شبکة تابناک الاخباریة: لم تتردّد كنيسة القدّيس جايمس في تلبية نداء الكنائس المسيحيّة في القدس لمناصرتها في التحرّر من الاحتلال الإسرائيليّ. ففي الوقت الّذي كانت الأنظار تتجه إلى مهد السيّد المسيح (ع) للصّلاة، ارتأت الكنيسة أن تبني جداراً عازلاً في وسط لندن لتكشف عن حقيقة ما تتعرّض له مدينة بيت لحم من الجدار العنصريّ والمستوطنات.
الجدار الّذي وصلت كلفة بنائه إلى نحو ثلاثين ألف جنيه إسترليني، أثار غضب الجالية الإسرائيليّة في بريطانيا، فوصفت خطوة الكنيسة بمعاداة الساميّة. في المقابل، رأى العديد من البريطانيّين الجدار وسيلة للتّعبير عن تأييدهم لحريّة الشعب الفلسطيني.
وقالت مواطنة بريطانيّة: "إنّ حرّيّتنا لا تكتمل إلا بنيل الفلسطينيّين حريّتهم"، معتبرةً الجدار نوعاً من الفصل العنصريّ، فيما طالبت أخرى بالمساعدة في هدم الجدار العازل.
وقد لاقت خطوة الكنيسة تأييد عدد من فنّاني بريطانيا، وعلى رأسهم أهمّ عازفي الكمان في العالم، نايجل كيندي، الّذي سيحيي أمسية في الكنيسة نصرةً للشعب الفلسطيني.
وتحاول الكنيسة الإنجيليّة من خلال بناء هذا الجدار في لندن، لفت أنظار البريطانيّين والمجتمع الدّوليّ إلى واقع مدينة بيت لحم وكيف يعاني الفلسطينيّون الأمرّين للوصول إلى مقدّساتهم وممارسة شعائرهم الدّينيّة.
إنّ فضح الممارسات العنصريّة الإسرائيليّة، وبوجه خاصّ من قبل الفنّانين والمثقّفين والدّعاة والمفكّرين وكلّ الأحرار، لحاجة ملحّة في تكوين الرّأي العام والتّأثير فيه، وبنائه على أساس الدّفاع عن الحقوق الإنسانيّة المغتصبة والمنتهكة، وخصوصاً في فلسطين المحتلّة الّتي عانت ولا تزال تعاني ظلم الاحتلال وعدوانيّته الّتي لا نظير لها.
إنّ جميع الأحرار في العالم مدعوّون للضّغط على مراكز القرار، وفعل كلّ النّشاطات الّتي من شأنها تعرية هذا الكيان الغاصب وعزله ورفض عنصريّته البغيضة، هذا الكيان الّذي يحاول في كلّ مرّة أن يتلطّى وراء عنوان معاداة الساميّة للتهرّب والتّعمية على ممارساتها، وهذا ما يخالف الواقع.
وفي سياقٍ متَّصل، يقول سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): قد يجهل الكثيرون أنّ عبارة "معاداة الساميّة" تعني أوّلاً العرب قبل غيرهم، لأنّهم يشكّلون الأغلبيّة السّاحقة من الساميّين الّذين عاشوا في الجزيرة العربيّة، وإن كان هذا المصطلح يقرن بين الساميّين واليهود في اللّغات الأوروبيّة، وقد يعيد البعض السّبب في ذلك إلى جهل الكثير من الباحثين الأوروبّيين في القرن التّاسع عشر بالحضارات الشرقيّة.
على كلّ حال، فإنّ هذا المصطلح يحمل الكثير من الأعباء والتّراكمات السياسيّة التي أكّدت وجود عقليّة مرضيّة وعنصريّة لدى بعض المفكّرين الغربيّين، كانت ترمي إلى التّمييز الحادّ بين الأعراق والحضارات.
ولكن ما يدعو إلى الرّثاء أكثر، أنّ كثيراً من الكتّاب الغربيّين أعطوا للمسألة بعداً سياسيّاً، ووجّهوها باتجاه آخر، عندما فسّروا مسألة "معاداة الساميَّة" بأنَّها تعني معاداة اليهود.
نحن في الوقت الّذي نؤكّد على العرب والمسلمين، أن يكونوا واعين تماماً للخطط الإعلاميّة والسياسيّة الّتي ترسمها الحركة الصهيونيّة، بما فيها تلك التي تتحدَّث عن اضطهاد معيّن يتعرَّض له المسلمون في البلاد الغربيَّة، لتثير الأجواء حول إمكانيّة قيام تعاون يهوديّ إسلاميّ ضدّ ما تعتبره اضطهاداً مشتركاً، وليصبّ ذلك في خدمة إسرائيل في نهاية المطاف، من خلال الإيحاء بإمكانيّة التَّعايش والتّصالح في مواجهة الأخطار المشتركة، نرفض كلّ أساليب الاضطهاد الفكريّ أو الدّينيّ أو العرقيّ، انطلاقاً من مفاهيمنا وقيمنا الإسلاميَّة، هذا فضلاً عن أنّنا كمسلمين وعرب، نتعرَّض لأبشع حالات الاضطهاد هذه، من دون أن تنطلق هناك حركة سياسيَّة فاعلة في الغرب لتستنكر ذلك.
ونحن عندما نتحدَّث عن احترام الآخر والقبول به، فلا نتحرَّك في ذلك على مستوى التّنظير أو الادّعاء، فتاريخنا يشهد باحتضان الدّين الإسلاميّ للآخر الدّينيّ أو السياسيّ، بمن في ذلك اليهود أنفسهم.
النهاية