لخطوات التي تقوم بها السلطات الروسية، بالتزامن مع انطلاق المفاوضات الروسية الاوكرانية في مدينة اسطنبول التركية، لجهة خفض التصعيد العسكري الميداني، يُقابلها مزيد من الاجراءات العقابية ضد موسكو، لاسيما من الدول الغربية، التي شكّلت الادعاءات بارتكاب القوات الروسية "جرائم حرب" بحق المدنيين في مدينة بوتشا، مادة جديدة لاستغلالها في حرب العقوبات والعقوبات المضادة.
المفوضية الأوروبية، هدّدت بفرض المزيد من العقوبات في حال صعدت روسيا من عمليتها العسكرية في أوكرانيا. وأعلن المتحدث الرسمي باسم المفوضية الأوروبية للشؤون الخارجية بيتر ستانو، في مؤتمر صحفي، أنّ الاتحاد الأوروبي سيواصل دعم أوكرانيا، ولكّنه أكّد بالمقابل، أنّ الاتحاد الأوروبي سيبقي قنوات الاتصال الدبلوماسية مع روسيا، معتبراً "أنّ خيار الوصول إلى حلٍ للأزمة يعود إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين"، وفق تعبيره.
تهديدات المفوضية الاوروبية، لاقاها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، باعلان تأييده فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة على موسكو، قد تشمل النفط والفحم، وذلك بعد اتهام موسكو بارتكاب جريمة بحق المدنيين في مدينة بوتشا الاوكرانية، وقال ماكرون في مقابلة إذاعية: "هناك مؤشرات واضحة جدّاً على ارتكاب جرائم حرب في مدينة بوتشا، وثبُت تقريباً أنّ الجيش الروسي كان موجوداً فيها، أنّ ما حدث في بوتشا يتطلب مجموعة جديدة من العقوبات وإجراءات واضحة للغاية".
وتزامن كلام الرئيس الفرنسي مع نقل وكالة رويترز عن أنّ فرنسا قرّرت طرد العديد من أفراد الطاقم الدبلوماسي الروسي في باريس، وينسحب هذا القرار على ألمانيا، حيث أعلنت الخارجية الالمانية، طرد 40 دبلوماسيا روسياً باعتبارهم أشخاصاً غير مرغوب فيهم، في حين حذّرت السفارة الروسية في برلين،من انّ طرد الدبلومسيين الروس، سيؤدي الى تدهور العلاقات بين البلدين.
رئيس الوزراء البولندي، ماتيوس مورافيتسكي، اعتبر أنّ ألمانيا هي العقبة الرئيسية أمام فرض عقوبات أكثر صرامة على روسيا، ودعا مورافيتسكي في مؤتمر صحفي، الى شكيل لجنة تحقيق دولية لمحاسبة روسيا بشأن ما وصفها بـ"الإبادة الجماعية" التي ارتكبها الجيش الروسي، في مدن أوكرانية بينها بوتشا. كلام رئيس الوزراء البولندي، جاء رداً على ربط السلطات الالمانية، الموافقة على فرض أي عقوبات جديدة باثبات ارتكاب القوات الروسية جرائم في مدينة بوتشا بالقرب من كييف".
رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، أعلن بدوره، ادانة بلاده "قتل روسيا لمدنيين في أوكرانيا" على حدّ تعبيره، مشيراً أن بلاده ستتشاور مع الحلفاء، وترد بشكل مناسب بشأن مسألة فرض عقوبات إضافية على روسيا.
بالمقابل، نفى الكرملين، بشكل قاطع جميع المزاعم المرتبطة بقتل مدنيين في بلدة بوتشا الأوكرانية، وقال إنه ينبغي التعامل مع المزاعم الأوكرانية في هذا الصدد بارتياب. وقال المتحدث بإسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحفيين في مؤتمر أجري عن بعد أن "الحقائق والتسلسل الزمني للأحداث في بوتشا لا يدعمون الرواية الأوكرانية للأحداث"، وحث القادة الدوليين على عدم التسرع في إصدار الأحكام تجاه بلاده.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أكّد بدوره، أن الفبركة في مدينة بوتشا بمنطقة كييف، هو استفزاز ويمثل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، لافتاً الى انّ روسيا طالبت مجلس الأمن الدولي بعقد جلسة حول الوضع في بوتشا. وأوضح لافروف خلال اجتماع مع نائب الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث في موسكو، أنه "تم شن وتنفيذ هجوم وهمي مزيف ومفبرك آخر في مدينة بوتشا بمنطقة كييف وفقاً للمخطط الغربي بعد أن غادرت القوات الروسية من هناك".
وفي ردّه على العقوبات الغربية، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مرسوما لفرض إجراءات جديدة على منح تأشيرات الدخول إلى روسيا بالنسبة لمواطني الدول "غير الصديقة". وتم التوقيع على المرسوم "بناءً على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة للرد على الإجراءات غير الودية للاتحاد الأوروبي". ووفقا للمرسوم فقد علقت روسيا الاتحادية عدداً من بنود الاتفاقات بشأن تسهيل التأشيرات مع الاتحاد الأوروبي والنرويج والدنمارك وأيسلندا وسويسرا وليختنشتاين. وأصدر بوتين تعليماته لوزارة الخارجية بفرض قيود شخصية على دخول الأجانب الى روسيا الاتحادية، والأشخاص عديمي الجنسية الذين يرتكبون "أعمالا غير ودية".
وبينما حضرت آخر تطورات المفاوضات والعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتأثيرها على المنطقة، في اتصال هاتفي جرى بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره البلغاري رومن راديف، تناول تعزيز العلاقات الثنائية وقضايا إقليمية، كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يُلمّح الى امكانية توقيف المفاوضات مع روسيا، بالقول إنه "من الصعب جدا التفاوض مع روسيا بعد الذي جرى في مدينة بوتشا، قرب العاصمة كييف". تصريحات زيلينسكي أدلى بها أثناء زيارته إلى بوتشا في أعقاب توجيه اتهامات إلى موسكو بارتكاب "جرائم حرب وإبادة ضد المدنيين في هذه المدينة".
تصريحات الرئيس الاوكراني، تأتي رغم التراجع الميداني الكبير الذي سجّلته القوات الروسية، عبر انسحابها من المناطق المحيطة بالعاصمة والعمق الاوكراني، باتجاه المناطق الاوكرانية الشرقية والجنوبية، وذلك منذ بدء مفاوضات اسطنبول، التي ساعدت على تخفيض التوتر العسكري، وتقديم ضمانات أمنية لاوكرانيا، في مقابل موافقة اوكرانيا على أن تكون دولة محايدة ، وغير منتمية الى أي أحلاف عسكرية مناهضة لروسيا، ولاسيما فكرة الانضمام الى حلف الشمال الأطلسي، وعدم السماح بنشر منظمومات الحلف الصاروخية على الأراضي الاوكرانية.
المصدر:يونيوز