شبکة تابناک الاخبارية: الملك السعودي سلمان وولي عهده يغيبان عن حضور قمة العشرين في هامبورغ الألمانية. مثل هذا الخبر لا يمكن أن يمر مرور الكرام، وسط زحمة التطورات الأخيرة في السعودية ومنطقة الخليج. لذلك نحاول معرفة سبب الاعتذار السعودي وأبعاده.
استعدادات مكثفة واهتمام كبير حظيت به مشاركة الملك السعودي في قمة العشرين في هامبورغ الألمانية. وسائل الإعلام الألمانية تناولت بإسهاب تفاصيل التحضيرات اللوجستية للوفد السعودي الذي كان يرتقب وصوله على متن ست طائرات عملاقة. التغطية الإعلامية لم تخلُ من طرافة مع إشارتها مثلا إلى اصطحاب الوفد السعودي لـ30 خروفا كي يتم شواؤها في هامبورغ. وكذلك النياق من أجل الحصول على الحليب الطازج، كما نقل موقع "تاغسشاو” الإخباري الألماني.
لكن كل ذلك تبخر مع الاعتذار المتأخر والمفاجئ للملك السعودي وكذلك ولي عهده وابنه عن المشاركة في حدث كبير يقام سنويا ويضم قادة أهم 20 اقتصادا متقدما وناميا في العالم. واكتفت الرياض بإيفاد وزير المالية محمد الجدعان كرئيس للوفد.
وهنا لا بد من وقفة للتساؤل عن سبب غياب القيادة السعودية، خاصة وأنها كانت ستكون فرصة هامة للمتحفز محمد بن سلمان، الذي يطمح إلى حضور أكبر لبلاده على الساحتين الإقليمية والدولية.
وأيضا ما يدعو للاستغراب هو إعلان السعودية عن سفر الملك سلمان لقضاء فترة استجمام في مدينة طنجة المغربية خلال الشهر الجاري، وإيكال مهمة إدارة البلاد لولي عهده محمد بن سلمان.
الداخل غير المستقر
انتقال ولاية العهد من محمد بن نايف إلى ابن عمه محمد بن سلمان مرت بهدوء ظاهريا، ولكن يبدو أن وراء الأكمة ما وراءها. خاصة بعد تقرير صحيفة نيويورك تايمز، الذي أشارت فيه، نقلا عن مسؤولين أمريكيين وسعوديين، إلى أن ولي العهد المنتهية مهامه محمد بن نايف يخضع للإقامة الجبرية في قصره بجدة. وقد تم استبدال حرسه الخاص بحرس جديد.
المحلل السياسي الألماني غيدو شتاينبيرغ أشار بدوره، في حديث لـDWعربية ضمن برنامج المسائية، إلى أن مرض الملك سلمان هو أحد الأسباب التي يمكن أن تفسر غيابه. ولكن إن مرض الملك سلمان، فلماذا لا يشارك ولي عهده وابنه محمد في قمة العشرين؟ يجيب شتاينبيرغ: ” من الواضح أن هناك توترا في السعودية بسبب التغيير في ولاية العهد".
وهذا ما أشار إليه أيضا حساب تويتر الشهير "مجتهد” صاحب في تغرديته هذه:
سبب غياب الملك وابنه محمد عن قمة العشرين
الملك لا يمكن يحضر لوحده بسبب وضعه العقلي الفاضح
ومحمد لا يمكن يغادر خوفا من انقلاب داخل العائلة
ومع هذا الرأي يتفق موقع "فوكوس” الألماني، الذي رأى أن ما حصل في المملكة مؤخرا "أشبه بالانقلاب". وهناك عدة أطراف داخل العائلة المالكة غير راضية عن التغيير الذي حصل وإبعاد محمد بن نايف. وهي تتحفز ربما للرد.
ولكن المحلل السياسي سليمان النمر، رئيس المكتب التنفيذي لملتقى الخليج للدراسات، وإن كان يتفق مع الرأي القائل بأن "التغيرات التي حدثت داخل السعودية تشغل القيادة السعودية"، إلا أن هناك أسبابا أخرى لغياب الملك وولي عهده، أهمها الأزمة الحالية في منطقة الخليج.
الأزمة مع قطر
ويرى النمر، خلال مشاركته في مسائية DW، أن هامبورغ كانت ستمثل فرصة كبيرة للدبلوماسية السعودية، كي تشارك في القمة وتوفد على الأقل ولي العهد محمد بن سلمان.”فهذه أزمة محرجة وتتطلب تواجدا في السعودية. والأمير محمد بن سلمان هو الذي يتولى ملف الأزمة مع قطر".
ومع هذا الرأي يتفق غيدو شتاينبيرغ، من مؤسسة العلوم والسياسة في برلين، ويقول ربما يكون هناك تأثير للأزمة في الخليج. لأن الكثير من المحللين في المنطقة وخارجها يتوقعون تطورات وأحداثا هامة في منطقة الخليج خلال الفترة القادمة.
القبلة التي طبعها محمد بن سلمان على يد سلفه محمد بن نايف لم تكن كافية لحجب ما تسرب من عدة مصادر عن غضب دخل الأسرة المالكة من عزل بن نايف
لكن موقع فوكوس الألماني الإخباري يرى عكس ذلك. وقد عبر عن ذلك الخبير في شؤون لشرق الأوسط عبد المطلب الحسيني، الذي قال للموقع إن "الأزمة في قطر بالتأكيد هامة، ولكنها ليست سببا للاعتذار عن المشاركة في القمة المزمع عقدها في هامبورغ” بعد أيام قليلة. ورأى الحسيني في حديثه لفوكوس بأن اعتذار لملك السعودي هو "إهانة لميركل، وكذلك لبقية المشاركين في القمة". خاصة وأن بقية الدول ترسل القادة وأهم الشخصيات.
حرد سياسي من ألمانيا؟
وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل أدلى منذ الأيام الأولى للأزمة الخليجية بتصريحات، تم تفسيرها على أنها أكثر ميلا لقطر. وحتى خلال جولته الأخيرة للمنطقة قال غابرييل إن "قطر تحلت بضبط النفس” في التعامل مع ما وصفه بالحصار الدبلوماسي والاقتصادي الذي فرضته عليها دول عربية مجاورة في الأسابيع الماضية، مضيفا أن هذه الدول "ينبغي أن ترد بروح مماثلة".
فهل ساهم الموقف الألماني في "حرد” سعودي، وقامت بتخفيض مستوى تمثيلها في قمة العشرين؟
هذا أمر لا يمكن إغفاله، برأي الصحفي الأردني سليمان النمر، وهو ربما حمل السعودية على تغيير موقفها من القمة.
السعودية تحت الضغط
تطور آخر ظهر مؤخرا، وهو تقرير بريطاني كشفت عنه صحف بارزة، وقامت تيريزا ماي بإخفائه، يتهم السعودية بدعم منظمات إرهابية، ودعا إلى إجراء تحقيق عام في الدور الذي تلعبه السعودية ودول خليجية أخرى. السفارة السعودية في بريطانيا نفت ما ورد في التقرير وأشارت إلى إنه "كاذب بشكل قاطع". هذا التقرير وضع الحكومة البريطانية تحت الضغط لنشر تفاصيل عن المنظمات الإسلامية التي تنشط في بريطانيا.
ولذلك فإن وجود القيادة السعودية في القمة "كان سيحرجها"، وفقا لتحليل غيدو شتاينبيرغ. "بريطانيا حليف مهم وقوي للسعودية. وهذا الأمر محرج للسعوديين إلى حد كبير".
السعودية تتعاون مع الغرب وتعطيه الكثير من المعلومات الأمنية، يرد سليمان النمر، ويضيف” لذلك "أنا أستبعد مثل هذا الأمر لأن التعاون الأمني والاستخباراتي من أجل مكافحة الإرهاب بين الرياض ولندن تعاون كبير".
أما غيدو شتيانبيرغ فله رؤية مختلفة عن هذا التحالف السعودي – الغربي: "سطحيا هم يتعاونون معنا بشكل جيد. ولكن المشكلة الأساسية هي أن هناك دعم مالي سعودي للسلفيين في كافة أنحاء العالم. بالنسبة للسعوديين هذه حرية دينية. أما بالنسبة لنا فهذا دعم للتطرف".
ولكن الخبير الألماني يستدرك بالقول: "نحن نحتاج السعودية. بالنسبة لنا في الغرب فإن السعودية شريك عندنا مشاكل معه. ونحتاج للسعودية في كل المسائل الكبرى، مثل تغير المناخ".
وأمام استعراض كل هذه الفرضيات يبقى من الصعب الجزم بسبب قاطع دعا إلى تغيب السعودية عن قمة بهذا الحجم، كانت ستكون فرصة كبيرة لولي العهد السعودي الجديد محمد بن سلمان لتسجيل حضوره على الساحة العالمية.
المصدر: شفقنا