کتب موقع النشرة اللبناني في مقال له، أنه على وقع التحولات التي تشهدها المنطقة، عاد إسم أبو محمد الجولاني بقوة إلى الواجهة من جديد، إنطلاقاً من قيادة تنظيمه، "هيئة تحرير الشام"، العمليات العسكرية التي تشنه فصائل المعارضة السورية، بعد أن تمكنت من السيطرة على مدينة حلب. لكن هذه المرة بـ"لوك" مختلف، يراد من خلاله تقديم الرجل، الخارج من رحم تنظيم "القاعدة"، على أساس أنه من الممكن أن يكون قائداً سياسياً في المرحلة المقبلة.
ما تقدم، يدفع إلى سؤال جوهري يتعلق بالأسباب التي تدفع الجولاني إلى هذا السلوك، خصوصاً بالنسبة إلى إحتمال أن تكون ناجمة عن مراجعة شاملة لمسار عام من تاريخه، لم يظهر أي شيء منها حتى الآن، أم أنها تعود إلى مقتضيات المرحلة، لا سيما أن الرجل أقدم، منذ بداية الحرب السورية، على مجموعة من التحولات، التي تصب في إطار واحد، هو السعي إلى "الزعامة".
في هذا الإطار، من الممكن العودة إلى بداية الخلاف مع زعيم تنظيم "داعش" السابق أبو بكر البغدادي، عندما قرر الأخير حل تنظيمي "دولة العراق الإسلامية" و"جبهة النصرة"، بهدف الإعلان عن تنظيم جديد هو "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، في شهر نيسان من العام 2013، لا سيما أنه هو من كان قد أرسل الجولاني إلى سوريا. إلا أن زعيم "جبهة النصرة" قرّر الهروب من هذا التحدي، عبر الإحتماء بعباءة تنظيم "القاعدة"، معلناً البيعة لهذا التنظيم بقيادة أيمن الظواهري، ما أشعل مواجهات مسلحة بين التنظيمين.
في شهر تموز من العام 2016، من دون الدخول في تفاصيل المواقف التي كان يطلقها في الفترة الفاصلة، أعلن الجولاني فك الإرتباط مع "القاعدة"، وتشكيل تنظيم جديد يحمل إسم "جبهة فتح الشام"، مشيراً إلى أن القرار "جاء تلبية لرغبة أهل الشام في دفع ذرائع المجتمع الدولي". حينها، برز الحديث عن الأمر جاء بالإتفاق بين الجانبين، خصوصاً أن التمهيد له بدأ مع "فتوى" من أحد أهم منظري "التيار السلفي الجهادي" في الأردن أبو محمد المقدسي، الذي يعتبر من أبرز من يمكن تسميتهم بـ"علماء القاعدة"، ألمح فيها إلى تأييده خيار فكّ الإرتباط، مؤكداً أن لا مشكلة شرعية بذلك، بينما أعلن نائب الظواهري أبا الخير المصري مباركته الخطوة، قبل الإعلان عنها. إلا أن زعيم "القاعدة" حينها خرج، في شهر تشرين الثاني من العام 2017، معلناً أنه لم يحل أحداً من "بيعة"، لا "جبهة النصرة" ولا غيرها، ولم يقبل أن تكون بيعتها "سرّية".
في ذلك الوقت، كانت "جبهة فتح الشام" قد تحولت إلى "هيئة تحرير الشام"، أي التنظيم الحالي الذي يرأسه الجولاني، لكن خروج الظواهري العلني من أجل إنتقادها، كان بعد الكشف عن إعتقالها قيادات في "القاعدة"، منها سامي العريدي، خالد العاروري، إياد الطوباسي، وقيادي آخر يدعى "أبو همام"، كانت تسعى إلى تشكيل فصيل جديد ينتمي لـ"القاعدة". أما الأسباب التي قادت إلى تغيير الإسم، فهي السعي إلى الإندماج مع فصائل أخرى من المعارضة السورية المسلحة، الأمر الذي فُسر حينها على أساس أنه قرار بقطع محاولات الصلح مع "القاعدة"
منذ ذلك الوقت، كانت توجه إنتقادات، من قبل فصائل وشخصيات معارضة، إلى سلوك الجولاني، استمرت حتى في المعارك الحالية، على قاعدة القلق من السعي إلى التغلب والتفرد بالقرار، وبالتالي السعي إلى قتال أي مجموعة ترفض أن تعمل تحت قيادته، في حين هو لا يمكن أن تبادر غالبية القوى الدولية إلى التعاون معه، بسبب تاريخه المرتبطة بالتنظيمات المرتبطة بـ"القاعدة". لكن الجولاني أعلن، أول من أمس، أن الهيئة تفكر في حل نفسها، لخلق مؤسسات جديدة قادرة على إدارة المناطق الجديدة، مؤكداً أن حلب ستديرها هيئة انتقالية.
هنا، قد يكون من المفيد طرح مجموعة من الأسئلة حول مصير الجولاني، في حال بادر إلى حل "تحرير الشام"، خصوصاً أن الرجل عمد إلى مجموعة واسعة من التحولات، كي يبقى "زعيماً" لا يشاركه في الزعامة أحد، من دون أن يستند ذلك إلى مراجعة واضحة يمكن الإستناد إليها، فهل يقبل أن يكون جزءاً من إطار يكون خارجه أو لا يكون "القائد" له، أم يريد تمرير مرحلة قبل أن يعود إلى سلوكه السابق، القائم على التفرد والتغلب؟.
تاريخياً، من المعروف أن هذا النوع من التنظيمات عرضة للإختراق، من قبل مجموعة واسعة من أجهزة الإستخبارات، وهي حكماً لا تمتلك كل هذه المقدرات من دون دعم من هذه الأجهزة. لكن بعد تحقيق الهدف، يصبح من الممكن التخلّي عن أي من القيادات، التي قد يعيق وجودها الإستثمار السياسي فيما تحقق من الناحية العسكرية، خصوصاً أن هذا النوع من التحولات لم يعد هناك من يأخذه على محمل الجد على المستوى العالمي.