في مقابل الموقف الدولي المنحاز، وغياب الإنصاف الدولي، وانعدام المهنية والتوازن في أداء مجلس الأمن، بالتوازي مع استمرار العدوان والحصار، كان الرد العملي اليمني حاضراً بمواصلة عمليات التصدي والتحرير.
هناك 4 مؤشرات تدفعنا إلى طرح فرضية قيام عملية ردع ثامنة من قبل القوات اليمنية. ما هي؟
المؤشر الأول: انحياز مجلس الأمن إلى دول العدوان في بيانه الأخير
يأتي ذلك في الوقت الذي كان على مجلس الأمن أو يفترض به أن يصدر قراراً إلزامياً بوقف الحرب العدوانية المفروضة على اليمن، وإنهاء كل مظاهر الحصار، واحترام سيادة اليمن وحق الشعب في تقرير المصير، وهو ما ينسجم مع البندين الأول والثاني من المادة الأولى في ميثاق الأمم المتحدة، المرتبطين بـ"حفظ الأمن السلم الدوليين"، وحق الشعوب في تقرير المصير، لكن ما حصل أن مجلس الأمن جاء ليصب الزيت على نار الأزمة المشتعلة منذ 7 سنوات، ويسهم في إطالة أمدها أكثر، بتبنيه الواضح لرواية رباعية العدوان وانحيازه الفاضح إلى مواقفها العدوانية، وتحويل الجلاد إلى ضحية والضحية إلى جلاد، وإدانة العمل المشروع، وشرعنة العدوان، ومنح المجرم جرعة إضافية للإقدام على التصعيد الأخير بالغارات العدوانية على العاصمة صنعاء، وما ترتب على تلك الغارات من استشهاد شخص وإصابة 4 آخرين وتدمير المنشآت والأعيان المدنية وترويع المدنيين الأمنين في أحياء العاصمة، وما رافق ذلك من عدوانية مفرطة على أعيان مدنية في صعدة ومأرب والجوف بمئات الغارات الجوية، وهذا هو المؤشر الثاني، فالتصعيد لن يقابل من دون رد.
في ظرف كهذا، كان يفترض بمجلس الأمن على الأقل أن يدين التصعيد من كل أطراف الحرب، ويدعو إلى تهيئة الظروف الملائمة للوصول إلى حل شامل وعادل، ولو من باب الحفاظ على قدر بسيط من التوازن والمصداقية والموضوعية، رغم أن في الأمر إجحافاً، لكون صنعاء وما تقوم به يأتي في سياق الرد الطبيعي والدفاع المشروع الذي تكفله شرائع السماء وقوانين الأرض، بدلاً من الإقدام على إصدار البيان الفضيحة تحت ضغط المال السعودي والنفوذ الأميركي.
طبعاً، لم يكن هذا البيان أمراً مستغرباً، واليمنيون في قرارة أنفسهم لم يعودوا يعولون على موقف دولي عادل، ولم يعودوا يرجون من مجلس الأمن ولا غيره بياناً أو قراراً منصفاً، لأن موقف مجلس الأمن منذ اليوم الأول للعدوان كان منحازاً إلى دول التحالف، ومارس دوراً يشبه دور الوكالة في خدمة دول المال والنفوذ، بدءاً بالقرار المشؤوم والكارثة 2216، وما تلاه من قرارات طيلة السنوات الماضية، وأسهم بشكل فج وواضح في شرعنة العدوان والحصار، رغم أن مضامين القرار لم تتضمن أي فقرة تبرر العقاب الجماعي والحصار الجائر على قرابة 30 مليون نسمة.
المؤشر الثالث: تماهي الموقف الروسي الصيني مع الموقف الأميركي
من الغريب أيضاً أن الموقف الروسي والصيني والمواقف الأوروبية تتماهى تماماً مع الموقف الأميركي والبريطاني، والأغرب من ذلك أن تستفرد 5 دول بحق الفيتو على حساب كل دول العالم.
الموقف الأميركي والبريطاني كان عدوانياً واضحاً منذ البداية، إذ إن هاتين الدولتين ركنان وقطبان أساسيان في رباعية العدوان، والعدوان أعلن من أميركا، وهندسته أيادٍ بريطانية وإسرائيلية، لكن لماذا موقف روسيا والصين بهذا الضعف؟ وعلى النقيض تماماً من موقفهما تجاه ملفات ودول أخرى، على سبيل المثال سوريا؟
الجواب بكل بساطة: المصالح. من منظور براغماتي نفعي مصلحي، ترى موسكو وبكين أن مصلحتهما تكمن في عدم استثارة النظام السعودي، والحفاظ على مصالحهما الاقتصادية معها ومع أبو ظبي وغيرهما من الدول المنخرطة في العدوان. في المقابل، يريان ألا مصلحة لهما مع اليمن المستضعف والمستنزف والمظلوم، رغم أنهما لو فكرتا بطريقة استراتيجية، لكانت مصلحتهما مع اليمن ومع القوة الصاعدة التي تمثل غالبية الشعب اليمني، كما ظهر في المشهدية المليونية التي رسمتها مسيرات المولد النبوي في أكثر من 30 ساحة موزعة على أكثر من 14 محافظة، بما مثلته من تفويض واستفتاء شعبي داعم ومؤيد لخيارات صنعاء وقراراتها في مواجهة العدوان بكل الطرق والوسائل، وأيضاً من منظور مصلحي نفعي، فإن اليمن بلد واعد وبكر وغني بالثروات، ويملك موقعاً استراتيجياً مهماً وإطلالة بحرية مميزة على أهم بحرين، وعلى واحد من أهم الممرات الدولية "باب المندب"، بما لذلك من علاقة بطريق الحرير وغيرها.
لسنا في وارد تقييم الموقف الروسي والصيني، ولكن لقاء ممثلي الدول الخمس في مجلس الأمن بسلطان العرادة عبر الفيديو، تحت عنوان مناقشة الأوضاع "الإنسانية" في مأرب، هو أمر مستفز وغير عادل، في الوقت الذي تتجاهل هذه الدول عدواناً كونياً وحشياً وبربرياً وحصاراً جائراً على أغلب المحافظات اليمنية ذات الكتلة السكانية الأكبر.
المؤشر الرابع: موقف صنعاء وخياراتها من التصعيد والانحياز
أمام هذه الازدواجية الدولية، وسياسية الكيل بمكيالين، والانحياز الفج إلى دول العدوان، صدر عن صنعاء العديد من المواقف السياسية الغاضبة، منها أن بيان المجلس "لا يبني الثقة، ولا يساعد على تحقيق السلام، بقدر ما يشجع الطرف الآخر على مواصلة ارتكاب الجرائم بحق الشعب اليمني"، والتشديد على ضرورة "انفتاح مجلس الأمن على صنعاء وإتاحة الفرصة لممثليها لحضور جلسات المجلس والإصغاء إلى ما لديها من رؤى داعمة للسلام... بدلاً من استقاء معلوماته وتصوراته من خصومها".
ذلك ما عبرت عنه وزارة الخارجية اليمنية في بيانها الأخير، بعد موقف مماثل من رئيس الوفد الوطني المفاوض محمد عبد السلام، اعتبر فيه أن "انحياز مجلس الأمن الفج والأعمى منذ أول يوم ساهم في إطالة هذا الصراع كل هذه السنوات"، لافتاً إلى أنه "يعطل بنفسه بياناته من أي تأثير إيجابي"، كما أنه "يصب النار على زيت الأزمة اليمنية"، ويجعل من مجلس الأمر مجرد وكالة لبيع المواقف لمصلحة دول المال والنفوذ، على حد توصيف عضو الوفد الوطني المفاوض عبد الملك العجري.
وفي مقابل هذا الموقف الدولي المنحاز، وغياب الإنصاف الدولي، وانعدام المهنية والتوازن في أداء مجلس الأمن، بالتوازي مع استمرار العدوان والحصار، كان الرد العملي اليمني حاضراً بمواصلة عمليات التصدي والتحرير، من خلال استمرار العمليات البرية على تخوم مدينة مأرب بعد تحرير عدد من مديرياتها ومديريات إضافية في شبوة، إلى جانب العملية التي أعلنتها القوات المسلحة اليمنية على لسان المتحدث العسكري العميد يحيى سريع، باستهداف القوة الصاروخية لمعسكر "قوة الواجب" السعودي في جيزان بخمسة صواريخ بالستية طالت أهدافاً عسكرية بحتة، تمثلت بـ"مقر القيادة ومخازن الأسلحة ومرابض طائرات الأباتشي"، وأطاحت "35 عسكرياً سعودياً بين قتيل ومصاب، بينهم ضباط وطيارون".
وقد اعترف مغردون محسوبون على النظام السعودي بمصرع عدد من الضباط، على أن هذه العملية، وإن كانت غير متناسبة مع حجم الغارات السعودية اليومية على اليمن، لن تكون الأخيرة، وهي تفتح الباب أمام "ضربات مؤلمة وموجعة وواسعة" توعدت بها القوات المسلحة في حال استمرار العدوان والحصار، وذلك "واجب شرعي"، كما وصفه السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابه أمام ملايين اليمنيين بمناسبة المولد النبوي الشريف، ووضع سقف الحل في اليمن، بدعوة الشعب لمواصلة التصدي حتى "رفع الحصار وإنهاء العدوان والاحتلال ومعالجة ملفات الحرب".
وبناءً على ما سبق، إن انحياز مجلس الأمن وتماهي الموقف الروسي - الصيني مع الموقف الأميركي – البريطاني، وإن بشكل نسبي داخل مجلس الأمن، واستمرار الحصار والقصف الجوي على اليمن، بما في ذلك قصف العاصمة صنعاء، كلها مؤشرات لعملية ردع جديدة في العمق السعودي وإرساء معادلات جديدة.