۸۱۵مشاهدات

الرجعة في إعتقاد الإمامیة

وکالة أهل البیت
رمز الخبر: ۲۲۱
تأريخ النشر: 05 August 2010
تعني الرجعة ـ كما هي في اعتقاد الإمامیة ـ أن الله سبحانه و تعالی سیعید قوما من الأموات الی الدنیا في صورهم التي كانوا علیها، و أن هؤلاء علی قسمین: من محض الإیمان محضاً في حیاته الأولی، و من كان قد محض الكفر، محضاً فیها، ثم یدیل الله سبحانه و تعالی المحقین من المبطلین ، و المظلومین، من الظالمین، و أن ذلك سیحدث لدی قیام الإمام المهدي (ع)، ثم یصیرون بعد ذلك الی الموت.

و هناك من فسّر الرجعة بأنها تعني رجعة الحق الی نصابه و ذلك علی ید المهدي(عج). و أن الأمر لا یشتمل علی إحیاء الموتی و عودة الاشخاص الی الدنیا من جدید.

و الرأي الأوّل هو الشائع بین جمهور الإمامیة أخذاً بما جاء عن آل البیت (ع) و لا سیّما منذ عهد الشیخ الصدوق و الشیخ المفید و السید المرتضی و الشیخ الطوسي و حتی العلّامة المجلسي و الحر العاملي، الی الفقهاء والعلماء المعاصرین.

رتبة الاعتقاد بها
من الواضح أن العقیدة الإسلامیة لها أصول و أسس متفق علیها، و فیها فروع و امتدادات قد یظهر الخلاف فیها من جهة من الجهات، و الرجعة لیست من تلك الأصول التي لا یسوغ الخلاف فیها،و قد أجاد الشیخ محمد الحسین آل كاشف الغطاء حیث كتب، یقول: «لیس التدین بالرجعة في مذهب التشیع بلازم، و لا إنكاره بضار، و إن كانت ضروریة عندهم، و لكن لا یناط التشیع بها وجوداً و عدماً، و لیست هي إلا كبعض أشراط الساعة؛ مثل نزول عیسی(ع) من السماء، و ظهور الدجال، و خروج السفیاني، و أمثالها من القضایا الشائعة عند المسلمین...»(1) و الرجعة بهذا المعنی تعد جانباً من الجوانب المكمّلة لفكرة المهدویة في الإسلام؛ و لذا تراهما یشتركان في مضمون واحد، هو انتظار العدالة و اندحار الباطل عند المطاف الأخیرمن التاریخ، بما یشیر الی أن النظام الدنیوي بیسیر باتجاه الحق، و إذا كانت الأدیان السماویة قد آمنت بعودة بعض الأنبیاء، و اشترك المسلمون سنّة و شیعة من خلال اعتقادهم بأصل الفكرة المهدویة بذلك، فلا مانع من الإیمان بالرجعة كجانب تأكیدي علی ذلك الأصل و امتدادتفصیلي له، و بُعد بیاني شارح له.

من هنا فإن مفهوم الرجعة قد یأتي تكمیلاً و توسیعاً و تعمیقاً و شرحاً إضافیاً لأصل الفكرة المهدویة، التي آمن بها جمیع المسلمین، فإذا كان الأصل متفقاً علیه بین جمیع المسلمین، فإن التأكید علی هذا الأصل و تعمیقه أكثر من خلال فكرة تفصیلیة إضافیة لها ما یدعمها في الكتاب و السنّة، یعد فضیلة تستحق الاكبار و الاجلال، و مع ذلك هي كما قال السید محسن الأمین العاملي « أمر نقلي، إن صح النقل به لزم اعتقاده، و إلا فلا...»(2).

و من هذا المنطلق الأخیر وجدنا أن بعض علماء الإمامیة أنفسهم، ممّن لم تبلغ لدیهم دلالة نصوص الرجعة المقبولة عندهم حدّ القطع بهذا المعنی المشهور، قد ذهبوا الی تفسیرها علی نحو لا یلزم عودة الحیاة بعد الموت الی فریق من الناس، و إنّما یقف عند إرادة عودة دولة الحق و العدل، و هزیمة الجور و الظلم و الطغیان(3)

الأدلّة علی ثبوت عقیدة الرجعة
إن عملیة إثبات الرجعة و البرهنة علیها تمرّ بثلاث مراحل هي:
ألف: مرحلة إثبات إمكان الرجعة و عدم استحالتها.

و أفضل ما یثبت إمكانها بلحاظ الواقع هو أن الرجعة نوع من المعاد لا یختلف عنه شیئا، سوی أن الرجعة معاد دنیوي یكون في آخر الزمان لبعض الناس و هم أئمة الإیمان و رؤوس الكفر، و المعاد رجعة أخرویة شاملة لكل البشریة، وكل ما یؤتی به كدلیل علی إمكان المعاد یعدّ بنفسه صالحاً لأن یكون دلیلاً علی إمكان الرجعة و بالتالي فهذه المرحلة ـ و هي المرحلة العقلیةـ من البحث مشبعة بأدلة المعاد نفسها، و هي غنیة بغنی تلك الأدلة.

ب ـ مرحلة إثبات عدم تصادم فكرة الرجعة مع جانب من جوانب العقیدة الإسلامیة، إذ قد تكون الفكرة في نفسها ممكنة بلحاظ الواقع إلا أن الاعتقاد بها یتصادم أو یضعف جانباً معیناً من جوانب العقیدة الإسلامیة، فهل الرجعة مشتملة علی هذا الإثبات من جهتین:

1ـ إن فكرة الرجعة لیست فقط لا تتصادم مع جانب من جوانب العقیدة الإسلامیة، بل إنها تعطي تعمیقاً و تفعیلاً و زخماً أكبر لأصول الدین الخمسة، فهي مظهر یجسد قدرة الله سبحانه و تعالی المطلقة، و عدالة خط النبوات، و فاعلیة الإمامة، و واقعیة المعاد لیوم القیامة.

2ـ إن هذه الفكرة لها تطبیقات في الأمم و النبوات السابقة علی الإسلام و قد حكی القرآن الكریم هذه التطبیقات بنحو مؤكد، مما یدلّل بوضوع علی أن فكرة الرجعة لیست أنها لا تتصادم مع العقیدة الإسلامیة فحسب، بل إنها من متطلباتها و مستلزماتها، ذلك أن القرآن الكریم لا یحدّث بما ینافي التوحید، بل لا یأتي إلّا بما یدعم قضیة التوحید و یؤكد علی ما فیه، و الملاحظ للقرآن الكریم یجد أنه لا یكتفي بإشارة عابرة واحدة الی حصول مسألة الرجعة و تحققها في الامم السابقة علی الاسلام، بل یكرر هذه الإشارة بالنحو الذي یفید أنه یرید التأكید علیها، مما یدل علی أن فكرة الرجعة تعود بنفع مؤكد علی التوحید. ففي سورة البقرة نقرأ قوله تعالی: «ألم تر الی الذین خرجوا من دیارهم و هو الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثمّ أحیاهم إن الله لذو فضل علی الناس و لكن أكثر الناس لا یشكرون»(4).

فقد روي المفسرون، و منهم ابن جریر الطبري، عدة روایات عن ابن عباس و وهب بن ممنبه و مجاهد و السدّي و ع طاء أنها في شأن قوم من بني إسرائیل هربوا من طاعون وقع في قریتهم فأماتهم الله و مرّ بهم نبي اسمه « حزقیل» فوقف متفكراً في أمرهم، و كانت قد بلیت أجسادهم، فأوحی الله إلیه، أترید أن أریك فیهم كیف أحییهم؟ فأحیاهم له و روی السیوطي مثل ذلك(5).

و نقرأ أیضاً قوله تعالی: «و إذ قلتم یا موسی لن نؤمن لك حتی نری الله جهرة فأخذتكم الصاعقة و أنتم تنظرون، ثم بعثنا كم من بعد موتكم لعلكم تشكرون»(6). و فیها روی المفسرون ـ و منهم الطبري ـ أنهم ماتوا جمیعاً بعد قولهم ذلك و أن موسی لم یزل یناشد ربه عزّوجل یطلب إلیه حتی رد إلیهم أرواحهم(7).

و نقرأ أیضاً قوله تعالی: «أو كالذي مرّ علی قریة و هي خاویة علی عروشها قال أنّی یحیی هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت یوماً أو بعض یوم قال بل لبثت مائة عام فانظر الی طعامك و شرابك لم یتسنّه و انظر الی حمارك و لنجعلك آیةً للناس و انظر الی العظام كیف ننشزها ثم نكسوها لحماً فلما تبیّن له قال أعلم أنّ الله علی كل شيء قدیر»(8).

و قد ذكر المفسرون ـ و منهم الطبري ـ عددا من الروایات تفید أنه عزیز أو أرمیا مرّ علی بیت المقدس بعد أن خربها نبو خذ نصر، فأراه الله قدرته علی ذلك بضربه المثل له في نفسه بالصورة التي قصتها الآیة(9).

و هناك آیات أخری تثبت وقوع الرجعة بعد الموت إذا شاء الله ذلك في الإنسان و الحیوان، منها الآیات: «فقلنا اضربوه ببعضها كذلك یحیی الله الموتی و یریكم آیاته لعلّكم تعقلون»(10).

«و إذ قال إبراهیم ربّ أرنی كیف تحیی الموتی قال أو لم تؤمن قال بلی و لكن لیطمئنّ قلبي قال فخذ أربعة من الطّیر فصرهنّ إلیك ثمّ اجعل علی كلّ جبل منهنّ جزءاً ثم ادعهنّ یأتینك سعیاً و اعلم أنّ الله عزیز حكیم»(11).

«إذ قال الله یا عیسی إنّي متوفّیك و رافعك إلیّ و مطهّرك من الذین كفروا و جال الذین اتّبعوك فوق الذین كفروا إلی یوم القیامة ثمّ إلیّ مرجعكم فأحكم بینكم فیما كنتم فیه تختلفون»(12).

«ما قلت لهم إلّا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربّي و ربّكم و كنت علیهم شهیداً ما دُمت فیهم فلمّا توفّیتني كنت أنت الرّقیب علیهم و أنت علی كلّ شيء شهید»(13).

و من مجموع ذلك نلاحظ تركیز القرآن الكریم علی هذا المفهوم من خلال تأكید وقوعه مرّة بعد أخری، و في أطوار مختلفة في استعراض وقائع حصلت في الامم السابقة الأمر الذي لابدّ و أن یكون من ورائه غرض یرمي القرآن الكریم الی تحقیقه، و لا بدّ أن یكون ذلك الغرض مما یعود الی قضیة التوحید و العقیدة بالنفع علی نحو التعمیق و التأكید.

ج ـ مرحلة إثبات وقوع الرجعة في مستقبل الأمة الإسلامیة، لأن الإمكان شيء و الوقوع شيء آخر.

فهل في القرآن الكریم و سنّة الرسول (ص) ما یدل علی أن الأمة الإسلامیة ستشهد تحقق الرجعة في مستقبل أیامها؟

یجیب المؤمنون بالرجعة علی هذا السؤال بالإیجاب و بنحو قاطع، اعتماداً علی عدد من الآیات القرآنیة و الأحادیث النبویة الشریفة و هي:

1ـ قوله تعالی: «و یوم نحشر من كل أمة فوجاً ممن یكذب بآیاتهم فهم یوزعون»(14)، فهذه الآیة تتحدث عن حشر سوف یكون لبعض الناس، و مثل هذا الحشر لا یمكن أن یكون حشر یوم القیامة، لأن الحشر فیه یكون عامّا، فما معنی التخصیص ببعض الناس؟ خاصة و أن القرآن الكریم یذكر بعد ثلاث آیات من هذه الآیة یوم القیامة بقوله:« و یوم ینفخ في الصور ففزع من في السموات و من في الأرض إلا من شاء الله و كل أتوه داخرین» فعلامات یوم القیامة واضحة في هذه الآیة دون تلك، ولو كانت الآیة السابقة لیوم القیامة أیضاًَ لكانت الآیة اللاحقة تكرار بلا وجه.

2ـ قوله تعالی: «و كیف تكفرون بالله و كنتم أمواتاً فأحیاكم ثم یمیتكم ثم یحییكم ثم الیه ترجعون(15). و وجه الاستدلال أنه تعالی ذكر حیاتین للإنسان و بعدهما رجوع إلیه، الحیاة الأولی هي الحیاة الدنیا، و الحیاة الثانیة « ثم یحییكم » تكون بین الحیاة الأولی و بین الرجوع إلیه سبحانه و تعالی، و لا یمكن أن تكون هذه إلا الرجعة.

3ـ قوله تعالی «ربنا أمتّنا اثنتین و أحییتنا اثنتین فاعترفنا بذنوبنا فهل الی خروج من سبیل»(16). و جه الاستدلال بها أن الإماتة لا تكون إلّا لمن سبقت له الحیاة، و قولهم: « أمتنا اثنتین» یعني وقوع إماتتین بعد حیاتین، و الإماتة الأولی معلومة، إذ هي التي تعقب حیاتهم الأولی المعهودة، و لیس ثمّة معنی لإماتة ثانیة، إلّا أن تحقق لهم حیاة ثانیة، ثم یصیرون بعدها الی الموت، فتجتمع لهم حیاتین و موتتین، كما هو في النص.

و قد أورد المخالفون لمبدأ الرجعة لهذه الآیة تأویلین لا یستقیمان بحال:

قال بعضهم: إنّ العنی أنه خلقهم أمواتاً قبل الحیاة!! و هذا باطل لا یستقیم مع لغة العرب، فالذي خلقه الله أمواتاً لا یقال إنّه أماته.

و قال آخرون: الموتة الثانیة تكون بعد حیاتهم في القبور للمساءلة!! و هذا باطل ـ أیضاـ من وجه آخر، إذ الحیاة لیست للتكلیف فیندم الإنسان علی مافاته فیها، و الآیة تكشف عن ندم هؤلاء علی مافاتهم في الحیاتین، فلیست هي إذا حیاة المساءلة(17).

هذه جملة من الأدلة القرآنیة علی الرجعة، و هناك عدد كبیر من الأحادیث عن النبي(ص) و أهل بیته المعصومین(ع) رویت في إثبات الرجعة، ذكرها محدثوا الامامیة و مفسروهم في مؤلفاتهم الحدیثیة و التفسیریة الخاصة بهذا الموضوع(18)

هذه جملة مختصرة مما استدل به علی وقوع الرجعة في آخر الزمان، و مهما أمكن التواضع العلمي بشأنها فإنها في الحد الأدنی تجعل الرجعة فكرة مقبولة، و بوسع المعارض أن یعارض بدلیل، بل بوسعه المعارضة بدون دلیل، و لكن لیس مقبولاً من أحد أن یهزأ بأفكار الآخرین و قناعاتهم التي آمنوا بها عبر أدلة و براهین.

یعارضونها و تراثهم ینطق بها
و الذي یقرأ الكلمات المعارضین لمدرسة أهل البیت (ع) في مسألة الرجعة یتصور أنهم أبعد ما یكونون عنها في تراثهم و خطهم الفكري، و لكن الذي یطالع هذا التراث و یتأمل فیه یجد فیه الشيء الكثیر من هذه الأخبار و الروایات، و التي تدلل علی وجود اعتقاد لدیهم بجوهر و مضمون فكرة الرجعة.

فمن الثابت في كتب التاریخ الإسلامي أن خبر وفاة الرسول(ص) لما انتشر بین المسلمین قال عمر بن الخطاب: ـ من لفلانة و فلانة من مدائن الروم ـ إن رسول الله لیس بمیّت حتی نفتحها، و لو مات لانتظرناه كما انتظرت بنو اسرائیل موسی!

و كان یقول: إن رسول الله (ص) ما مات، و لكنه ذهب الی ربه، كما ذهب موسی بن عمران فغاب عن قومه أربعین لیلة، ثم رجع بعد أن قیل قد مات، و الله لیرجعن رسول الله (ص) فلیقطعن أیدي رجال و أرجلهم زعموا أنه قد مات(19).

و علی هذا یكون عمر بن الخطاب أوّل من قال بالرجعة في الإسلام، و لیس عبدالله بن سبأ الرمز الأسطوري الذي تنسب له كل شناعة في التاریخ الاسلامي.

و قد ألّف ابن أبي الدنیا المتوفی سنة (281) كتاباً بعنوان «من عاش بعد الموت» و صدر هذا الكتاب محققاً عن دار الكتب العلمیة في بیروت سنة 1987 م.

و أفرد أبو نعیم الإصفهاني في كتابه «دلائل النبوة» و ا لسیوطي في « الخصائص الكبری» باباً في معجزات الرسول(ص) في إحیاء الموتی، وذكر السیوطي كرامات في إحیاء الموتی من قبل غیر النبي(ص)(20) سرد فیه مرویات مدرسة الخلفاء تدلل علی وجود الغلو في هذه المدرسة و بضمنها أخبار كثیرة تحمل معنی الرجعة..

و رووا أنّ زید بن حارثة و الربیع بن خراش و رجلاً من الأنصار قد تكلّموا بعد الموت(21)

أسئلة حول الاعتقاد بالرجعة
تواجه فكرة الرجعة عدّة أسئلة تتطلب إجابات واضحة، و هي:

1ـ إن عقیدة الرجعة تؤدي الی الإغراء بالمعصیة، اتّكالاً علی التوبة حین الرجعة؟

و الجواب: إن هذا السؤال إنما یرد فیما لو كانت الرجعة شاملة لكل الناس، أو كان هناك تعییناً بالأسماء لأشخاص الراجعین، و لیس الأمر كذلك، فالرجعة خاصة بأئمة الكفر و أئمة الإیمان، و لیس هناك من یستطیع أن یعیّن هؤلاء بأشخاصهم و أعیانهم، و الأمر كلّه الی الله سبحانه، و هذا كاف في عدم الإغراء بالمعصیة.

2ـ إن عقیدة الرجعة تفضي الی القول بالتناسخ الباطل بالضرورة لدی المسلمین؟

و الجواب: إن التناسخ شيء و الرجعة شيء آخر مباین له تماماً، فالتناسخ یعني حلول أرواح الأموات في أجساد أخری یراد لها الحیاة، بینما الرجعة تعني عودة أرواح بعض الناس الی أجسادهم علی غرار ما سیقع في یوم القیامة، فلو كانت الرجعة یلزم منها التناسخ للزم التناسخ في المعاد، و في إحیاء عیسی للموتی، و فیما حصل من الرجعة في الامم السابقة.

و قد تواترت الأخبار عن الأئمة(ع) في بطلان التناسخ، و أكد علماء الإمامیة قدیماً و حدیثاً علی ذلك، و أنّه یؤدي الی الكفر، و قد فرّق أبو الحسن الأشعري في كتابه (مقالات الإسلامییین) بین قول الإمامیة بالرجعة و بین القول بالتناسخ الذي ذهب إلیه الغلاة و الزنادقة المنكرون للقیامة(22).

3ـ إن عقیدة الرجعة أدّت الی ظهور الیهودیة في التشییع، و هذا ما قاله أحمد أمین في كتابه «فجر الاسلام».

و الجواب: إن ظهور معالم دیانة سابقة في دیانة الإسلام أمر من مقررات العقیدة الإسلامیة، لأن الإسلام إنّما نسخ العمل بالدیانات السابقة، أما الجانب العقائدي فعنصر ثابت مشترك بین كل الدیانات، و الإسلام هو التعبیر الأكمل عنها جمیعاً. فمجرّد كون عقیدة في دیانة سابقة قد ظهرت في المعتقدات الإسلامیة لیس عیباً فِي الإسلام، هذا لو فرض أنّ الرجعة من آراء الیهودیة، كما یدّعیه هذا الكاتب، فالعقیدة بالتوحید  النبوّة و البعث و النشور و الحساب و الجنّة و النار هي عقائد مشتركة بین الأدیان كلّها،  إنّما یكون في الأمر عیب في استعارة معتقدات باطلة أدخلها الیهود أو النصاری أو غیرهم في الأدیان...

و الرجعة لیست من هذا المنصف، إذ قد تحدّث عنها القرآن في آیات متعددة، و قدم لنا منها نماذج مختلفة.

4ـ كیف یجتمع القول بالرجعة مع قوله تعالی:« و حرام علی قریة أهلكناها انّهم لا یرجعون»(23).فهذه الآیة تقرر عدم رجوع الظالمین، فإذا قلنا برجوع بعضهم یكون ذلك مخالفاً للآیة الكریمة؟

و الجواب: إن القول بالرجعة لا یعارض هذه الآیة، إذ تتحدث هذه الآیة عن نوع خاص من الظالمین، و هم الذین اهلكوا في هذه الدنیا، و نالوا عقولة سماویة فیها. أما الظالمون الذین رحلوا عن الدنیا بلا عقوبة و لا مؤاخذة فالآیة ساكتة عنهم، و لعل سكوتها عنهم یفید نوعاً من الامضاء لفكرة رجعتهم، أو رجعة بعضهم، ممن یختاره الله للرجعة منهم.

النتیجة: الرجعة لیست مستحیلة في نفسها و لیست مخالفة لمبدأ التوحید، بل هي مظهرة لقدرة الله المطلقة، هذا من ناحیة...، و من ناحیة اخری فإنّ نماذج متعددة للرجعة قد وقعت فعلاً، و قد تحدث عنها القرآن الكریم.... كما آمن أعلام الإسلام بعودة بعض الأموات الی الدنیا بعد تحقق موتهم... و من ناحیة ثالثة فقد تظافرت بها الأخبار عن أعدال القرآن ـ أهل البیت النبي(ص) ـ بعد ما أمكن الاستدلال بمجموعة من الآیات القرآنیة علی إثباتها، هي كبعض أشراط الساعة، و كنوع من المعاد الذي یستبعده الكافرون، و بعد فهي لیست من الأصول التي یبتنی علیها الدین أو المذهب.

-----------------------------------
1) أصل الشیعة و أصولها: 35، مؤسسة الأعلمي بیروت
2) نقض الوشیعة: 376، ط مؤسسة الأعلمي بیروت.
3) انظر، مجمع البیان: 7/366(تفسیر الآیة 83من سورة النمل)
4) البقرة 243.
5) تفسیر الطبري: 2/586ـ588، ط دارالفكر، الدر المنثور:2/741، ط دار الفكر
6) البقرة :55ـ56
7) تفسیر الطبري:1/290ـ293
8) البقرة: 259
9) تفسیر الطبري: 3/28ـ47
10) البقرة: 73
11) البقرة :260
12) آل عمران: 55
13) المائدة: 117
14) النمل: 83.
15) البقرة: 28
16) المؤمن: 11.
17) انظر: المسائل السرویة، الشیخ المفید:33
18) قد عدّد بعض الفضلاء نحو أربعین كتاباً خاصاً بهذا الموضوع و إلیك أسماء بعضها: 1ـ كتاب الرجعة لأبي حمزة البطائني ذكره النجاشي. 2ـ إثبات الرجعة لابن شاذان. 3ـ كتاب الرجعة للشیخ الصدوق. 4ـ كتاب الرجعة للعیّاشي صاحب التفسیر. 5ـ إثبات الرجعة للعلّامة الحلّي. 6ـ الایقاظ للحرّ العاملي. وهو أوسع كتاب في بابه فقد ضمّنه نحو 64 آیة و 600حدیث. راجع في ذلك: الرجعة: من إصدار مركز الرسالة.
19) السیرة النبویة لابن هشام:4/305، الطبقات الكبری لابن سعد: 2/266
20) خصص الشیخ عبدالحسین الأمیني بحثاً مطوّلاً في الجزء الحادي عشر من الغدیر: 103ـ195
21) تهذیب التهذیب:3/410 و غیرها..
22) انظر: مقالات الإسلامیین:1/114
23) الأنبیاء: 95
رایکم