۱۰۰۶مشاهدات

هل تنتقل الأردن للجناح التركي القطري في مواجهة حلف السعودية والإمارات؟

يرسم التقرير التالي صورة كاملة عن أشكال التقارب الأردني التركي، في ظل حالة البرود التي تشهدها علاقاتها مع السعودية والإمارات، على خلفية تجاوز الدولتين الخليجيّتين للدور الأردني في عدد من القضايا الإقليمية الكُبرى.
رمز الخبر: ۳۷۰۷۲
تأريخ النشر: 17 December 2017

شبکة تابناک الاخبارية: في أول زيارة له لبحث ملف القضية الفلسطينية عقب القرار الأمريكي بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل؛ قصد الملك الأردني عبدالله الثاني تركيا، بهدف التنسيق مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في هذه القضية التي تُمثل فيها المملكة الهاشمية أكبر المتضرّرين، إلى جانب فلسطين. وقبل هذه الزيارة، تلقى الملك عبدالله اتصالًا هاتفيًا من أمير قطر تميم بن حمد، تباحثا فيه سويًا حول مآلات القضية، والخيارات المُتاحة أمام كلا البلدين لمواجهة هذا القرار الذي يؤسّس لمرحلة استثنائية في تاريخ القضية الفلسطينية والمنطقة العربية.

في القمة الإسلامية التي انعقدت بإسطنبول (تركيا)، ظهر «عبدالله» في الصف الأول مُلاصقًا لأردوغان، وسط غياب عدد من الرؤساء: كان أبرزهم ملك السعودية، والإمارات، بعدما دخلوا في تحالف غير معلن وتماهٍ في المواقف تجاه القضايا الإقليمية الكبرى.

يرسم التقرير التالي صورة كاملة عن أشكال التقارب الأردني التركي، في ظل حالة البرود التي تشهدها علاقاتها مع السعودية والإمارات، على خلفية تجاوز الدولتين الخليجيّتين للدور الأردني في عدد من القضايا الإقليمية الكُبرى.

ملك الأردن يقصد «أنقرة».. ويسمح «للجزيرة» بتغطية التظاهرات

كانت الأردن من أوائل الدول التي أدانت محاولة الانقلاب الفاشلة على أردوغان شعبيًا وعلى المستوى الحزبي، كما أغلقت مدرسة تركية في عمان، يعتقد أنها الوحيدة من نوعها في الأردن التي تعود ملكيتها للداعية التركي فتح الله غولن، الخصم التاريخي لأردوغان، والذي وجهت له السلطات التركية تهمة تدبير الانقلاب.

لا ينفصل هذا التنسيق الأردني مع تركيا في أزمة القدس الأخيرة عن التوتر المكتوم بينها وبين الحليفين التاريخيين لها – السعودية والإمارات – على خلفية تمايز رؤى عمّان مع الرياض وأبوظبي في عدد من الملفات الإقليمية.

ويُشكل الموقف الأردني تجاه أزمتي العراق وسوريا أحد أبعاد هذا التوتر بين الأردن والحلف الإماراتي السعودي؛ فالأردن رحّبت بالدور الروسي في الأزمة السوريّة، كما دعمت التصديق على هدنة جنوب سوريا، والقبول ببقاء بشار الأسد على رأس السلطة؛ وهي كلها خيارات لا تدعمها الإمارات والسعودية.

أما بخصوص علاقة الأردن مع العراق؛ فالمملكة الهاشمية تجمعها صلة وثيقة مع حكومة نوري المالكي (المستقيلة) المُقربة من إيران، وصلت لحد «التطبيع»، بعدما اتفقا بشكل مبدئي على تنفيذ مشروع استراتيجي يعول عليه الأردن كثيرًا لحل مشكلته الجوهرية: الطاقة، حيث اتفق الطرفان على إقامة أنبوب نفط يمتد من الأراضي العراقية إلى ميناء العقبة الأردني، خلال الأعوام الماضية. ومن شأن هذا المشروع تخفيف أعباء الأردن من المشاكل الطاقويّة الكبرى التي يعيشها، بالحصول على حصة من هذا النفط بأسعار رخيصة خلال الأعوام القليلة القادمة.

وتأتي خلفية السياسة الأردنيّة تجاه أزمتي العراق وسوريا من منطلق حسابات اقتصاديّة؛ فالملك عبدالله يُدرك حتمية أن تكون طرق الاستيراد والتصدير البرية عبر هذين البلدين مفتوحة، وهو ما يتطلب منه عدم مُعاداة إيران التي باتت اللاعب الرئيسي في كلا البلدين، والأكثر نفوذًا فيهما.

في الأزمة بين الخليج وإيران، لا تشترك الأردن مع الإمارات والسعودية في تصدير الخطر الإيراني على أنه الخطر الأكبر الذي يواجه الدول العربية؛ فهي لا تتفق مع الموقف التصعيدي مع إيران، أو الدفع بالأزمة نحو خيار عسكري، وهو الأمر الذي يُشكل كذلك أحد المواقف الخلافية بين الجانبين.

الأمر ذاته يتّضح في الأزمة الخليجية مع دولة قطر؛ فبعدما خفّض الأردن تمثيله الدبلوماسي بالدوحة من دون قطع للعلاقات، عاود بعد شهور من هذا القرار إرجاع العلاقات بشكل طبيعي مع الدوحة، واستمرّ الاتصال مع أميرها الذي هاتف ملك الأردن بعد تصريحات ترامب الأخير بنقل سفارة أمريكا للقدس، للتباحث معه بشأن هذه القضيّة، في دلالة على عودة العلاقات بشكل طبيعي بين البلدين.

ومن بين أسباب هذا التأرجح في الموقف الأردني نحو قطر، وعدم التماهي مع المحور السعودي الإماراتي، إلى جانب الأسباب السياسية السابق ذكرها: الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الأردني التي بلغت نحو مليوني دولار بعد إغلاق الحدود البرية السعودية أمام الصادرات إلى قطر، وذلك نتيجة تراجع حجم الشحنات إلى 90 طنًا يوميًا، مقارنة بكميات كانت تصل إلى 600 طن يوميًّا قبل الأزمة الخليجية، إضافة إلى منع السعودية دخول 85 شاحنة محملة بالخضر والفواكه، وأكثر من عشر شاحنات محملة بالمواشي الحيّة كانت متوجهة إلى قطر.

وبلغ حجم الاستثمارات القطرية في الأردن نحو 1.6 مليار دولار، جلها في السياحة والعقارات، كما أنها تستورد حوالي 11% من صادرات الفواكه والخضروات والأغذية الأخرى الأردنية بقيمة تزيد على 100 مليون دولار سنويًّا، وتستهلك أكثر من ثلث الصادرات الأردنية من المواشي، بجانب وجود أكثر من 40 ألف عامل أردني وافد في قطر.

وقد كان الموقف الأكثر دلالة على عودة العلاقات الأردنيّة بشكل طبيعي مع قطر، دون اعتبار لحساسية السعودية والإمارات، السماح لقناة الجزيرة الفضائية – على الرغم من صدور قرار سابق بإغلاق مكتبها – بتغطية مظاهرات الانتفاضة الفلسطينية في الشارع الأردني، بمحيط السفارة الأمريكية بالعاصمة عمّان، ووجود مراسل لها من قلب العاصمة ينقل مقابلات حية مع مواطنين أردنيين، في مؤشر يؤكد على أن الملك عبدالله ليس على وفاق كامل مع حلفائه السابقين، واعتدال الموقف الأردني تجاه الأزمة الخليجية.

الأردن يغيّر البوصلة نحو (تركيا – قطر).. الخليج يتجاهلها في «صفقة القرن» وفي التواصل مع «إسرائيل»

لا ينفصل الميل الأردني نحو المحور التركي-القطري عن حالة العزلة التي يعيشها الأردن تجاه الملفات الكُبرى بمنطقة الشرق الأوسط، المفروضة عليه من طرف السعودية والإمارات. أحد أسباب هذه العزلة يتمثل في تجاوز دوره باعتباره وسيطًا للاتصالات مع إسرائيل، أو في محدودية دوره في القضية الفلسطينية بشكل عام.

فتاريخيًا؛ كان الأردن الوسيط لنقل الرسائل بين الدول الخليجية وإسرائيل؛ ومع بداية الألفينات كانت الاتصالات السعودية الإماراتية مع إسرائيل تمر عبر الوسيط الأردني الذي كان يمثل كذلك بوابة عبور «آمنة» أمام البضائع الإسرائيلية لدول الخليج.

وتُشير المادة السابعة من اتفاقية وادي عربة، اتفاقية التطبيع الاقتصادي بين البلدين، على: «أن يقوم الأردن بدور الوسيط بين دولة الاحتلال وأي من دول المنطقة التي تعلن مقاطعتها لها»، كما تُلزم هذه المادة البلدين «بأن تعمل كل جهة على مساعدة الجهة الأخرى في تطوير علاقاتها الاقتصادية مع الجيران الآخرين». 

وحسب تصريحات خاصة لدبلوماسيين عرب لموقع «درج» اللبناني، فإنّ: «عمّان تشعر أنها مستثناة من تطور العلاقة بين الرياض وأبو ظبي من جهة، وواشنطن من جهة ثانية، وأن هذا الاستثناء هو ما سهل على ترامب موقفه تجاه القدس، إذ إن غياب عمّان عن منظومة العلاقات مع واشنطن يُشعر الأخيرة أن القدس ليست في أولويات الهموم العربية، ويتقدم عليها في جدول الاهتمامات: الخطر الإيراني».

وتُشير الاتصالات السعودية المُباشرة مع بنيامين نتنياهو في مواضيع عديدة، ومزاعم الزيارات السرية لولي العهد السعودي لإسرائيل منذ شهور، إلى التجاوز الواضح من جانب دول الخليج وإسرائيل لدور الأردن المعهود باعتباره وسيطًا موثوقًا فيه من الأطراف، والتي اكتسبت جزءًا من فاعليتها وتأثيرها من جراء هذا الدور.

تطابق حديث المصدر مع ما أوردته صحيفة «إسرائيل اليوم» الإسرائيلية من معلومات تتعلق بأنه: «يسود في الأردن غضب شديد، لأن الفلسطينيين (السلطة الفلسطينية) لم يُطلعوا الأردنيين على مضمون صيغة المصالحة الفلسطينية الداخلية».

وذكرت الصحيفة بأن: «الملك عبدالله يرى أن الاتفاق لا يأخذ بعين الاعتبار مصالح الأردن الأمنية، بكل ما يتعلق بنشاط حركة حماس في الضفة الغربية، ودمج الحركة في حكومة الوحدة الفلسطينية، إضافة إلى دمج الحركة في منظمة التحرير الفلسطينية».

كما أن أبرز مظاهر هذا التجاهل والتجاوز للدور الأردني في القضايا الإقليميّة الكبرى؛ عدم التنسيق معها تجاه ما عرف اصطلاحًا «بصفقة القرن»، والتي جرت مفاوضاتها بشكل حصري بين أمريكا والسعودية والإمارات وإسرائيل ومصر، دون إشراكها بصفتها فاعلًا في هذه القضية.

هذا التجاهل امتد كذلك إلى ترتيبات القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فالعائلة الهاشمية التي تتعامل مع المسألة باعتبارها قضيّة «وجودية»، لاعتبارات تاريخية تتصل بكونهم أصحاب الوصاية التاريخية على المقدسات، فضلًا عن أن حرّاس المقدسات الدينية بالقدس أردنيون، تدفع رواتبهم وزارة الأوقاف الأردنية مباشرة. وقد جرى تهميش العائلة الهاشميّة من المفاوضات التي سبقت هذا القرار بين ترامب والسعودية ومصر، حسبما أشارت تقارير صحفية، وتسريبات.

يتأكد ذلك من حديث خالد مشعل رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، الذي أكد خلال مقابلة لقناة الجزيرة الفضائية: «إن الظرف اليوم يفرض علينا أن نتوافق على الانتفاضة، وأن نتفق على استراتيجيتها» مبينًا أن صفقة القرن تتجاوز الرئيس محمود عباس والأردن وأطرافًا بعينها، وتعني تشريع التطبيع العربي بغطاء فلسطيني.

وماذا بعد التوترات المكتومة؟

إلى الآن؛ لم تخرج هذه التوترات الهامسة بين الأردن والسعودية للعلن؛ وتظل محاولات الاحتواء قائمة حتى لا تتعرض السعودية لخسارة جديدة في ظل فقدها نفوذها في أغلب المعارك التي دخلتها، والتي كان آخرها معركة اليمن.

ولا تنفصل محاولات الاحتواء عن زيارة ملك الأردن عبدالله الثاني للسعودية منذ يومين، ولقائه بالملك سلمان في قصره بالرياض، لبحث الأوضاع في المنطقة، لا سيما القرار الأمريكي بخصوص القدس، والذي تلاه لقاء جمع الملك الأردني مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تباحثا فيها في كافة أوضاع منطقة الشرق الأوسط، حسبما جاء في البيانات الرسمية.

من المؤكّد أن الأردن لن يضحّي بعلاقاته مع السعودية أو الإمارات، لاعتبارات اقتصادية بالدرجة الأولى؛ حيث يعمل في السعودية نحو 500 ألف أردني، ونصف هذا العدد من العمّال الأردنيين في دولة الإمارات، فضلًا عن المساعدات الخليجية التي وعدته بها المملكة في السابق، وهي المعطيات التي تُشكل دعامة أساسية للاقتصاد الأردني الذي يعيش أيامًا صعبة، ويخشى من أي هزة محتملة من هذه الدول تعصف بالاستقرار الحذر الذي يخيم عليه.

لكنه في الوقت نفسه، لن يتماهى مع هذه الدول في علاقات «تبعية كاملة» في الموقف؛ بعدما أدرك أن مصالح هذه الدول تقفز عليه في كثير من القضايا الإقليمية الكُبرى، كما حدث خلال هذا العام، وتُباشر خطوات موازية وغير منسقة مع حُلفاء جدد؛ مثل تركيا وقطر.

رایکم