۱۲۲۸مشاهدات

هذه وصية الامام العسكري (ع) للشيعة!

سماحة آية الله السيد محمد تقي المدرسي
رمز الخبر: ۱۷۵۴۴
تأريخ النشر: 11 January 2014
بمناسبة شهادة الامام العسكري نجد انه من المناسب الحديث عن وصيته لشيعته لكي نتبعها ونعمل بها ونكون من الشيعة الحقيقيين وليس بمجرد الادعاء.

1- في وصيته الرشيدة إلى شيعته يحدد الإمام العسكري (ع) المنهج الذي ينبغي عليهم ان يتبعوه في تلك الظروف الصعبة .

يقول الإمام: " أوصيكم بتقوى الله، والورع في دينكم ، والإجتهاد لله وصدق الحديث ، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برّ أو فاجر، وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد (ص) صلّوا في عشائرهم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم (1) وأدّوا حقوقهم فان الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في حديثه وأدّى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل : هذا شيعي فيسرّني ذلك.

اتقوا اللـه وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً ، جرّوا إلينا كل مودة، وادفعوا عنا كل قبيح، فانه ما قيل من حسن فنحن أهله ، وما قيل من سوء فما نحن كذلك . لنا حق في كتـاب اللـه، وقـرابة من رسول اللـه، وتطهير من اللـه لا يدعيه أحد غيرنا إلاّ كذّاب . اكثروا ذكر اللـه وذكر الموت وتلاوة القرآن والصلاة على النبي (ص) فان الصلاة على رسول اللـه عشر حسنات . احفظوا ما وصيّتكم به ، واستودعكم اللـه، وأقرأ عليكم السلام " (2).

2 - ايمان الناس بالقيادة الشاهدة ، عليهم الحاضرة بينهم ، أشدّ صعوبةً على انفسهم ، من ايمانهم بمن مضى من بينهم ، لانهم إذا آمنوا بالإمام الشاهد الحاضر ، تطلب منهم اتباعه وطاعته والتسليم لأمره وما أصعب الطاعة ، والتسليم ، وبالذات إذا اختلفت الرؤى وتناقضت المصالح ، ومن هنا كثرت حالات الوقف عند كثير من أبناء الطائفة كلما مضى إمام ، وقام إمام مقامه ، وكثير ما كان الوقف من قبل الوكلاء الذين تجمعت عندهم أموال الحقوق ، ولعب بأهوائهم ريح الرئاسة وشهوة السلطة .

وقــد لحق الإمام العسكـري الكثير من الأذى بسبب هؤلاء ، وربما أكثر من الماضيــــن من أئمة الهدى ، كما يظهر من حديث روي عنه يقول فيه: " ما مُنيَ أحد من آبائي بمثل ما منيت به من شك هذه العصابة فيَّ " .

ولعل مرد هذا الشك ، كان الشك في استمرار الامامة ، لذلك قال الإمام في رد هذا الشك: " فان كان هذا الأمر أمراً اعتقدتموه ودنتم به إلى وقت ( يبدو انه كان يعني أمر الامامة ) ثم ينقطع ، فللشك موضع ، وان كان متصلاً ما اتصلت أمور اللـه ، فما معنى هذا الشك " (3).

وفي كتاب كريم يرسله الإمام إلى واحد من أصحابه الثقاة ، والذي كانت بينه وبين الإمام مراسلات كثيـرة ، واسمه إسحاق بن إسماعيل النيسابوري ، نقرأ احتجاج الإمام على الأمامة ، ومدى أهميتها ، تعالوا نتأمل في هذه الرسالة .

" سترنا اللـه وإياك بستره وتولاّك في جميع أمورك بصنعه ، فهمت كتابك برحمك اللـه ونحن بحمد اللـه ونعمته ، أهل بيت نرق ّعلى أوليائنا ونسرُّ بتتابع احسان اللـه إليهم وفضله لديهم ، ونعتدّ بكل نعمة ينعمها اللـه تبارك وتعالى عليهم ، فأتم اللـه عليك يا إسحاق وعلى من كان مثلك - ممن قد رحمه اللـه وبصّره بصيرتك - نعمته . وقدر تمام نعمته ، دخول الجنة . وليس من نعمة ، وان جل أمرها وعظم خطرها ، الا والحمد لله تقدّست أسماؤه عليها ، مؤدٍ شكرها ، وأنا أقول : الحمد لله أفضل ما حمده حامد إلى أبد الأبد بما منّ اللـه عليك من رحمته ونجّاك من الهلكة ، وسهّل سبيلك على العقبة . وأيم اللـه انها لعقبة كؤود ، شديد أمرها ، صعب مسلكها ، عظيـم بلاؤهـا ، قديـم فـي الزّبـر الأولى ذكرها . ولقد كانت منكم في أيام الماضي (ع) إلى ان مضى لسبيله وفـي أيامـي هـذه ، أمـور كنتـم فيها عندي غير محمودي الرأي ولا مسدّدي التوفيق .

فاعلم يقيناً يا إسحاق انه من خرج من هذه الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً .

يا إسحاق ليس تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ، وذلك قول اللـه في محكم كتابه حكاية عن الظالم إذ يقول : { رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى } (طه/125-126) . وأي آية أعظم من حجة اللـه على خلقه وأمينه في بلاده وشهيده على عباده من بعد من سلف من آبائه الأولين النبيين وآبائه الآخرين الوصيين ( عليهم أجمعين السلام ورحمة اللـه وبركاته ) . فأين يتاه بكم وأين تذهبون كالأنعام على وجوهكم ، عن الحق تصدفون ، وبالباطل تؤمنون ، وبنعمة اللـه تكفرون ، أو تكونون ممن يؤمن ببعض الكتاب ، ويكفر ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غيركم إلاّ خزي في الحياة الدنيا وطول عذاب في الآخرة الباقية ، وذلك واللـه الخزي العظيم . ان اللـه بمنّه ورحمته لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليكم بل رحمة منه - لا إله إلاّ هو - عليكم ليميز الخبيث من الطيب وليبتلي ما في صدوركم وليمحّص ما في قلوبكم ، لتسابقوا إلى رحمة اللـه ولتتفاضل منازلكم في جنته ، ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصلاة وايتاء الزكاة والصوم والولاية وجعل لكم باباً تستفتحون به أبواب الفرائض مفتاحاً إلى سبيله ، لولا محمد (ص) والأوصياء من ولده لكنتم حيارى كالبهائم لا تعرفون فرضاً من الفرائض وهل تدخل مدينة الا من بابها ، فلما منَّ عليكم باقامة الأولياء بعد نبيكم ، قال اللـه في كتابه : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } (المائدة/3) ففرض عليكم لأوليائه حقوقاً أمركم بأدائها ليحلّ لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومأكلكم ومشاربكم ، قال : { لآ أَسْاَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } (الشّورى/23) واعلموا انّ من يبخل فأنما يبخل عن نفسه ، واللـه الغني وأنتم الفقراء ، لا إله إلاّ هو . ولقد طالت المخاطبة فيما هو لكم وعليكم " (4).

قد صعدنا ذرى الحقائق:

3 - لم يفتخر الأئمة (ع) بمنصب دنيوي ، أو ثروة وشهرة . انما كان فخرهم بحب اللـه ، والإنتساب إلى رسوله .. وبالعلم والتقوى . وفيما يلي رائعة منسوبة إلى الإمام العسكري وجدوها بخطه الكريم على ظهر كتاب جاء فيها :

" قد صعدنا ذرى الحقائق باقدام النبوة والولاية ، ونوّرنا السبع الطرائق بأعلام الفتوة ، فنحن ليوث الوغى ، وغيوث الندى ، وفينا السيف والقلم في العاجل ، ولواء الحمد والعلم في لآجل ، وأسباطنا خلفاء الدين ، وحلفاء اليقين ، ومصابيح الأمم ، ومفاتيح الكرم ، فالكليم اُلبس حلّة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء ، وروح القدس في جنان الصاقورة ، ذاق من حدائقنا الباكورة ، وشيعتنا الفئة الناجية ، والفرقة الزّاكيـة ، صاروا لنا ردءاً وصوناً ، وعلى الظلمة إلباً وعوناً ، وسينفجر لهم ينابيع الحيوان بعد لظى النيــران " (5) .

حكم للحيــاة: خير الدروس تلك التي يستفيد منها الإنسان في حياته وقد أفاض أئمة الهدى المزيد من التعاليم الحياتية لو استوعبناها ، لكنا أسعد الناس في الدنيا وأقربهم إلى رضوان اللـه في الآخرة . وفيما يلي نتأمل بعض كلمات الإمام العسكري (ع) في هذا الحقل الهام: " ادفع المسألة ما وجدت التحمل يمكنك ، فان لكل يوم رزقاً جديداً . واعلم ان الإلحاح في المطالب يسلب البهاء ويورث التعب والعناء ، فاصبر حتى يفتح اللـه لك باباً يسهل الدخول فيه فما أقرب الصنيع من الملهوف ، والأمن من الهارب المخوف ، فربما كانت الغِير نوع من أدب اللـه ، والحظوظ مراتب ، فلا تعجــل على ثمرة لم تدرك ، وانما تنالها في أوانها ، واعلم ان المدبر لك أعلم بالوقت الذي يصلح حالك فيه ، فثق بخيرته في جميع أمورك يصلح حالك ، ولا تعجل بحوائجك قبل وقتها ، فيضيق قلبك وصدرك ويغشاك القنوط ، واعلم ان للسخاء مقداراً ، فان زاد عليه فهو سرف ، وان للحزم مقداراً فان زاد عليه فهو تهور ، واحذر كل ذكي ساكن الطرف ، ولو عقل أهل الدنيا خربت " (6) .

" خير اخوانك من نسي ذنبك وذكر احسانك إليه " .

" أضعف الأعداء كيداً من أظهر عداوته " .

" حسن الصورة جمال ظاهر ، وحسن العقل جمال باطن " .

" اولى الناس بالمحبة منهم من أمّلوه " .

" من آنس باللـه استوحش الناس ، وعلامة الانس باللـه الوحشة من الناس " .

" جعلت الخبائث في بيت والكذب مفاتيحها " .

" إذا نشطت القلوب فأودعوها ، وإذا نفرت فودّعوها " .

" اللحاق بمن ترجو خير من المقام مع من لا تأمن شره " .

" الجهل خصم ، والحلم حكم ، ولم يعرف راحة القلوب من لم يجرّعه الحلم غصص الصبر والغيظ " .

" من ركب ظهر الباطل نزل به دار الندامة " .

" المقادير الغالبة لا تدفع بالمغالبة ، والأرزاق المكتوبة لا تنال بالشره ، ولا تدفع بالامساك عنها " .

" نائل الكريم يحببّك إليه ويقربك منه ، ونائل اللئيم يباعدك منه ويبغضك إليه " .

" مـن كان الورع سجيته ، والكرم طبيعته ، والحلم خلّته كثر صديقه ، والثناء عليه ، وانتصر من أعدائه بحسن الثناء عليه " .

" السَّهر ألذّ للمنام والجوع أزيد في طيب الطعام " . ( رغّب به (ع) على صوم النهار وقيام الليل) " (7).

" المؤمن بركة على المؤمن وحجة على الكافر " .

" قلب الأحمق في فمه وفم الحكيم في قلبه " .

" لا يشغلك رزق مضمون عن عمل مفروض " .

" من تعدّى في طهوره كان كناقضه " .

" ما ترك الحقَ عزيزٌ إلاّ ذلّ ولا أخذ به ذليل إلاّ عزّ " .

" صديق الجاهل تعب " .

" خصلتان ليس فوقهما شيء : الايمان باللـه ونفع الاخوان " .

" جرأة الولد على والده في صغره تدعو إلى العقوق في كبره " .

" ليس من الأدب اظهار الفرح عند المحزون " .

" خير من الحياة ما إذا فقدته بغضت الحياة ، وشر من الموت ما إذا نزل بك أحببت الموت " .

" رياضة الجاهل وردّ المعتاد عن عادته كالمعجز " .

" التواضع نعمة لا يحسد عليها " .

" لا تكرم الرجل بما يشقّ عليه " .

" من وعظ أخاه سرّاً فقد زانه . ومن وعظه علانية فقد شانه " .

" ما من بلية إلاّ ولله فيها نعمة تحيط بها " .

" ما اقبح بالمؤمن ان تكون له رغبة تذلّه " (8).

مواعظ إلهيــة:

5 - وقال (ع): " أورع الناس من وقف عند الشبهة ، أعبد الناس من أقام على الفرائض ،أزهد الناس من ترك الحرام ، أشد الناس اجتهاداً من ترك الذنوب " .

" انكم في آجال منقوصة وأيام معدودة ، والموت ياتي بغتة ، من يزرع خيراً يحصد غبطة ، ومن يزرع شراً يحصد ندامة ، لكل زارع ما زرع ، لا يسبق بطيء بحظه ، ولا يدرك حريص ما لم يقدّر له ، من أعطى خيراً فاللـه أعطاه ، ومن وقي شراً فاللـه وقاه " .

وجاء في رسالته الكريمة إلى الفقيه المشهور بابن بابويه جاء فيها :

" اما بعد أوصيك يا شيخي ، ومعتمدي ، وفقيهي - أبا الحسن علي بن الحسين القمي ، وفقك اللـه لمرضاته وجعل من صلبك أولاداً صالحين برحمته .

بتقوى اللـه ، واقام الصلاة ، وايتاء الزكاة ، فانه لا تقبل الصلاة من مانعي الزكاة .

وأوصيك بمغفرة الذنب ، وكظم الغيظ ، وصلة الرحم ، ومواساة الاخوان ، والسعي في حوائجهم في العسر واليسر ، والحلم عن الجهل ، والتفقه في الدين ، والترتيب في الأمور والتعهد للقرآن ، وحسن الخلق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال اللـه عزّ وجلّ { لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِن نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْـلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللـه فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } (النساء/114) واجتناب الفواحش كلها . وعليك بصلاة الليل - ثلاث مرات - ومن استخف بصلاة الليل فليس منا .

فاعمل بوصيتي ، وأمر شيعتي حتى يحملوا عليه ، وعليك بانتظار الفرج ، فان النبي (ص) قال : " أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج " . ولا يزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي الذي بشر به النبي (ص) انه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً .

فاصبر يا شيخي ، وأمر جميع شيعتي بالصبر ، { إِنَّ الاَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيــنَ } (الاعراف/128)

والسلام عليك وعلى جميع شيعتنا ورحمة اللـه وبركاته وحسبنا اللـه ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير (9).

الدعاء : برنامج التحدي :

6 - وكانت الأدعية المأثورة عن أهل بيت الوحي (ع) ، تعتبر دائماً برنامج التحدي ضد كل الوان الفساد الثقافي والإجتماعي والسياسي .. أو ليس الدعاء يقرب القلب من الرب ، ويعرج بروح المؤمن إلى آفاق معرفة اللـه . والإنسان كلما ازداد معرفة باللـه ، ازداد ايمانا به وازداد - بالتالي - التزاماً بالشرائع الإسلامية ، والتي من أبرز مصاديقها الثورة ضد الطغاة والإستقامة والصبر في مواجهتهم . وعدم التسليم لوسائل التطويع عندهم من الترغيب والترهيب والتضليل . .

وكانت كلمات الدعاء عند أهل البيت والتي توارثوها عن رسول اللـه (ص) كأغنى كنز وأثمن ركاز ، كانت دائرة معارف إلهية فيها آيات الحكمة ومناهج التربية وبصائر في السياسة ، ورؤى في الثقافة . .

والدعاء الذي علمه الإمام الحسن العسكري للقميين ، والذي انتشر بينهم كمنشور سياسي ، ووثيقة جهادية ، وبرنامج حركي ، ونهج رسالي في تلك المرحلة الحساسة . هذا الدعاء يعتبر اليوم من كنوز معارف أهل البيت ، ويجدر بنا ان نتعاهده ليل نهار حتى نزداد معرفة ويقيناً وصلابةً وهدى ..

دعنا نرتل كلمات هذا الدعاء معاً ونتأمل فيها :

" الحمد لله شكراً لنعمائه ، واستدعاءً لمزيده ، واستجلاباً لرزقه ، واستخلاصاً له ، وبه دون غيره ، وعياذاً من كفرانه والالحاد في عظمته وكبريائه ، حمد من يعلم ان ما به من نعمائه فمن عند ربه ، ، وما مسه من عقوبته فبسوء جناية يده ، وصلى اللـه على محمد عبده ورسوله ، وخيرته من خلقه ، وذريعة المؤمنين إلى رحمته ، وآله الطاهرين ، ولاة أمره .

اللـهم : انك ندبت إلى فضلك ، وأمرت بدعائك ، وضمنت الأجابة لعبادك ، ولم تخيب من فزع إليك برغبته ، وقصد إليك بحاجته ، ولم ترجع بداً طالبة صفرا من عطائك ، ولا خائبة من نحل هباتك ، وأي راحل رحل إليك فلم يجدك قريباً ، ووافد وفد عليك فاقطعته عوائق الرد جودك . بل أي محتف ، لم يمهه فيض جودك ، وأي مستنبط لمزيدك دون استماحه سجال عطيتك .

اللـهم : وقد قصدت إليك برغبتي ، وقرعت باب فضلك يد مسألتي ، وناجاك بخشوع الاستكانة قلبي ، ووجدتك خير شفيع لي إليك ، وقد علمت ما يحدث من طلبتي قبل ان يخطر بفكري ، أو يقع في خلدي ، فصل اللـهم دعائي إياك باجابتي ، واشفع مسألتي بنجح طلبتي .

اللـهـم : وقد شملنا زيغ الفتن ، وستولت علينا غشوة الحيرة ، وقارعنا الذل والصغار ، وحكم علينا غير المأمونين في دينك ، وابتز أمورنا معادن الأبن ممن عطل حكمك ، وسعي في اتلاف عبادك ، وافساد بلادك ، اللـهم وقد عاد فيئنا دولة بعد القسمة ، وأمارتنا غلبة بعد المشورة ، وعدنا ميراثاً بعد الاختيار للأمة ، فاشتريت الملاهي والمعارف بسهم اليتيم والأرملة ، وحكم في ايثار المؤمنين أهل الذمة ، وولي القيام بأمورهم فاسق كل قبيلة ، فلا ذائد يذودهم عن هلكة ، ولا راع ينظر إليهم بعين الرحمة ، ولا ذو شفعــة يشبع الكبد الحري من مسغبة ، فهم أولوا ضرع بدار مضيعة ، وأسراء مسكنة ، وخلفاء كآبـة وذلـــــة (10).

اللـهم : وقد استحصد زرع الباطل ، وبلغ نهايته واستحكم عوده ، واستجمع طريده وخذرف وليده وبسق فرعه ، وضرب بجرانه .

اللـهم : فاتح له من الحق حاصده ، تصدع قائمه ، وتهشم سوقه وتحب سنامه ، وتجدع مراغمه ليستخفي الباطل بقبح صورته ، ويظهر الحق بحسن حليته .

اللـهم : ولا تدع للجور دعامة إلاّ قصمتها ، ولا جنة إلاّ هتكتها ، ولا كلمة مجتمعة إلاّ فرقتها ، ولا سرية ثقل الا خففتها ، ولا قائمة علو إلاّ حططتها ، ولا رافعة علم إلاّ نكستها ، ولا خضراً إلاّ أبرتها .

اللـهم : فكـور شمسـه ، وحط نوره واطمس ذكره وارم بالحق رأسه ، وفض جيوشه ، وأرعب قلوب أهله .

اللـهم : ولا تدع منه بقية إلاّ أفنيت ، ولا بنية إلا سويت ، ولا حلقة إلاّ قصمت ، ولا سـلاحـاً إلاّ أكللـت ، ولا حداً ولا كراعاً إلاّ اجتحت ولا حاملة علم إلاّ نكست .

اللـهم : وأرنا أنصاره عباديد بعد الألفة ، وشتى بعد اجتماع الكلمة ، ومقنعي الرؤوس بعد الظهور على الأمة .

واسفر لنا عن نهار العدل ، وأرناه سرمداً لا ظلمة فيه ، ونوراً لا شوب معه ، واهطل علينا ناشئته ، وانزل علينا بركته وادل له ممن ناواه وانصره على من عاداه .

اللـهم : واظهر الحق ، واصبح به في غسق الظلم ، وبهم الحيرة .

اللـهم : واحيي به القلوب الميتة ، واجمع به الأهواء المتفرقة والاراء المختلفة ، وأقم به الحدود المعطلة . والأحكام المهملة ، واشبع به الخماص الساغية ، وأرح به الأبدان اللأغبة المتعبة ، كما الهجتنا بذكره ، واخطرت ببالنا دعاءك ، ووفقتنا للدعاء إليه ، وحياشة أهل الغفلة عنه ، وأسكنت في قلوبنا محبته ، والطمع فيه ، وحسن الظن به لإقامة مراسيمه .

اللـهم : فآت لنا منه على أحسن يقين ، يا محقق الظنون الحسنة ، ويا مصدق الآمال المبطئة ، اللـهم واكذب المثالين عليك فيه ، واخلف به ظنون القانطين من رحمتك والآيسين منه .

اللـهم : اجعلنا سبباً من أسبابه ، وعلماً من أعلامه ومعقلاً من معاقله ، وانصر وجوهنا بتحليته ، وأكرمنا بنصرته ، واجعل نيتنا خيراً تظهرنا لنا به ، ولا تشمت بنا حاسدي النعم ، والمتربصين بنا حلول الندم، ونزول المثل ، فقد ترى يا رب براءة خلو ساحتنا ، وخلو ذرعنا من الاضمار لهم على أحنة ، والتمني لهم وقوع جائحة وماتنازل من تحصينهم بالعافية ، وما اخبالنا من اتهاز الفرصة ، وطلب الوثوب بنا عند الغفلة (11).

اللـهم : وقد عرفتنا من أنفسنا ، وبصرتنا من عيوبنا خلالاً نخشى ان تقعد بنا عن اشتهار اجابتك ، وأنت المتفضل على غير المستحقين ، والمبتدئ بالاحسان على السائلين ، فأت لنا من أمرنا على حسب كرمك وجودك وفضلك ، وامتنانك انك تفعل ما تشاء ، وتحكم ما تريد انا إليك راغبون ، ومن جميع ذنوبنا تائبون ..

اللـهم : والداعي إليك ، والقائم بالقسط من عبادك ، الفقير إلى رحمتك ، المحتاج إلى معونتك على طاعتك ، إذ ابتدأته بنعمتك وألبسته أثواب كرامتك ، وألقيت عليه محبة طاعتك ، وثبت وطأته في القلوب من محبتك ، ووفقته للقيام بما أغمض فيه أهل زمانه من أمرك ، وجعلته مفزعاً لمظلوم عبادك ، وناصراً لمن لا يجد غيرك ، ومجدداً لما عطل من أحكام كتابك ، ومشيداً لما دثر من أعلام دينك ، وسنن نبيك عليه وآله سلامك ، وصلواتك ، ورحمتك ، وبركاتك ، فاجعله اللـهم في حصانة من بأس المعتدين ، وأشرق به القلوب المختلفة من بغاة الدين وبلغ به أفضل ما بلغت به القائمين بقسطك من اتباع النبيين ، اللـهم وأذلل به من لم تسهم له في الرجوع إلى محبتك ، ومن نصب له ، العداوة ، وارم بحجرك الدافع من أراد التأليب على دينك بإذلاله وتشتيت أمره ، واغضب لمن لا ترة له ، ولا طائلة ، وعادي الأقربين والأبعدين منا عليه ، لا مناً منه عليك (12).

اللـهم : فكما نصب نفسه غرضاً فيك للأبعدين ، وجاد ببذل مهجته لك في الذب عـن المؤمنيـن ، ورد شر بغاة المرتدين المريبين حتى أخفى ما كان جهر به من المعاصي ، وأبدى ما كان نبذه العلماء وراء ظهورهم مما أخذت ميثاقهم على ان يبينوه للناس ولا يكتموه ، ودعا إلى افرادك بالطاعة ، والا يجعل لك شريكاً من خلقك يعلو أمره على أمرك ، مع ما يتجرعه فيك من مرارات الغيظ الجارحة بحواسي القلوب ، وما يعتوره من الغموم ، ويفزع عليه من احداث الخطوب ، ويشرق به من الغصص التي لا تبتلعها الحلوق ، ولا تحنو عليها الضلوع ، من نظرة إلى أمر من أمرك ، ولا تناله يده بتغييره ، ورده إلى محبتك، فاشدد اللـهم أزره بنصرك ، وأطل باعه في ما قصر عنه ، من أطراد الراتعين في حماك ، وزده في قوته بسطة من تأييدك ، ولا توحشنا من أنسه ، ولا تخترمه دون أمله من الصلاح الفاشي في أهل ملته ، والعدل الظاهر في أمته . . .

اللـهم : وشرف بما استقبل به من القيام بامرك ليرى موقف الحساب مقامه ، وسر نبيك محمد صلواتك عليه وآله برؤيته ومن تبعه على دعوته ، واجزل على ما رأيته قائماً به من أمرك ثوابه ، وابن قرب دنوه منك في حياته ، وارحم استكانتنا واستخذاءنا لمن كنا نقمعه به إذا فقدتنا وجهه ، وبسط أيدي من كنا نبسط أيدينا عليه لنرده عن معصيته ، وافترقنا بعد الإلفة والإجتماع تحت ظل كنفك ، وتلهفنا عند الغوث محل ما اقعدتنا عنه من نصرته ، واجعله اللـهم في أمن مما يشفق عليه منه ، ورد عنه من سهام المكائد ما يوجهه أهل الشنآن إليه وإلى شركائه في أمره ، ومعاونيه على طاعة ربه الذين جعلتهم سلاحه وحصنه ، ومفزعه وأنسه ، الذين سلوا عن الأهل والأولاد ، وجفوا الوطن ، وعطلوا الوتير من المهاد ، ورفضوا تجارتهم ، واضسرّوا بمعايشهم وفقدوا في أنديتهم بغير غيبة عن مصيرهم ، وخالطوا البعيد ممن عاضدهم على أمرهم ، وقلوا القريب ممن صدّ عن وجهتهم فائتلفوا بعد التدابر والتقاطع في دهرهم ، وقطعوا الأسباب المتصلة بعاجل حطام الدنيا ، فاجعلهم اللـهم في أمـن مـن حرزك وظل كنفك ، ورد عنهم بأس من قصد إليهم بالعداوة من عبادك ، واجزل لهم على دعوتهم من كفايتك ومعونتك وأمدهم بتأييدك ونصرك ، وازهق بحقهم باطل من اراد إطفاء نورك ، اللـهم واملأ بهم كل أفق من الآفاق وقطر من الأقطار قسطاً وعدلاً ، ومرحمة وفضلاً ، واشكرهم على حسب كرمك وجودك ، وما مننت به على القائمين بالقسط من عبادك ، وادخرت لهم من ثوابك ما يرفع لهم به الدرجات . إنك تفعل ما تشاء وتحكم مـا تريـــد ... " (13).

 ________________________

(1) المصدر : ( ص 372 ) .

(2) المصدر : ( ص 372 ) .

(3) بحار الأنوار : ( ج 75 ، ص 372 ) .

(4) المصدر : ( ص 374 - 376 ) .

(5) المصدر : ( ص 378 ) .

(6) المصدر : ( ص 378 - 379 ) .

(7) المصدر : ( ص 377 - 378 ) .

(8) المصدر : ( ص 374 ) وقد حذفنا من المصدر كلمة ( وقال ) التي تكررت عند كل كلمة .

(9) حياة الإمام الحسن العسكري : ( ص 80 - 81 ) .

(10) يبين الإمام في هذا المقطع الحالة المزرية التي بلغتها الأمة ، وأسباب الفساد فيها.

(11) تأمل كيف ينمي هذا الدعاء في نفوس المؤمنين التطلع إلى جهاد الطاغوت والمبادرة بمقاومته.

(12) يربي هذا المقطع من الدعاء المؤمنين على الالتفاف حول القيادة الرشيدة والطاعة التامة لها .

(13) مهج الدعوات: ( ص 63 - 67 ).

النهاية
رایکم