خاضت الولايات المتحدة الأميركية العديد من الحروب في مختلف دول العالم منذ إعلان استقلالها في 4 يوليو 1776، وعملت على تأجيج التوترات في جميع أنحاء العالم من خلال شن الحروب وإثارة المواجهات والإطاحة بالحكومات الأجنبية باستخدام القوات المسلحة، وإشعال الاضطرابات في العديد من البلدان والمناطق خاصة في منطقة غرب آسيا.
رغم أنه لم يمر من عمر الولايات المتحدة الأمريكية غير 246 سنة فقط إلا أنها قد قضت 93 بالمائة من عمرها في الحروب المختلفة على الدول الأخرى واحتلالها في كافة أنحاء العالم أكثر من 90 حربا وعدوانا معظمها جرائم حرب مما يدل على أنها أحط وأنذل حضارة قامت عبر التاريخ.
أمريكا وشهية خوض الحروب
وتشير دراسة عسكرية حديثة إلى أن انفتاح شهية الدولة الأمريكية على الحروب منذ نشأتها أدّى إلى وجود 17 عاما فقط على مدار التاريخ الأمريكي، غاب فيها تورط الجيش الأمريكي في مغامرات عسكرية بالخارج. ويمثل ذلك نسبة 7 بالمائة من التاريخ الأمريكي، أن أمريكا كانت في صراعات عسكرية خارجية مدة 93 بالمائة من تاريخها.
منذ إعلان استقلالها كانت الولايات المتحدة عازمة على توسيع أراضيها ونفوذها. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم تدخر الولايات المتحدة أي جهد للسعي وراء الهيمنة العالمية والاحتفاظ بها. وسخَّرت الولايات المتحدة تفوقها المطلق في قطاعات العسكرية والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا والثقافة، للتدخل كثيرا في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتنمرت على الدول الأخرى ونهبتها وسيطرت عليها تحت شعار "الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان".
وشرعت أميركا في خوض الحروب في مختلف أقاليم العالم تحت ذريعة حماية المصالح التجارية والتجار الأميركيين وحاربت في شرق آسيا، في الصين وكوريا واليابان والفلبين مرورا بليبيا والجزائر في البحر المتوسط، وانتهاء بأغلب جزر البحر الكاريبي، بخاصة كوبا وهاييتي، ثم حاربت في هندوراس ونيكاراغوا وبنما وكولومبيا، وغرينادا ولبنان وإيران وكوسوفو.
وفي حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، اتبعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة استراتيجيات الهيمنة. وانطلاقا من مبدأ ترومان، المعروف أيضا باسم سياسة الاحتواء، ووصولا إلى السياسات الخارجية للإدارات الأمريكية الحديثة، بما في ذلك استراتيجية باراك أوباما المعروفة باسم "القوة الذكية"، وسياسة "أمريكا أولا" التي أعلنها دونالد ترامب، وخطة "إعادة البناء بشكل أفضل" التي وضعها جو بايدن، فإن الهدف دائما هو تأمين الهيمنة الأمريكية.
وعندما نسمع كلمات مثل "التدخل" و"العدوان العسکري" و"الاحتلال" و"الحرب" و"إثارة الحروب"، أول ما يتبادر إلى الذهن اسم الولايات المتحدة على الفور دولة نشرت قواعدها وقواتها العسكرية، في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك غرب آسيا (الشرق الأوسط)، التي تبعد آلاف الكيلومترات عن أمريكا.
لا تتهم الشعوب والمسؤولون في مختلف دول العالم، الولايات المتحدة الأميركية بإشعال الحروب والاضطرابات في العديد من بلدان العالم فحسب بل يقر كبار المسؤولين في هذا البلد أيضا بأن بلادهم انتهج سياسة قائمة على شن الحروب وميوله التوسعية في أجزاء مختلفة من العالم لأكثر من قرنين.
وقبل أربع سنوات، قال الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في مكالمة هاتفية مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، إن الولايات المتحدة تمتعت بـ16 عاما فقط من السلام في تاريخها البالغ 242 عاما، مما جعلها "الدولة الأكثر قتالا في تاريخ العالم بسبب رغبتها للضغط على دول أخرى كي تتبنى القيم الأمريكية.
ومنذ تأسيسها بوصفها دولة جديدة مستقلة لم تتوقف عن خوض الحروب والقتال في معارك بصورة لا تكاد تتوقف في مختلف أقاليم العالم وأشار مسؤولون رفيعو المستوى من الدول الآسيوية عن هذه المسألة خلال جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط کما طالب وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، دول الغرب وأمريكا بوقف جميع أشكال التدخل في شؤون الشرق الأوسط ومحاولة تغيير المنطقة وفقا لمعاييرها الخاصة.
ودخلت أمريكا في مغامرات عسكرية موحدة في كثير من الدول ، ثم خاضت حروبا في منطقة الخليج الفارسي منذ تسعينيات القرن الماضي ضد العراق، ثم وقعت أحداث 11 سبتمبر، وقُتل 3 آلاف شخص داخل الأراضي الأمريكية، فما كان من الولايات المتحدة إلا بدء فصل جديد من حروبها يختلف عما سبق، إذ كانت «الحرب الأمريكية على الإرهاب» غير محددة بنطاق زمني أو حدود جغرافية، وبقيت أمريكا متورطة في أفغانستان والعراق طوال عقدين من الزمان، من دون تحقيق النصر المطلوب.وهي الحروب التي لم تسفر عن مقتل العديد من الجنود فحسب، بل تسببت أيضا في خسائر فادحة في صفوف المدنيين وخسائر في الممتلكات، ما أدى إلى كوارث إنسانية فادحة.
الشهية الأمريكية للحروب.. مفتوحة منذ 246 عاما ولم تتوقف عنها إلا في17عاما فقط!
شكل الغزو الأميركي للعراق -الذي تحول إلى احتلال لبلاد الرافدين ما بين 20 مارس/آذار 2003 و18 ديسمبر/كانون الأول 2011- حدثا محوريا في منطقة الشرق الأوسط كانت ذريعته امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، مما أدى إلى إسقاط نظام صدام وخسائر بشرية قُدّرت بمليون قتيل ومصاب وملايين المشردين.
کما شنت الولايات المتحدة حربا ضد أفغانستان تحت ذريعة مكافحة الإرهاب عام 2001 وانسحبت بشكل عاجل عام 2021.
تداعيات الحروب الأمريكية بمنطقة غرب آسيا
تحمل العالم خسائر باهظة جراء التكاليف اقتصادية وغير الاقتصادية لما يسمى بالحرب على الإرهاب وتشير أرقام أميركية رسمية إلى أن الولايات المتحدة أنفقت حوالي 1.8 تريليون دولار على الحروب في العراق وأفغانستان بين عامي 2001 و2017،وأظهرت نتائج أبحاث معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة التابع لجامعة براون، حول تكاليف الحرب الأمريكية أن واشنطن أنفقت أكثر من خمسة تريليونات و 900 مليار دولار في الحروب الخارجية بعد هجمات 11 سبتمبر.
وذكرت دراسة نشرتها جامعة براون الأميركية العريقة أن أكثر من نصف مليون شخص قتلوا بطريقة عنيفة في العراق وأفغانستان وباكستان جراء “الحرب الأميركية على الإرهاب” ووفقا للدراسة ، فإن حصيلة القتلى بين 480,000 و507,000 شخص، لكنها أشارت إلى أنه من المرجح أن يكون الرقم الحقيقي أكبر من ذلك.
وقالت جامعة براون في بيان إن الحصيلة الجديدة جراء الحروب التي شنتها واشنطن بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001. “تزيد بـ110 آلاف قتيل عن الرقم الأخير الذي صدر قبل عامين فقط في أغسطس.
قامت وكالة أنباء "الأناضول" التركية مؤخرًا بالتحقيق في الجرائم الأمريكية منذ التسعينيات من القرن الماضي وحرب الخليج الفارسي حتى اليوم في تقرير. ويكتب: أصبح الشرق الأوسط هدفًا لمغامرة أمريكا، ومنذ التسعينيات، مع حرب الخليج الفارسي، ركزت أمريكا على هذه المنطقة وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، اشتد الوجود الأمريكي في المنطقة وغيّر المشهد في الشرق الأوسط.
وأضاف : نتيجةً لحرب الخليج ( الفارسي)، قُتل حوالي 5000 مدني، وخلال الحروب اللاحقة، کثرت الخسائر بشكل كبير. وبعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، تشير التقديرات إلى أن أكثر من مليون شخص لقوا حتفهم بسبب الفوضى والحرب الأهلية.
کما قتل خلال الهجوم الأمريكي على أفغانستان منذ عام 2001 نحو 240، ألف شخص في مناطق الحرب في أفغانستان وباكستان. ووفقًا لتقرير جامعة براون، فقد أكثر من 71 ألف مدني أفغاني وباكستاني أرواحهم حتى أبريل 2021 بسبب الحرب.
واشنطن تحول منطقة غرب آسيا إلى مستودع بارود
لقد حوّل الأمريكيون منطقة غرب آسيا إلى مستودع بارود، فكميات الأسلحة التي تبيعها الولايات المتحدة لمنطقة لا يمكن تصديقها، وهي أكثر بكثير جدا من حاجة المنطقة وأن هذه السياسات حولت المنطقة إلى مستودع للأسلحة المتطورة والمدمرة جدا، والتي لا تسهم في تحقيق السلام والأمن بالمنطقة".
ووفقًا لتصنيف معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام،لا تزال الولايات المتحدة أكبر مصدر في العالم للأنواع الرئيسية من المعدات العسكرية في العالم،حيث زادت حصتها من الحجم الإجمالي لصادرات الأسلحة العالمية من 32 في المائة في عام 2011 إلى عام 2016 إلى 37 في المائة خلال السنوات الخمس الأخيرة المنتهية بعام 2022.
كما أعلن هذا المصدر أن حصة الولايات المتحدة من الحجم الإجمالي لصادرات الأسلحة بين عامي 2014 و 2018 بلغ 36 بالمائة.
وجاء في هذا التقرير أن واشنطن تبيع معدات عسكرية إلى 96 دولة في العالم ، لكن ما يقرب من نصف العملاء لمشتري أسلحتها (47٪) موجودون في الشرق الأوسط.
وفقاً لإحصاءات السنوات الخمس الأخيرة المنتهية بعام 2022، كانت المملكة العربية السعودية استوردت لـ 24٪ من جميع صادرات المعدات العسكرية الأمريكية وما زال هذا لبلد يتصدر لائحة العملاء الرئيسيين لمشتري الأسلحة الأمريكية.
وكتب موقع أخبار الدفاع الأمريكي (ديفينس نيوز) في تقرير أن حجم مبيعات الأسلحة الأمريكية خلال عام 2020، ارتفع بنسبة 2.8 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من العام الذي سبقه، وبلغ 175.08 مليار دولار.
ووفقًا للأرقام المعلنة، حققت الولايات المتحدة 50.78 مليار دولار من "المبيعات العسكرية الأجنبية" بين الحكومات، و 124.3 مليار دولار من "المبيعات التجارية المباشرة".
وبحسب نفس الأرقام، فإن مبيعات السلاح خلال هذا العام، ارتفعت بنسبة 2.8 بالمئة وحققت 175.08 مليار دولار مقارنة بالعام الفائت الذي حققت فيه 170.09 مليار دولار.
أميركا تنتهج سياسة تأجيج التوترات بغرب آسيا لبيع أسلحتها
أدت التدخلات الأمريكية وسياستها في إثارة الحروب بالعراق وأفغانستان واليمن وسوريا وفلسطين وغيرها ، ودورها في خلق التوتر وإشعاله بين دول المنطقة إلى الأزمات الواسعة النطاق وتقف واشنطن وراء تأجيج هذه الأزمات لتبرير تواجدها العسكري بالمنطقة بذريعة حماية حلفائها بالشرق الأوسط وهي تقوم بتصدير كميات كبيرة من الأسلحة إلى هذه الدول.
ولقد أصبحت عمليات مكافحة الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة أداة للحفاظ على هيمنتها وتعزيز ما يسمى بالديمقراطية والقيم الأمريكية في الخارج، ما أدى إلى إلحاق الأذى بالعديد من المدنيين، وتفاقم قضية اللاجئين، وإغراق المناطق المتضررة في حالة من الفوضى، وزيادة التهديدات الأمنية.
وبصرف النظر عما يسمى بعمليات "مكافحة الإرهاب"، فقد انتهكت الولايات المتحدة بشكل صارخ حقوق الإنسان والحريات في الدول الأخرى، كما يتضح من الفضائح المروعة للانتهاكات التي ارتكبها الجيش الأمريكي ضد السجناء في أفغانستان والعراق.