۴۱۲مشاهدات
تحليل و رأي؛

الهيبة الاميركية تصدعت. الحلفاء في صدمة: مَنْ قاد واشنطن الى الفشل الاستراتيجي؟

رمز الخبر: ۵۵۷۳۹
تأريخ النشر: 17 August 2021

الى عشرين سنة مضت، كأن الاحتلال الاميركي لم يكن. عادت طالبان اليوم الى أفغانستان ظافرة بالقوة وبالدبلوماسية. وغدا سيعلن خليفة المسلمين، أمير المؤمنين الملا هبة الله أخوند زادة زعيم طلاب الفقه انتقال البلاد من حكم الجمهورية الى الامارة الاسلامية.
قبل ربع قرن من السنوات ترك طلاب المدراس الفقهية مدارسهم التقليدية المنتشرة على الحدود مع باكستان وأعلنوا الجهاد عام 1994 ضد الذين جاهدوا لعشر سنوات لتحرير أفغانستان من القوات السوفياتية قبل أن تطحنهم حرب داخلية دامية جراء الصراع على السلطة.
حكمت طالبان منذ سيطرتها على كابل لمدة 4 سنوات فقط، قبل تعلن الولايات المتحدة الاميركية الحرب عليها عام 2001 لأنها رفضت تسليم اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة باعتباره المسؤول الأول عن هجمات 11 ايلول الشهيرة. اجتاحت القوات الأميركية أفغانستان وعينت حامد كارزاي كرئيس البلاد، وكلفت جيوش من المستشارين ببناء جيش أفغاني حديث لمحاربة طالبان.
بعد عشرين سنة، وقبل انتهاء واشنطن من سحب قواتها تلاشى الجيش الافغاني وأثبت أنه لم يكن سوى ظل خافت للاحتلال الغاشم. هرب الرئيس والوزراء والنواب، وحُكام الولايات، استسلم الجميع وسلموا الدولة بدون مقابل. فعلوا ما كانت تفعله الولايات المتحدة خلال المفاوضات في قطر. المهم أخذت طالبان ما تعتبره حقا لها، وليس مهما كيف حصلت عليه. المهم في النتيجة: كل ما بنته واشنطن في بلاد الأفغان لم يكن سوى وهم يرتكز على قوة لا تملك دفاعات ذاتية ضد الاستنزاف في الميدان. هنا الخيارات محدودة: الانسحاب يعني الهزيمة، والاستمرار في الاحتلال يساوي الانتحار. الدول تقبل بالهزيمة ولو كانت استراتيجية كي تستمر في البقاء.
عشرون عاما من الاحتلال الاميركي انتهى في 20 يوما. ما كان تعتبره واشنطن انتصارا لها طوال السنوات الماضية تبين أنه ليس سوى كذبة. الاحتلال هو الحقيقة الوحيدة. وعندما يذهب الاحتلال يذهب معه العملاء والجواسيس والخونة وكبار الكسبة وصغار المرتزقة والمنتفعين واللصوص والمنظرين لتحالف القوى العظمى وطائرات الشبح وأجهزة التنصت والحريات الاعلامية التي تتقن التضليل والتحريف.
كل هؤلاء الذين تعاملوا مع الاحتلال الاميركي لافغانستان هرولوا نحو المطار. كان الرئيس اشرف غني أول الهاربين وتبعه الآلاف. ضاق بهم مدرج الطائرات المغادرة. مَن لم يتمكن من الصعود الى الطائرة ركض خلفها وتعلق في عجلاتها قبل ان يسقطوا الواحد تلو الاخر من ارتفاعات شاهقة.
صورة الفشل الاميركي في افغانستان ستبقى الى عقود. إنها تعبير عن فشل استراتيجي اصاب القوة الاميركية في هيبتها العالمية. من قاد واشنطن الى هذا الفشل الاستراتيجي الكبير؟. روسيا أو الصين أم ايران. انتهى عصر التحالفات التي كانت تُشكلها الولايات المتحدة وتقود الدول للخدمة في مشاريعها عبر العالم.
كان الهدف من هجمات 11 ايلول ضرب الهيبة الاميركية في عقر دارها، كاد يتحقق هدف تنظيم القاعدة لولا اجتياح افغانستان وبعدها العراق. ما أراده اسامة بن لادن في ذلك اليوم من أيلول 2001 تأخر لعشرين سنة. الهيبة الاميركية تصدعت. إنها تتآكل.
عادت طالبان الى كابل قبل ان تنضج التسوية. كانت طالبان تتهيب دخول العاصمة من دون اتفاق على فترة انتقالية، لكنها فجأة وجدت نفسها في القصر الرئاسي أمام أسئلة بلا أجوبة. طالبان تحتاج الى الوقت لتستوعب صدمة الامساك بالسلطة، والولايات المتحدة لن تجد الوقت لاعادة ترميم هيبتها. قد تكون استقالة الرئيس بايدن هو الثمن. هل سيكون كافيا.
هل ستلتزم طالبان بتعهداتها. هذا سؤال بحجم مستقبل أفغانستان، أم أن نشوة النصر ستعيدها الى سيرتها الاولى: اقصاء القوميات والدول المجاورة.
العالم كله تغير خلال عشرين سنة. طالبان لم تتغير، لم تبدل عقيدتها، ولا مشروعها، ولا عمامتها ولا حتى ثيابها. طالبان تلقت دروس في العلاقات العامة خلال اقامتها في قطر، تعلمت البراغماتية خلال 4 سنوات من المفاوضات مع الاميركيين. استخلصت العبر. طالبان اليوم أكثر واقعية، وأقل عنفية، تُقدم العفو على الانتقام، تقترب من السلطة بدبلوماسية تشبه دبلوماسية حركة الاخوان المسلمين. إنها دبلوماسية غير معهودة في مدرستها التقليدية، لكنها تنفع في الوصول الى الامارة. ومهما تكن نتيجة الاختبار: نجحت طالبان. سقطت واشنطن.

الكاتب :قاسم متيرك 


         

رایکم