قال أكاديمي أميركي إن مخاطبة كل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لشعوبهم بشأن وباء كورونا تكشف ليس فقط جاهزية بلاد كل منهم، بل شخصياتهم وأعمق المعتقدات السياسية التي يحملها كل منهم.
وأوضح الأكاديمي تايسون باركر المتخصص في السياسة الخارجية والاقتصادية في مقال له بمجلة فورين بوليسي إنه وباختصار قد أبرزت هذه الأزمة كلا من القادة الثلاثة كما هو دون أي غطاء.
وقال أيضا إنه خلال 24 ساعة أجبر فيروس كورونا ثلاثة من أهم قادة الغرب على الكشف عن أنفسهم وأنماط قيادتهم، فقدم ترامب على أنه هاو غير مهتم بالموضوع الرئيسي ومدفوع بالغضب ويتسم بالغموض والرغبة في الانتقام، وماكرون كقائد ذي رؤية طموحة تقيدها القدرة، وميركل شخصية متضائلة تتلاشى ببطء وتنزوي إلى الخلف دون ترك منصبها.
ضمور إداري
وأورد أن الخطاب الوطني لترامب يوم الأربعاء اتسم في الأغلب بهجماته على حرية السفر والشخصيات التي يتوهمها في الاتحاد الأوروبي، ومن نواح عديدة كان الخطاب لقطة مكثفة من مسيرة رئاسته التي اتسمت بالضمور الإداري للدولة الأميركية طوال ثلاث سنوات، بما في ذلك مكتب الاستعداد للوباء المغلق في البيت الأبيض والتخفيضات المالية من ميزانيات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.
وأضاف أن ترامب اعتمد في المقام الأول على غريزته الانتقامية ضد الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أنه ومن منظور الصحة العامة كان حظر السفر الأوروبي الذي فرضته إدارة ترامب لمدة 30 يوما مجرد إلهاء عقابي في الأغلب، ومع ذلك أخطأ ترامب في قراءة نصه الخاص، وأشار إلى أن الحظر سيشمل “التجارة والشحن” الأوروبي، قبل أن يصححه فريقه ويوضح أنه لن يفعل ذلك.
خارج السياق
وقال الكاتب أيضا إنه بينما برر مدير مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها حظر السفر الأوروبي بأن أصبحت أوروبا “صينا جديدة” برره ترامب من جانبه بقوله إن الاتحاد الأوروبي كان قد فرض زيادات ضريبية “ظالمة” على الولايات المتحدة خلال فترة حكم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
وفي هذه الأثناء، استشاطت أوروبا غضبا لعدم وجود تحذير بشأن تحول السياسة الأميركية، وسخرت وسائل الإعلام من ترامب مستشهدة بأقواله الأسبوع السابق بشأن إمكانية اختفاء كورونا من تلقاء نفسه.
وأبدى مراقبو أميركا في أوروبا قلقهم من المرونة الخطرة للولايات المتحدة، ومن هشاشة شبكة الأمان الاجتماعي والصحة العامة واضطراب طرق الفحص المبكر.
عباءة القائد العالمي
أما ماكرون فقد تحدث بعبارات شاملة عن “أكبر أزمة صحية في فرنسا منذ قرن”، ووضع أسس أجندة بعيدة النظر، بما في ذلك مراجعة اقتصادية للاتحاد الأوروبي، وجهود عالمية نشطة في مجال الصحة العامة، وأجندة من أعلى إلى أسفل في فرنسا لإغلاق المدارس وحوافز ممولة من الدولة، وكل ذلك مدعوم بروح جديدة من التضامن ضد الوباء.
وشاهد خطاب ماكرون 22 مليون شخص، وأشاد به كثير من الفرنسيين، ولبى جدول أعمال ماكرون الواسع توقعات مواطنيه عالية السقف من حكومتهم واستخدم الأدوات المتاحة لزعيم دولة مركزية مثل فرنسا.
وأخيرا، يقول الكاتب عن ماكرون إنه ارتدى في خطابه عباءة القائد العالمي خلال الأزمة الحالية.
تفويض المرؤوسين
وعن المستشارة ميركل، قال باركر إنها تمسكت بتعميمات منخفضة المستوى، وأثنت على الاستعداد الألماني مقابل ضعفه لدى الدول الأوروبية الأخرى، وانتهت بتقييم غامض بشأن التنسيق الأوروبي، ثم حولت المؤتمر إلى رئيس إقليم بافاريا ماركوس سودر الذي بدا وكأنه هو المستشار الفعلي، إذ شغل ما تبقى من المساء بقرارات بشأن السياسات العملية التفصيلية، مثل إغلاق المدارس، والاختبارات والاستعدادات بالمستشفيات.
وعلق الكاتب على ترك ميركل المنصة لسودر قائلا إنه يعبر عن النظام الدستوري الألماني، الأداء الكفء في الخدمات مثل إغلاق المدارس، والنقل العام، والقيود المتلائمة مع الحدث التي تقع على عاتق الولايات الفدرالية الـ16 في البلاد، وليس الحكومة الاتحادية.
غياب بارز
لكن الخيط الذي يربط مسيرة ميركل في القيادة -حسب الكاتب- هو عدم استخدام كل القوة التي تحت تصرفها، فقد قامت مرارا بتفويض واسع لأعضاء مجلس وزرائها، واستمرت في هذا النهج خلال الأزمة الحالية، وكان وزير الصحة النشط ينس سبان (39 عاما) رمزا للطمأنينة السياسية، في حين أعلن وزير المالية أولاف شولتز ووزير الاقتصاد بيتر ألتماير بشكل مستقل عن مساعدة مالية غير محدودة للشركات الألمانية وتأميم محتمل للصناعات.
اعلان
وتفتقر فترة وباء كورونا حتى الآن إلى اللحظة التي تتولى فيها ميركل زمام الأمور وتغيير مسار السياسة الألمانية بشكل كبير كما هو الحال مع قرارها خلال أزمة اللاجئين في 2015، وقد أصبحت إدارة الأزمات في ألمانيا خلال تشكلها لا مركزية بشكل قاطع، مع الغياب البارز لميركل.