۶۲۰مشاهدات

آفاق.. عن جاهلية التكفير ونزعته العدوانية

وفي ذلك كان التكفير نزعة عدوانية تعمى فتغلط وتحمق فتعادي الناس لما جهلته من عقائدهم ومذاهبهم.
رمز الخبر: ۱۴۸۴۴
تأريخ النشر: 05 September 2013
شبکة تابناک الاخبارية: کتب الشيخ حسين أحمد شحادة فی مقال له: لفتني من حركات الإسلام السياسي رجلان يقودان إلى الفتنة بين المسلمين:

أحدهما: جاهل بجهله فهو يختال بأفكاره من دون أن يعرف أنه جاهل.

وثانيهما: يرفع شعارات العلم بلا استحقاق فينسب إلى العقيدة الإسلامية ما ليس فيها ويلصق بها غرائزه الحمقى من دون أن يلتفت أن أساس الدين فيما رواه ابن عباس (رض): «بني على العقل ولمثقال ذرة من بر العاقل أفضل من جهاد الجاهل ألف عام».

وفي ذلك كان التكفير نزعة عدوانية تعمى فتغلط وتحمق فتعادي الناس لما جهلته من عقائدهم ومذاهبهم.

وعلى هذه النزعة يدور التكفير مدار انغلاق المعرفة لا بواقع الاجتماع الإنساني فحسب بل بواقع الجوهر من حقائق الدين نفسه فيبني على وهم امتلاكه للحقيقة الدينية المطلقة خطابه التكفيري لتتشعب منه الفتن القاتلة باسم الإسلام فلا يدري القاتل على الهوية الدينية بأن حق محاسبة الناس على عقائدهم هي من حقوق الله وبأنه تبارك وتعالى: «يحاسب الناس على قدر ما أتاهم من العقول في دار الدنيا» ولا أحد على وجه الأرض يملك هذا الحق إلا الله.

وإذن تبدأ مصائد التكفير من أزمة المعرفة بالله لتستمر في أزمات الوعي التطبيقي للدين حتى خيّل لبعض الذين يعبدون الله على حرف أن إسلام المسلم فيما يرويه الحديث: «في طول لحيته وفي نقش خاتمه وفي كنيته» هكذا في اختزال طقوسي لا يريد أن يفهم أو يقرأ بأن المسلم من سلم الناس من لسانه ويده.

ومن أدب الدعوة إلى الله أن يكون المسلم واعياً لحكمة القرآن في هداية الناس لرب العالمين من دون أن يتطاول عليهم بذهنية الإعجاب بنفسه فلا وحشة أوحش من العجب باعتباره مرضاً من أمراض التدين الذي يأمر الناس بالبر وينسى نفسه ثم يدعو إلى إصلاح العالم جاهلاً بمعايبه وإصلاحها.

والمسلم الحقيقي لا يسأم من طلب العلم طول عمره ولا يتبرم باختلاف المختلفين معه لأنه بمقتضى المنهاج القرآني نفسه مأمور بطلب المعرفة والتدبر والتفكير وربط تجلياتها الإنسانية في طلب التعارف على قاعدة أن العلم والتقوى هما معيار التفاضل بين الناس.

وما من شك في أن انحراف التكفير عن هذه القيم القرآنية قد شوه صورة الإسلام وسمعته وأضاف إلى معيقات النهوض العربي إعاقة مزمنة يراد تعميمها لشل الإرادة الإسلامية وإيقاعها في مهالك الابتعاد عن مشروع وحدتها ولا سيما في هذه المرحلة الحرجة من مراحل سقوط النظام العربي وإذعانه لمشاريع الاحتلال في واقع إسلامي ممزق تحكمه المخاشنة والمماكرة والخديعة بين أبناء الأمة الواحدة وهي تمتحن اليوم بأهواء المغالبة والمكاثرة بتوهمات وتخيلات ومنازعات فتحت شهية السفهاء والرعاع على المتاجرة بدين الله ومن علامات ذلك أن يصبح الدين – تكفيراً – بعد أن كان موعظة ونصيحة، ويصبح صلفاً وغلظة بعد أن كان محبة ورحمة للعالمين وفساداً وظلماً وإضراراً بعباد الله بعد أن كان عدلاً واستقامة وحرصاً على الخير والصلاح.

والتكفير في بعض سلوكاته المرضية نزعة من نزعات النفاق والاستكبار يخالف لسانه قلبه وقوله وفعله وسريرته علانيته وخصاله خصال الجائرين وأقصى مقاصد التكفير أن يلغي حقك بالاختلاف معه فلا رشد ولا صواب ولا هدى إلا ما يراه أو يتوهمه كذلك فهو لا يحتكر فهمه الاجتهادي للإسلام فحسب بل يكره الناس على طريقته بتضييق الأمر عليها وغاية جهده وسعيه أن يقبض على مفاتيح الجنة والنار تمهيداً لاختطاف السلطة وانتزاع حق الناس في تقرير مصيرهم الديني.

وتلك هي جاهلية التكفير ومن نوازعه في الراهن المعاصر أن يقتدي الجاهلون بالذين لا يعقلون من أمور الدين شيئاً وما أشبه هؤلاء بأولئك الذين أنكر عليهم القرآن تقليد الآباء في جاهليتهم الأولى.

وكفى من أثر هذه الجاهلية وهذا الجهل أن تسأل فقهاء التكفير عن عوامل نشأة المذاهب واختلاف المجتهدين فلا يعرف عن ذلك إلا حديثاً من موضوعات الأحاديث بأن جميع الفرق الإسلامية إلى النار وفرقته هي الوحيدة من بينهم إلى الجنة.

وعلى ذلك تم إغلاق باب الاجتهاد وانهدم العقل العربي بين تيارات التكفير الديني وتيارات التخوين السياسي، فذهبت رياح الأمة وضاع مستقبلها كما ذهبت رياح الأندلس من قبل على أيدي أمراء الطوائف والتكفير وشيء من دماء الجروح النازفة يصرخ بنا جميعاً: من هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه.

النهاية
رایکم