعد من المنطقي أن يصر الغرب على حل عدم التخصيب وعدم صناعة أسلحة نووية. تبدي إيران اليوم جهوزيةً للتفاوض على مركزها النووي عبر عرض اقتراح على روسيا أو الصين، أو حتى بلدان أخرى، بمشاركتها في منشأة تخصيب مقرها في إيران. يشكل ذلك بالتالي تمليحاً أوضح إلى حل الإشراف. لكن هل ستفهم الولايات المتحدة وأوروبا هذا التلميح هذه المرة؟

مع افتتاح مفاعل بوشهر، بات من المستحيل كبح برنامج إيران النووي. لذا على الولايات المتحدة وبقية دول الغرب أخذ هذا العرض على محمل الجد، أمّا الحل البديل الآخر الوحيد فيتمثل في مسار أخذ مسبقاً يكسب زخماً: بناء ترسانة ضخمة من الأسلحة في الدول العربية السنّية، بتزويد من شركات صناعة أسلحة غربية، قد يؤدي في يوم من الأيام إلى إشعال حرب جديدة في الشرق الأوسط لا أحد يرغب فيها.

* صحيفة كريستيان ساينس مونيتور
* اليستر كروك كان-عميل سابق لدى وكالة الاستخبارات البريطانية في الشرق الأوسط ومؤلّف كتاب Resistance: The Essence of the Islamist Revolution.
رایکم