۱۰۱۳مشاهدات

ديمقراطية التشيع ودكتاتورية الديمقراطية الامبريالية

د.طالب الصراف
رمز الخبر: ۱۲۱۷
تأريخ النشر: 09 October 2010
شبکة تابناک الأخبارية: قد اجمع حملة الاقلام والاخبار واتفق علماء التأريخ والسير على ان اول خليفة وحاكم ومفكر اسلامي نادى بالنظرية الديمقراطية والنظام الديمقراطي في الحكم هو الامام علي بن ابي طالب (ع), ولا شك ولا اشكال في ذلك حيث ذكر وكتب عن ذلك السابقون والمتأخرون من علماء المسلمين وغيرهم, فهذا هو الطبري في كتابه (تاريخ الامم والملوك) في الجزء الثالث يتحدث عن احداث سنة 35 هجرية التي بويع فيها الامام علي بن ابي طالب خليفة للمسلمين, والذي يتمعن بما كتبه الطبري وغيره في كيفية مبايعة المسلمين للامام علي (ع) يرى انها كانت طريقة ديمقراطية لا اجبار ولا اكراه فيها لمن بايع واختار الامام خليفة له, ولم نقرأ بأن هنالك من انصار الامام قد دفع اموالا للناخبين للتصويت لصالح الامام, ولم تقدم وعود للذين بايعوا الامام في تحصيلهم على وظائف او اعمال او بترفيع رواتب واضافة مخصصات ولا تشغيل كهرباء او اعمار للبنية التحتية او حتى تحقيق الامن والامان للناس, وانما الامام علي ابن ابي طالب (ع) غني عن التعريف وان مسيرة حياته معروفة لدى كل الصحابة المغتبطين به بل والحاسدين له منذ اليوم الاول التي نزلت به رسالة الاسلام. وهنا يبين لنا تاريخ الطبري كيفية الطريقة الديمقراطية التي اول من اسسها وارسى دعائمها في فجر الاسلام امام المتقين علي بن ابي طالب كما يذكر الطبري بروايته بعد قتل الخليفة عثمان:" لقد دخل علي منزله فاتاه اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ان هذا الرجل -الخيلفة عثمان- قد قتل ولابد للناس من امام ولا نجد اليوم احدا احق بهذا الامر منك لااقدم سابقة ولا اقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لاتفعلوا فاني اكون وزيرا خير من ان اكون اميرا فقالوا لاوالله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك قال ففي المسجد فان بيعتي لاتكون خفيا ولا تكون الا عن رضا المسلمين ....". ثم يسرد الطبري قصة المبايعة في رواية اخرى حين جاء المسلمون لمبايعة الامام علي (ع) فقال لهم:" لاحاجة لي في امركم انا معكم فمن اخترتم فقد رضيت به فاختاروا ,فقالوا والله ما نختار غيرك". ثم يذكر الطبري ان هنالك سبع نفر لم يبايعوا الامام, الا ان ذلك لم يغيضه ولم يسمح لانصاره التعرض لهم بل انه يروى عن الامام كما جاء في الطبري انه قال لطلحة والزبير :" ان احببتما ان تبايعا لي وان احببتما بايعتكما فقالا بل نبايعك...".

فهل توجد ديمقراطية منذ زمن الامام علي (ع) الى يومنا هذا بهذه الدرجة من التطور والتطبيق والايثار سواء في العالم الاسلامي او الغربي؟ والدليل على ذلك هي الانتخابات الامريكية التي بلغ التزييف فيها اشده ما بين جورج بوش الابن وال كور سنة 2000 عند اعادة فرز الاصوات واعلان خسارة ال كور بعد اعلان فوزه بفارق 271 صوتا, وبقيت الاحتجاجات مستمرة والاتهامات متتالية بين انصار الحزبين, بينما نرى ان الامام علي بن ابي طالب (ع) يبلغ ايثاره الى درجة التنازل الى طلحة والزبير عن الخلافة وهما اللذان ليس لهما من شيئ كشعبية الامام بين المسلمين والصحابة. فهل يستطيع زعماء العراق الذين ادخلتهم -ومع الاسف-الحكومات العربية العميلة والامبريالية بنفق مظلم ان ينقذوا العراق من مصير مجهول ولكنه واضحاً للذين وضعوا اجنداتهم لتهديم العراق وذبح ابناءه؟ وهل يستطيع البعض منهم ان يقوم بخطوات كما قام بها الامام علي منذ وفاة النبي محمد (ص)؟ وهنا يذكر الدكتور طه حسين عميد الادب العربي في كتابه (الفتنة الكبرى) الجزء الثاني ان العباس عم النبي اقبل بعد وفاة النبي (ص) على ابن اخيه الامام علي فقال له :"ابسط يدك ابايعك.ولكن عليا أبى مخافة الفتنة....وكان هنالك رجل اخر من قريش اراد ان يبايع عليا بعد وفاة النبي لاحبا له ولا رضى به ولا اعترافا بمكانته الخاصة من النبي بل عصبية لبني عبد مناف, وهذا الرجل هو ابو سفيان زعيم قريش اثناء حربها للنبي ومقاومتها للاسلام, والذي لم يسلم الا كارها حين رأى جيوش المسلمين مطبقة على مكة فادخله العباس على النبي فاسلم كرها لا طوعا. لم يتردد في الاعتراف بأن لا اله الا الله, لانه لم ير بهذا الاعتراف بأسا. ولكنه حين طلب اليه ان يشهد ان محمدا رسول الله قال: اما هذا فان في نفسي منها شيء...فقال ابو سفيان لعلي ابسط يدك أبايعك. ولكن عليا ابى ان يستجيب له كما ابى ان يستجيب لعمه العباس. "ص(17). ان تصرف الامام علي(ع) هذا قد نأى به عن اثارة فتنة بين المسلمين. فهل يوجد اليوم من يجعل الامام مثالا له كي يستطيع وئد هذه الفتنة المظلمة التي زرعها وكرسها المثلث الوهابي الصهيوني الامبريالي في عراق امام المتقين.

ان الذي يدفع بالكثير من الكتاب والقراء بالرجوع الى تجارب الماضي من تأريخ امتنا الاسلامية هو الاحباط الذي تعانيه الشعوب العربية والاسلامية في كل جوانب الحياة وخاصة السياسية منها المتعلقة بادارة دفة الحكم, ومن بين هذه الشعوب هو الشعب العراقي الذي يعاني من دكتاتورية جديدة مغلفة باطار يسمى بالديمقراطية الا ان المحتوى دكتاتوريا بمعنى الكلمة, والا كيف تؤهل القلة القليلة لتلعب بمصير الاكثرية المطلقة؟ ثم كيف يجري العمل على تفتيت وتمزيق هذه الاكثرية التي بٌني كيانها عبر مئات السنين بالفكر والجهاد والتضحية والولاء لبيت ال رسول الله-كما يقول الشهيد السعيد محمد باقر الصدر؟. وكيف تأتي شخصيات تدعي الولاء لكيان ال بيت رسول الله (ص) واتباعهم وفي نفس الوقت تقوم باضعاف قدراته وتفكيكه الى كيانات وهيئات يعادي بعضها البعض نتيجة ارتباط بعض افرادها باعداء بيت رسول الله كالوهابيين الصهاينة ومن تعاون معهم؟. لذا فان هذه الجماعات التي لم تستطع تطهير انفسها وتزكية ارواحها لايحق لها ان تكون ممثلة لهذا الكيان ولا يحق لها ايضا ان تجعل مشكلة هذا الكيان مشكلة فردية أي ان مصير هذا الكيان سيصبح ارتباطه سياسيا بمصير شخصية واحدة, واذا استسلمنا بان هنالك قائد واحد في كل مجموعة سياسية تنتسب الى التشيع قد وصل الى درجة الايثار والصلابة والنزاهة ولو بمستوى دون التضحية التي قدمها الامام علي (ع) وسبط النبي الحسين بن علي والأئمة الباقين واصحابهم الذين جادوا بحياتهم, فعلى هذا القيادي المؤمن ان يساوي بين الاقصى والادنى من ابناء شعبه وان لايجعل له خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول على الناس وقلة انصاف في معاملتهم, ولا تفريط باموال القطاع العام تحت شعارات زائفة مثل المحاصصة والمشاركة, وعامة الناس احوج الى الانصاف والمحاصصة والمشاركة معهم في لقمة العيش من اصحاب نادي الصيد او النادي اللبناني. وعلى المسؤول الاعلى في السلطة بأي مكان من الرئاسات الثلالثة ان يختار ويتوخى افضل الناس اخلاصا ومعرفة وتجربة في حقل عمله وان لايستأثر بالسلطة ونهب اموال الشعب التي اختفت المليارات منها خارج الحدود.

فهل هذا يتماشى مع نظرية الحكم التي نادى بها امام المتقين الذي يقول:"من احبنا اهل البيت فليعد للفقر جلبابا" وكذلك قوله:"ما جاع فقير الا بما متع به غني والله تعالى سائلهم عن ذلك". وهو الذي توقع وعلم ماذا سيجري على محبي ال بيت النبي والسائرين على نهجه الديمقراطي والانساني, وماذا سيحدث من استئثار في المال والسلطة بعد وفاته والى يومنا هذا وهو القائل:"من ملك استأثر." وكذلك :"ومن نال استطال." وقد استشهد الاستاذ الكبير عباس محمود العقاد في كتابه (عبقرية الامام) بعلمية الامام حين انتقل من ميدان الشجاعة الى ميدان العلم اذ يقول الامام:" اسألوني قبل ان تفقدوني, فوالذي نفسي بيده لاتسألوني في شيئ فيما بينكم وبين الساعة, ولا عن فئة تهدى مائة وتضل مائة الا أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها, ومناخ ركبها ومحط رحلها." والحقيقة ان الامام توقع كثيرا من الاحداث التي لاتزال تقع وتحدث في يومنا هذا فهو الذي يحذر من فتنة تفور كالنار لتوقع بالمسلمين الهلاك اكثر من غيرهم حيث قال:"وامطوا عن سننها,وخلوا قصد السبيل لها. فقد لعمري يهلك في لهبها المؤمن ويسلم فيها غير المسلم".

نعم ان ماتوقعه الامام لاشك ولااشكال فيه بل ان توقعاته وتحليلاته لانصاره ومؤيديه لاتزال تنطبق على الاحياء المعاصرين الذين تمزقهم الخلافات كما مزقتهم في معركة صفين, ففي سرعة غريبة تحولوا الى شيع يقاتل بعضهم بعضا بل يقاتلون الامام نفسه ونادوا بالعصيان كما فعل الخوارج.

اما اليوم وبعد الانتخابات ينطبق على شيعة الامام ومحبيه وانصاره السياسيين ما قاله الامام بالامس حين وصفهم قائلا:" ايها الناس المجتمعة ابدانهم, المختلفة أهواؤهم, كلامكم يوهي الصم الصلاب وفعلكم يطمع فيكم الاعداء... ما عزت دعوة من دعاكم ولا استراح قلب من قاساكم ... أي دار بعد داركم تمنعون؟ ومع أي امام بعدي تقاتلون؟... اصبحت والله لااصدق قولكم ولا اطمع في نصركم, ولا أوعد العدو بكم. ما بالكم؟ مادواؤكم؟ ما طبكم؟ القوم رجال امثالكم, اقولا بغير علم؟ وغفلة من غير ورع ؟ وطمعا في غير حق؟." وهنا يتسائل المرؤ مع نفسه ومع الاخرين, أفهل قال الامام غير الحقيقة؟ فالوزارة العراقية معطلة ولكن يستطيع السياسي الذي يدعي انه من انصار الامام تحريكها ولو قليلا نحو الامام رغم اعاقة مثلث التآمر لها, ولقد بذلت المرجعية وزعيمها آية الله العظمى السيد السيستاني كل الجهود لتوحيد القيادات السياسية وهي تعرف بان ليس لها قدرة الامام علي (ع)الذي دافع سيفه عن الاسلام وحارب الشرك كله كما قال عنه نبي الرحمة:"برز الايمان كله لمحاربة الشرك كله."

حين حارب عمرو بن ود, الا ان القوم غدروا به فما بالك والمرجعية التي ليس لها من مميزات الامام التي كان يتمنى الخليفة عمر بن الخطاب الحصول على واحدة منها ليستبدلها بحمر النعم. وفي الحقيقة ان الذي يحدث لمرجعية مدرسة الامام هو استمرار للذي حدث ايام خلافته ورغم عبقريته والهامه السماوي الا ان القوم خانوه وغدروا به كما خانوا بفلذة كبده الامام الحسين واهله واصحابه(ع), فما بالكم بالمرجعية التي تحاول جاهدة ان تسير على نهج الامام وليس لها عصمته ولا علمه ولا نشأته في كنف النبي(ص). أما بالنسبة للذي توقعه الامام عما يحدث اليوم في داخل الامة الاسلامية وبين صفوف المجتمع العراقي الذي كرّست سلطة الاحتلال والسعودية الوهابية الصهيونية اجندتها في التأكيد على تمزيق وحدة ابناءه عامة والاكثرية العراقية خاصة التي جعلتها شذر مذر فهو حقيقة واقعة وماثلة امام كل باحث ومهتم بالشأن العراقي, فقد اشارة صحيفة الكاردين البريطانية الى اسباب ذلك تحت عنوانThe role of Iraq’s Arab neighbours ( دور الجيران العرب في العراق) في الشهر الرابع لهذا العام وقد اثارت نقاط خطرة للتدخل السعودي في الشأن العراقي ذكرنا بعضها في مقالة (مثلث الموت يختطف الديمقراطية في العراق). وهذا المثلث قوائمه الثلاث السعودية الوهابية وحليفتها الصهيونية والمخابرات الامريكية.

واذا كانت امريكا تؤيد النظم البرلمانية الديمقراطية في الشرق الاوسط فلماذا تآمرت على حكومة الدكتور مصدق التي كانت تنال استحسان البرلمان الايراني بالاجماع وتأتي بالشاه؟ الحقيقية التي لايمكن التغاضي عنها ان العامة من الشعوب الاوربية ترغم حكوماتها على تبادل السلطة بطريقة ديمقراطية في داخل بلدانها ولا يهمها ما يحدث في بقية الشعوب وطريقة تداول السلطة فيها. وان العامل الرئيسي لدى الغالبية من الشعوب الاوربية في تقييم حكوماتها هو نجاح الحكومة اقتصاديا, لذلك فان الحكومة الامريكية وبقية الحكومات الاوربية تحاول الهيمنة واستغلال موارد الشعوب الاخرى وسلب ثرواتها وخاصة الدول النفطية لتحسين المستوى المعاشي لمواطنيها باي ثمن من اجل الفوز بالانتخابات ثانية. والدليل الاخر الذي يثبت ان امريكا لايهمها ان تقام نظم ديمقراطية في العالم الثالث هو ما يحدث اليوم في العراق الذي هو تحت الاحتلال الامريكي منذ سنة 2003 ولا زال يعيش الفقر والفوضى وفقدان الامن والاقطاعيات والمحاصصات وقمع وقبر الديمقراطية وتحويلها الى (دكتاتورية الديمقراطية) التي ليس لها وجود الا في العراق نفسه ومع الاسف ان المحاصصة والمشاركة التي يرددها من يدعي السياسة في العراق جعلت من الديمقراطية العراقية واحدة من اسوء انواع الديمقراطيات في العالم, وذلك لما كرسه مثلث الفاسدين المفسدين الذي تموله السعودية الوهابية الصهيونية من طرق فساد لامثيل لها الا في العراق. وان هذا المثلث المجرم الذي وضع الايديولوجية واجنداتها مرحلة بعد مرحلة لافغانستان منذ ارسال ابن لادن الى هناك يجعلنا نخشى بانه هو نفسه يضع اليوم هذه الاجندات للعراق, ويبدو ان العراق يسير بنفس طريق الازمات التي مرت بها افغانستان من تدهور امني وتشريد وقتل وفقر وتهديم للبنية التحتية, وقيادة سياسية غير مستقرة يتهم افرادها بعضهم البعض والبلد يسير الى مصير مجهول.

والشعب العراقي بكل مواطنيه الشرفاء لايريد ان يكون مصير العراق الحبيب كافغانستان ويتوقع البعض قد يكون الاسوء لابناء الاكثرية الساحقة المسحوقة في العراق, والذين اصبحوا بين المطرقة والسندان نتيجة للقيادات الغير واعية لما يحدث ويجري حولها من تآمر ولكونها بدأت تستأئر بالحكم تدريجيا وبتخطيط دقيق يسيره المثلث المذكور لكي يبقي شعب العراق في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار ليتسنى له نهب ثرواته النفطية وغيرها من الموارد, وقد اشار الى هذه السياسة الامبريالية الكثير من كتاب امريكا واوربا. وقد استسخف وسخر اكثر هؤلاء الكتاب من السياسة الامريكية ودعايتها الانسانية الزائفة؛ تحت شعار الديمقراطية والحرية والمؤسسات المدنية والحرية الفردية وحرية المجتمع والتطوير والاعمار وغيرها من الشعارات البراقة, الا ان امريكا في الحقيقة تقف حجرعثرة امام تحقيق الديمقراطية كما جاء بكتاب نوم جومسكي Deterring Democracy (اعاقة الديمقراطية) الذي نشره سنة 1992, وقد عرض الكاتب السياسة الامريكية وخاصة الخارجية منها ردا على ما اعلنه جورج بوش الاب في مصطلحه New World Order اي (النظام العالمي الجديد) بعد غزو العراق للكويت, ويرى البروفسر جومسكي ان هذا النظام الجديد التي اعلنته الادارة الامريكية هو مخجل ومعيب لامريكا. وهذا النظام يعني: ان الامبريالية الامريكية تصرعلى انها وحدها لها الحق في فرض سياستها الخارجية على العالم, وقد بدأت تفكر في هذا النهج الاستعماري الجديد منذ الثمانينيات والتسعينيات متخيلة بان هنالك وحي يدفعها الى ذلك التصور, لذلك فانها اخفت هذا الوجه المشوه من سياستها عن شعبها الامريكي ويبدو ان وسائل الاعلام راضية بتلك السياسة. وقد انتقد المفكر الامريكي السياسة الهوجاء للرئسين الامريكين رولاند ريكن وجورج بوش الاب, ويضرب مثلا لهذا النوع الجديد من الاستعمار والتدخلات في شؤون الدول الداخلية وذلك كيف ان القوات الامريكية قامت باجتياح (بنما) والاطاحة برئيسها الجنرال مونيل نوريكا الذي كان حليفا مخلصا لهما, وكذلك كيف كانت امريكا تزود الدكتاتور صدام بالاسلحة وما بين عشية وضحاها اطاحة به وبحكومته وحولته من حليف مخلص الى هتلر ثاني,وتدخلاتها في اليمن والسودان ومصر وفلسطين وباكستان من اجل خلق صراع داخلي بين ابناء الوطن الواحد, وكذلك الحال في الفلبين وافريقيا وجنوب امريكا ويمكن اضافت اسماء من الدول لا نهاية لها ممن تحالفت معهم ضد شعوبهم -كما يحدث الان مع السعودية- ثم خانتهم الادارة الامريكية وتآمرت عليهم كما فعلت في شيلي وغواتيمالا. ان الادارة الامريكية تقف الى هذا اليوم مع العدو الصهيوني في كل المحافل الدولية, والادارة الامريكية الى هذا اليوم تقف مع الحكومات الدكتاتورية كما هو الحال في مساندتها للنظام السعودي الهمجي التكفيري الارهابي الوهابي, وامريكا تدعي محاربة الارهاب وهي تدعم السعودية في ارسال وتصدير الارهاب الى العراق لسفك دماء الابرياء في الشوارع والجوامع والاماكن المقدسة بل وحتى المراكزالصحية والاماكن العامة.

وهذا يعني ان على حلفاء امريكا في العراق او خارجه ان لايتوقعوا من الادارة الامريكية الا الخيانة والخذلان وهذا ما فعلته مع المعارضة العراقية سواء في الانتفاضة الشعبانية 1991 او ما زودت به المخابرات الامريكية صدام من معلومات عن الذين يعدون انقلابا عليه سنة 1993 وكذلك 1996. وهنا نريد ان نذكّر ان نفعت الذكرى ان الاطمئنان الى التحالف مع امريكا هو جهل مركب لمن يريد المغامرة بالتحالف معها. ان الادارة الامريكية الامبريالية لايهمها ان يقتل الملايين من العراقيين والمسلمين وانما مصلحتها فوق كل شيئ, فليس لها صديق دائم ولا عدو دائم وانما تدور اينما تدور مصلحتها, وان الادارة الامريكية لايهمها ان بقى العراق دون حكومة حتى لو بعد سنين غارقا في الفوضى والضياع والمهاترات بين الكتل والاحزاب الطارءة على عراق علي بن ابي طالب, وان الادارة الامريكية قد لايهمها ان يأتي المالكي او المنتفكي بل يهمها جدا مجيئ النجيفي او علاوي او الهاشمي لانهم اكثر ضمانة واطمئنانا لتحقيق مصالحها النفطية والستراتيجية في العراق.

ان الادارة الامريكية يهمها جدا ان تحول الديمقراطية المباشرة او الدستورية الى دكتاتورية الديمقراطية في العراق وذلك بجعل دكتاتورية الاقلية تعود لحكم العراق بثوب جديد, كما خططت له قبل الاطاحة بصدام أي باختيار بعثيين صداميين عملاء لها على غرار ومنهج دكتاتورية صدام المقبور, والادارة الامريكية تريد ان تسحق الاكثرية الساحقة المسحوقة من العراقيين وتعاقبهم لتفسح المجال الى طبقة شابة من الاغنياء ورجال الاعمال الجدد يدينون بفضلها عليهم لتبني نظاما تجاريا Business Rule ) ) يشعر بالولاء والدين والعرفان للادارة الامريكية, ومن خلال هؤلاء سوف تكرس امريكا مصالحها الاقتصادية والسياسية لان هؤلاء سيقبضون على عصب الحياة الاقتصادي, وقد كتب Jim Michaels في صحيفة (امريكا اليوم) عن وجود ملتقى لهؤلاء الاثرياء الشباب الجدد في ناد ببغداد يسمى( النادي اللبناني) يلبس فيه عمال وموظفي النادي القمصان البيضاء والاربطة السوداء, وقد التقى هذا الصحفي باشخاص ذوي اعمال مختلفة فمنهم من يقود سيارة ثمنها 133,000$ الف دولارا, وفي نفس الوقت تصل نسبة البطالة في العراق الى ما بين 18-20%, لذا فان المحتل وعملاءه في المنطقة لايهمه تهديم البنية التحتية للعراق سواء كانت اقتصادية او اجتماعية او اكاديمية, والدليل على ذلك ما تحدث به وزير التعليم العالي في مقابلة قائلا :" توجود 8000 شهادة اولية وعليا موزورة واضاف بان الجامعات العراقية لاترحب بالاساتذة العراقيين الموجودين في اوربا- الذين كان سبب هجرتهم وتهجيرهم النظام الصدامي- لان مستوياتهم العلمية اعلى بكثير من الموجودين في الداخل", وبهذه الفوضى تعمل الادارة الامريكية لانه لايهمها ان تسخط العامة وينحط المستوى العلمي في العراق ولكن يهمها ارضاء هذه الخاصة التي وفرت لها كل شيئ من كهرباء وأمان وحراسة وعيش رغيد ونوادي للفحش والاستهتار وقد نجحت سياستها هذه في مصر وغيرها من الدول العربية الاخرى, وما الذي يغيض ويضرامريكا لوتستمر حالة الفوضى في العراق ثلاثين سنة اخرى كما استمر صدام ولكل حادث حديث عند الاطاحة بتلك الحكومة.

ومن هنا نرى ان الادارة الامريكية مع عبيدها وعملائها من الحكام العرب بزعامة العائلة السعودية يسعون لجلب الاقلية لقيادة الاكثرية في العراق, وهذا جانب من جوانب دكتاتورية الديمقراطية الامريكية في العراق سواء كانت عن طريق الجوانب الاقتصادية كما هو الحال في النادي اللبناني وامثاله, او دعم الاقلية الطائفية الوهابية لقيادة الاكثرية التي مزقت وحدتها المخابرات الامريكية والصهيونية والاموال السعودية, او التدخل في تزييف الانتخابات العامة من صالح المجموعات التي تدعم سياستها.ومن خلال مراجعة هذه التدخلات نرى ان الحذر والقلق اصبح يشغل الاكثرية المطلقة من ان تصبح اليد اليسرى من هذا الكيان اذا قُطعت شريكتها اليمنى تقول اني بآمان ولايهمني مَن بٌتر وقطع, لقد عملت دكتاتورية الديمقراطية التي صدرتها الادارة الامريكية الى العراق لدعم الاقلية بطريقة ميكافيلية مخزية واصبحت واضحة للاعمى دون البصير, والدليل على ذلك ان الادارة الامريكية سخرت اعلامها والاعلام الصهيوني السعودي بقيادة ماردوخ الصهيونية وماردوخ العرب الوليد بن طلال السعودي الوهابي واخيه خالد. فقد اخذ هذا الاعلام يركز على دعم القائمة العراقية لا من اجل العراق وانما من اجل تنفيذ سياسة دكتاتورية الديمقراطية وذلك باستغلال اسماء من الاكثرية الشيعية لتستخدمها جسرا تعبر عليه دكتاتورية الاقلية الوهابية لحكم الاكثرية كما كان في العهود المظلمة المقبورة, وقد صرح طارق الهاشمي: "ان القئمة العراقية رأس سني يرتدي طربوش شيعي".

وعلى ضوء هذا فان الشعب العراقي يطالب الاعلام الحر الشريف الذي ينئى بنفسه عن المال السعودي السحت ان يكون واضحا صريحا كالاعلام الغربي الحرالذي يدافع بشكل صلب وشجاع عن حقوق شعبه حين يرى ان هنالك تجاوز على حقوق المواطنين,الشعب العراقي يريد رجال اعلام ليس من الذين جعلهم الطمع السعودي بحالة رق مؤبد لامرائهم. ومما لاشك فيه توجد وسائل اعلام كثيرة لايهمها الا ان تزرع الشر والاجرام في صدور روادها الغوغاء من اجل الحصول على المال الحرام وهذا ما نراه ونشاهده في بعض الفضاءيات ووسائل الاعلام الاخرى الرخيصة المأجورة وبئس الزاد الذي يسبب العدوان على العباد, الشعب العراقي يطالب الاعلام الشريف ان لاتهمه في قولة الحق لومة لائم, وهنا توجب على هذا النوع من الاعلام ان يتكلم بصراحة عن اسباب ودوافع تشكيلة القائمة العراقية واهدافها التي اصبحت واضحة للاعلاميين الشرفاء, ولا يعني ان حصولها على 91 نائبا يعني انها وصلت بطريقة ديمقراطية. فالانتخابات والتصويت في مصر لايعني ان هنالك ديمقراطية وكذلك الحال في زمن صدام وكذلك الانتخابات الاخيرة في العراق التي تدخلت السعودية الوهابية بشكل مباشر في الشأن الانتخابي العراقي, فكان التزييف والتآمر على طريقة الانتخابات كان واضحا من اجل المجيئ بحفنة من عصابة صدام للسيطرة على الحكم في العراق ثانية, وقد ذكرت وكالة الاخبار الفرنسية (AFP) تصريح السيدة Ctherine Ashton التي تشغل منصب (الممثل الاعلى للشؤون الخارجية والسياسة الامنية في الاتحاد الاوربي) بان هنالك تزييف في الانتخابات العراقية وقد نشر الخبر في اغلب وسائل الاعلام في 12-03-2010 ويعتقد البعض ان هذا الاعلان كان وسيلة ضغط لدعم القائمة العراقية بدليل ان الصمت خيم بعد اعلان تقدم قائمة دكتاتورية ديمقراطية الامبريالية. وبعد هذه القرائن والدلائل اصبح على الاعلام العراقي الشريف ان يكرس مفهوم المواطنة الحقيقية التي ترغم قوى الاحتلال على تغيير سياستها لتجعل العراق لابناءه وليست مرعى للامريكان وعملائهم كما كان في زمن جورج بوش وصدام, وقد اشارت صحيفة الكاردين البريطانية الى ذلك في عددها الصادر 19-03-2010 الذي قالت فيه:" على الادارة الامريكية الجديدة ان تصلح ما خربته الادارة الامريكية السابقة من علاقات بينها وبين العراقيين وتترك الامور الى اهل العراق ليقررون مستقبلهم, وان تكون العلاقة بين امريكا والعراق مبنية على المصالح المشتركة وليس على السيطرة والهيمنة." واذا كانت امريكا تبرر بقاءها في العراق خوفا من التدخلات الايرانية في الشأن العراقي فهذا محض افتراء, ولابد من الاشارة هنا الى ان الجمهورية الاسلامية كانت ولاتزال وستبقى جارة مخلصة للجمهورية العراقية متاخمة لها باكثر من 1450 كم سواء بقت امريكا ام رحلت, وان العلاقات العراقية –الايرانية علاقات اخوية وثيقة لاسباب دينية واجتماعية واقتصادية وتأريخية وتداخلات عائلية وللاحترام المتبادل بين الشعبين وصدق نبي الاسلام الذي قال:" لازال جبريل يوصيني بالجار حتى ضننت انه سيورثه"., ولم تحدث بين هاتين الجارتين أي نوع من حروب وعداوات باستثناء فترة صدام فترة الفتنة الكبرى التي قادتها المخابرات الامريكية والصهيونية والسعودية الوهابية.

ان زرع واقامت تجربة للدكتاتورية تحت مظلة الديمقراطية في العراق لن تنال حظها في بلد الامام علي بن ابي طالب الذي ينادي بالديمقراطية منذ قبول الامام (ع) بالخلافة, اذ وضع النهج الديمقراطي كشرط لقبوله بالخلافة على المسلمين حيث بايعه الناس في الجوامع والشوارع وفي بيته ثم انه ذهب الى بيوت من لم يأتوا لمبايعته ليعرف اسباب ذلك, وهذه الطريقة في ارضاء وكسب اصوات الاخرين لاتزال تمارس في اوربا حيث يأتي احيانا زعماء الاحزاب لبيوت المواطنين لكسب اصواتهم وقد حدث هذا لي ولعائلتي حين طرق باب بيتنا احد زعماء حزب المحافظين في السابق وكان ايضا اخر حاكم بريطاني لحكومة هونكوك 1992-1997 وممثل الاتحاد الاوربي للشؤون الخارجية وهو اللورد Chris Patten وبصحبته امرأة فرحبت بهما وسألته عما يريد فقال جئت مع هذه السيدة من اجل الحصول على صوتك واصوات افراد عائلتك فارجو التصويت لها في الانتخابات المقبلة. وقد كان الامام علي(ع) في ذلك الزمن المخضرم (الجاهلي-الاسلامي) الذي عاصره والكثير من الصحابة يتفقد البعيد والقريب من الناس من اجل الحصول على اجماع المسلمين بالقدر الممكن بعد ان قرر المسلمون ان لاخليفة بعد عثمان الا الامام علي(ع), وبذلك فقد سبق ديمقراطية الانتخابات الاوربية الداخلية وطريقتها بما يقارب 14 قرنا.

وقد استمر اتباع الامام في المطالبة بنفس المنهج والوسيلة اللتان توءهلان الوصول لقيادة دفة الحكم وذلك عن طريق الديمقراطية التي رسمها الامام الى يومنا هذا, والدليل على ذلك ان المرجعية الشيعية في النجف الاشرف عندما تنفست الصعداء بعد الاطاحة بالدكتاتورية الصدامية طالبت بانتخابات ديمقراطية عامة, كما طالب بها امام التشيع وخليفة المسلمين علي بن ابي طالب(ع) كشرط لقبول الخلافة. لذا فان الشعب العراقي السائر على خط امام المتقين يرفض ممارسة دكتاتورية الديمقراطية المنحرفة والمنحازة في العراق الى القائمة العراقية بشكل مباشر وغير مباشر, ويطالب بديمقراطية التشيع التي نادى بها ورسم منهجها الامام علي (ع) وكل من يريد السير على نهجه وعلى الطريقة الديمقراطية التي فرضتها المرجعية السائرة على نهج الامام في النجف الاشرف بزعامة الامام المفدى اية الله السيستاني حفظهم الله جميعا, وجعلهم الله سفراء الاسلام لنشر العدل والمحبة بين الناس من اجل تحقيق الهدف الاسمى لديمقراطية التشيع والابتعاد عن دكتاتورية الديمقراطية, الديمقراطية الموهومة والمتناقضة كما يسميها الكاتب Robert W.McChesneyفي كتابه الاعلام الغني والديمقراطية الفقيرة Rich Media, Poor Democracy.. نريد ديمقراطية تأتي عن طريقها حكومة كما في الغرب, وكما في امريكا المحتلة للعراق على الاقل.

ان ما جرى ويجري على الساحة العراقية هو تدخل سافر من قبل الادارة الامريكية سواء في عهد الرئيس السابق بوش او الرئيس الحالي اوباما بينما تظهر الادارة الامريكية نفسها وحلفائها بأنهم لايتدخلون في الشؤون الداخلية للشعب العراقي, ولكنهم هم الذين اركسوا العراق في هذه الحالة من الفوضى والاضطرابات وارغموا ابناء الشعب العراقي بفرض وزراء كانوا للاشرار في حكومة صدام اعوانا وقد اشتركوا في نفس الاثام التي قام بها جلاوزة صدام وبطانتهم اعوان الاثمة, ومن المؤسف انهم اليوم يتبؤون مناصب مهمة في الدولة وصلت الى درجة نائب في السلطات الثلاث او قد يحدث الاسوء! وكذلك هنالك وزراء صداميون في أهم الوزارات, وكان المفروض بالحكومة والاحزاب المضطهدة في زمن الدكتاتور صدام ان لاتتعامل مع هؤلاء القتلة الظلمة الذين لايزال اثار ظلمهم باقيا على ابناء الشعب العراقي كما شاهدنا بعضه على شاشات التلفزة التي تحدثت عن ابناء حلبجة والانتفاضة الشعبانية, وكان المفروض على السلطة الجديدة في العراق والقيادة السياسية الجديدة ان تختار خلفا صالحا من ابناء الشعب العراقي البعيد عن آصار اولئك الظلمة وأوزارهم حتى لو استخدم المثلث الاجرامي كل ضغوطه. ان السبب في فشل قادة السياسة في بعض الجوانب ليس موضوع الامن والكهرباء والماء والخدمات والبطالة وغيرها من الامور القابلة للانتقاد فحسب, وانما الاصل هو ان تلك الاحزاب المعارضة لصدام ونظامه جلست على مائدة واحدة مع اعوان صدام وظلمة الشعب العراقي وقد اصبح المحسن والمسيئ على حد سواء وبمنزلة واحدة مما اعطى فرصة لاعوان صدام في التخريب والهدم والعرقلة لمسيرة الدولة الجديدة الفتية بمعنى الكلمة.

وهذا ما اراده مثلث الموت الذي بات يفتك بالشعب العراقي يوما بعد يوم. واصبح الوزير يرجع الى رئيس كتلته حتى ولو كان صداميا ولا يعطي أي اهتمام لرئيس الوزراء مما احدث التسيب في دوائر الدولة ومؤسساتها. لذا فان الشعب العراقي اليوم وبعد الانتخابات الاخيرة سوف يهيب ويحترم ويدافع بقوة عن رئيس الوزراء الذي يضع حدا لظاهرة المحاصصة والمشاركة والمقاسمة التي هدفها تقاسم اموال الفقراء بين القيادات السياسية وانصارها. وان ابناء الشعب العراقي يرحبون برئيس الوزراء القادم من أي تنظيم او كتلة شريفة ليست لها تأريخ محبة مع النظام الصدامي اولا وله من القوة والشجاعة ان يحاسب الوزير الذي احدث فعلا ضررا للمصلحة العامة سواء كان هذا الفعل امنيا او اقتصاديا امام القانون الجنائي لانه يضر بالدولة التي تمثل المصلحة العامة دون اخذ الاعتبار لأنتسابه السياسي كما يحاسب في الدول الديمقراطية ومنها المجاورة للعراق كالجمهورية الايرانية الاسلامية وتركيا اللتان تُحسدان اليوم من قبل الدول الكبرى وليس من قبل حكومات الدول العربية المتخلفة.

ان استخدام شعارات وكلمات هدفها ان تدغدغ مشاعر قادة الكتل والاحزاب من اجل تكوين تكتلات تضر بالمصلحة العامة ومن اجل المصلحة الخاصة اصبحت مكشوفة لابناء المجتمع العراقي وسوف لاتشكل هذه التصرفات الا حلقة من الحلقات المصلحية النفعية التي اضرت بمصالح الناس, وعليه يتطلب من الذي يدعي العمل من اجل المصلحة العامة ان لايساوم عليها بشعارات براقة كالمحاصصة والمشاركة والوحدة الوطنية. وهنا نتساءل هل توجد وحدة وطنية في امريكا الدولة المحتلة للعراق او هل توجد وحدة وطنية في بريطانيا وغيرهما من الدول الديمقراطية؟ فاذا كان الجواب نعم: ’انها دول تؤمن بالوحدة الوطنية’, فلماذا تؤمن بنظام حكومة الاكثرية وليست بحكومة المحاصصة او المشاركة, وكذلك الحال بالنسبة للجارتين ايران وتركيا فلماذا تأخذ هذه الدول بنظام الاكثرية التي فرزتها الانتخابات لتشكيل الحكومة بدلا من الشعارات المفرقة لوحدة الاكثرية والموحدة لقادة المصالح النفعية من اجل المال الحرام والمناصب الحكومية واضعاف شوكة الاكثرية المطلقة التي اختارت نهج امام المتقين علي (ع). وان على من يزايد بالحرص على مصلحة الاكثرية سياسيا ان يأخذ درسا من سياسة السبع سنوات الماضية التي لم تضعف وتمزق وتفرق الا وحدة الاكثرية الساحقة المسحوقة, وليس هذا فقط وانما ارهقت واعييت المرجعية الورعة الحليمة العادلة.

ان دكتاتورية الديمقراطية تعني فرض ايديولوجيات واجندات لاتتماشى والعملية الديمقراطية التي اصبحت معاقة ومشلولة في العراق بسبب تدخلات ذلك المثلث حيث اصبح من المتعذر تطبيق أي عملية لها سلوك ايجابي اجتماعي او سياسي او اقتصادي ينمو عن وجود ملامح للديمقراطية التي تنشدها الشعوب المتحضرة, بل ان هذا الشكل او النوع من انواع واشكال الديمقراطية في العالم بات لايوجد الا في العراق. فديمقراطية العراق لايمكن تسميتها بديمقراطية دستورية كما في امريكا ولا ديمقراطية مباشرة كما في بريطانيا بل ولا حتى بالديمقراطية الاشتراكية التي اكل الدهر عليها وشرب, وانما هي ديمقراطية جديدة تسمى بديمقراطية دكتاتورية الاقلية تقوم بتعليبها وتصديرها مؤسسات في الادارة الامريكية بالتعاون مع دول العمالة الى دول تسمى بالعالم الثالث من اجل الهيمنة عليها وسلب ثرواتها, ثم تقوم بتسليم زمام الامور الى عملائها وهذا الذي شاهدناه من التدخل الامبريالي الصهيوني السعودي الوهابي في شأن الانتخابات العراقية الاخيرة والتدخل المنحاز في الانتخابات اللبنانية والفلسطينية وغيرها من دول العالم الثالث, وكادت ايران لاتسلم من هذه التدخلات لولا قوة وحنكة المرشد الاعلى ورئيس الدولة والارادة الشعبية اللتي تصدت بقوة وصلابة للموآمرة التي تحاك منذ 1979.

وخلاصة القول ان نظرية ديمقراطية التشيع لها جذور تأريخية وتطبيقات عملية واضحة ولها دستور وضعه مؤسسها امام المتقين وقد استل واختار مواده من كتاب الله وسنة نبيه وعبقرية الامام وعلمه وخاصة في القضاء كما يقول الخليفة عمر بن الخطاب :"علي اقضانا." وان الرجوع الى هذا الدستور متيسر وسهل الحصول والاطلاع عليه في كتب التأريخ والسير, ومن بين هذه المصادر كتاب نهج البلاغة للامام علي (ع) الذي فسره ابن ابي الحديد ومحمد عبده مفكر الازهر الشريف. ويذكر الشيخ عبده ما يلي :" وليس في اهل هذه اللغة الا قائل بأن كلام الامام علي بن ابي طالب هو اشرف الكلام وابلغه بعد كلام الله تعالى وكلام نبيه(ص) واغزره مادة وارفعه اسلوبا واجمعه لجلائل المعاني". وفعلا كما يقول العلامة محمد عبده فان في نهج البلاغة مواد دستورية وقوانين وتشريعات ديمقراطية واحكام من اجل حقوق الانسان لم تجدها في احدث النظم الديمقراطية, فمثلا يوصي الامام احد ولاته قائلا له:" واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم. ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم اكلهم, فانهم صنفان اما اخ لك في الدين واما نظير لك في الخلق..." ثم يستمر في نصيحة الوالي:" انصف الله وانصف الناس من نفسك ومن خاصة اهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك, فانك الا تفعل تظلم, ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده." اذن هذه العظمة الانسانية التي تدافع عن حقوق الانسان منذ اكثر من اربعة عشر قرنا ولا تزال اليوم في ذروتها السمقة تدافع عن تلك الحقوق من اجل ان يعيش الانسان تحت نظم ديمقراطية. أجل لقد تحملوا مسؤولية استمرارية هذه التعليمات والوصايا الاسلامية الديمقراطية بعد استشهاد امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) ال بيت الرسول (ص) ثم اصحابهم واتباعهم الى يومنا هذا حيث المرجعية الدينية في النجف الاشرف ومدينة قم المقدسة اذ تعج هاتين المدينتين بالالاف من طلبة العلوم الاسلامية الذين نور الله قلوب الاكثرية منهم بالعلم والمعرفة والعدالة واصبحوا قدوة للاخرين في القيم والاخلاق لانهم ساروا على نهج علي الذي هو نهج نبيه وابن عمه محمد(ص), نهج الديمقراطية وحقوق الانسان والحداثة التي لايزال يستمر بها التشيع فلم يغلق باب الاجتهاد للمفاهيم والمستجدات المعاصرة.

ويتبين من خلاصة هذه المقالة ان عداء الحكومات الامريكية المتعاقبة وحلفاءها وعملاءها من حكام العرب للنظم الديمقراطية في العالم الاسلامي جليا وواضحا منذ انفجار الثورة الاسلامية سنة 1979 .واذا كان اهم تعريف لمفهوم الديمقراطية يعني:" حكم الشعب" فلماذا تحارب الادارة الامريكية حكومة الشعب وزعيمها الامام الخميني الذي احتفى بتأييد الجماهير ولم يحظو بمثل هذا التأييد زعيم دولة وحكومة اخرى في القرن العشرين وما بعده الى هذا اليوم ,وقد اعتبر موقع ( الثورات التأريخية) Historical Revolutions في مقالة تحت عنوان Famous Historic Revolutions(اشهر الثورات في التأريخ) ان الثورة الايرانية سنة 1979 تعتبر واحدة من بين اعظم ثلاث ثورات في العالم : الثورة الفرنسية,الثورة البلشفية, والثورة الاسلامية الايرانية التي تختلف عن مثيلاتها انها لاتزال مستمرة الى يومنا هذا. فاذا كانت الثورة الايرانية الاسلامية بهذه الاهمية والاحترام بين المثقفين والاكاديمين, فلماذا يتآمرعليها مثلث الموت ويوظف الاموال والاعلام ويحرك اعداء الثورة الايرانية اثناء وبعد الانتخابات الايرانية الاخيرة التي صوت فيها الشعب وحسم الموقف لرئيسه الحالي احمدي نجاد بفارق يتراوح 11 مليونا من الاصوات عن منافسيه؟ وبالاضافة لذلك لا يزال الاعلام الغربي يعادي ويتآمر عليها وهي اكثر الحكومات شعبية وتأييدا من قبل ابناءها. واذا كانت الادارة الامريكية تؤمن بالديمقراطية التي تعني حكم الاكثرية فلماذا تتأمر مع حلفاءها وعملاءها من اجل سحق الاكثرية في العراق وفرض دكتاتورية الاقلية بينما تقرر الاكثرية في امريكا واوربا اختيار ونوعية وشكل الحكومة لادارة شؤون بلادها؟

وهل يبقى ادنى شك بعد هذا التوضيح بان نظرية الديمقراطية الحقيقية في العراق سوف تسمو واضحة متألقة منتصرة -في ربوعه التي غرست بعلوم وعقيدة ال بيت رسول الله (ص) من اقصى شماله الى اقصى جنوبه -على دكتاتورية الديمقراطية الامبريالية الامريكية التي بدأت تجر باذيالها بعد سبع سنوات من الفشل؟ وهل هنالك في العالم من ينكر ان المرجعية الشيعية في العراق هي التي اقرت وارست ملامح الديمقراطية على ارضه رغم مقاومة (بريمر) وادارته بعد الاطاحة بالنظام الدكتاتوري الصدامي؟ ان هذا الاعتزاز والثقة بديمقراطية التشيع لم تأتي عن ايمان او مطالعة تأريخية وحسب ولا عن عاطفة او انحياز ولكنها عن متابعة لما يكتبه اليوم علماء العالم الذين يتابعون ما يجري حولهم من التطورات الاجتماعية والسياسية في العالم, ولابد الى الاشارة هنا الى ما تناوله الموقع الاخباري العالمي Worldpress ,وهو من اشهر المواقع التي تهتم بالمشاكل العالمية اليومية, في مقالة تعرضت لاصالة الديمقراطية في نظرية وطريقة الحكم في التشيع وبرهنت المقالة بامثلة عن تأريخ التشيع الديمقراطي تحت عنوان ‘Shia Democracy’:Myth or Reality? (ديمقراطية التشيع:أسطورة ام حقيقة؟ ومن جانب اخر تتحدث وسائل الاعلام العالمية المستقلة والنزيهة عن الحركات الارهابية التي تتزعمها العائلة السعودية الوهابية والتي كانت سببا بمؤامراتها في تهجيرابناء العراق من ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا الله وذلك بالتعاون مع صدام ولكن الله يمهل ولا يهمل. ورغم كل ما يحدث في العراق اليوم فالحق الذي لامراء فيه ان ارادة المرجعية التي تساندها ارادة المخلصين والمؤمنين من ابناء العراق التي يسددها الله بقوته ونبيها برحمته "ما ارسلناك الا رحمة للعالمين" وامامها الشجاع الزاهد العادل سوف تنتصر كما وعد الله (سبحانه) عباده المؤمنين في محكم كتابه:"وكان حقا علينا نصر المؤمنين". صدق الله العلي العظيم.
رایکم