
القسم الدولي لموقع "تابناك": يوم الأحد ٢٣ شباط ٢٠٢٥م، يوم تاريخي لم يشهد له لبنان مثيل من قبل بل الشرق الأوسط والعالم، وهو يوم الوفاء العالمي في طوفان بشري مليوني من أنحاء العالم حضروا إلى لبنان، وأيضا حشود في معظم الدول العربية والإسلامية لم يشهد له العالم مثيلاً من قبل، يوم كتبه وسجله التاريخ بحروف من دماء القادة، يعبر عن وفاء الملايين من المشيعين من مختلف العالم وفي أماكن عدة في أغلب الدول العربية والإسلامية والدولية من مختلف الديانات والجنسيات من أصقاع العالم، هذه الحشود ستظل شاهداً على أن المقاومة قدوة وقبلة الأحرار لهذه الأمة، وخيارها الوحيد هو تحقيق النصر، فل يشاهد العالم نحن على العهد.
ويعتبر هذا الطوفان البشري المليوني في تشييع خميني العرب والهاشمي هو إقراراً بشرعية المقاومة وحزب الله وسقوط الإدعاءات الكاذبة لقوى الاستكبار العالمي. وهذه الحشود المليونية تؤكد شرعية المقاومة واستمرارها والحق لها في مقارعة الهيمنة لدول قوى الاستكبار العالمي والطغاة.
ودعت الأمة الشهيد الأقدس والأسمى شهيد الأمة والإنسانية الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله رضوان الله عليه، الرجل الذي نذر حياته للجهاد والمقاومة، قائداً أممياً ورمزاً ومصدر إلهام للشعوب التي ترفض الانكسار أمام الاحتلال. رمزاً في حياته واستشهاده استطاع عبور الحدود والأوطان والقارات والمحيطات ولم ينحصر فكره في مذهب أو معتقد واستطاعت أفكاره الثائرة أن تتجاوز الضغط لتصل إلى بقاع الأرض وتخلد قائداً أممياً ورمزاً لمقاومة الاحتلال في كوكب الأرض فل يشاهد العالم أجمع نحن على العهد.
تميز سماحة الشهيد بشخصيته التاريخية والاستثنائية في جميع المعايير والمقاييس الإنسانية والعملية والأدبية والخطابية واللغوية والأخلاقية والدينية والفقهية والشرعية، إضافة الى تميّزه بكاريزما القيادة السياسية والحكمة والتواضع والتقوى والصدقية والأمانة.
حضور استثنائي
وسط الزحام والدموع، تحدث القادمون من مختلف الدول عن حزنهم العميق، وهو ما انعكس في كلام باقر الجابري، القادم من العراق، قائلا "باستشهاد سيد المقاومة وسيد الجهاد، جئنا نحن المواكب العراقية، وخاصة موكب جمعية أنصار الإمام الخيرية، لنشارك إخوتنا اللبنانيين حزنهم، ولنكون في خدمة المعزين والمشيّعين". أما آيات أيوب، الفلسطينية القادمة من بيروت، فتعبر عن امتنانها وحزنها في آنٍ واحد، وتقول "حضرنا اليوم لنؤكد وجودنا وولاءنا، ولنعلن أننا باقون على خطاه، ماضون في مسيرته، نحن ممتنون جدًا للشعب اللبناني، ولأهل الجنوب الذين لم يساوموا على الحق".
ومن اليمن، جاء جميل محمد أحمد، متحدثا بحرقة وغضب "جئنا لتشييع سيد الشهداء وسيد الأمة، ولولا الإجراءات المشددة لكان كل الشعب اليمني هنا، لقد كان هذا الرجل نصيرا للعرب والمسلمين، قدم كل شيء لنصرة الحق، ودعم أهل غزة ورفع راية الإسلام هناك". أما الطفلة زهراء، التي وقفت بعينيها الواسعتين وسط الحشد، فكان لكلماتها وقع خاص، إذ قالت بصوت بريء "عندما استشهد، شعرنا بحزن عميق، لقد فقدناه، لكنه الآن في الجنة، ومع ذلك نشعر أنه ما زال معنا على هذه الأرض".
حشود مليونية
انطلقت المراسم من ملعب كميل شمعون الرياضي في بيروت، حيث احتشدت الجماهير منذ ساعات الفجر الأولى، ووسط أجواء من الحزن والحداد، رفعت الأعلام اللبنانية وأعلام حزب الله، بينما علت الهتافات التي عبرت عن حجم الخسارة. شهدت المراسم حضورا رسميا واسعا، حيث مثل رئيس مجلس النواب نبيه بري رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، في حين حضر وزير العمل محمد حيدر ممثلا لرئيس الحكومة القاضي نواف سلام، كما شاركت وفود رسمية وشعبية من أكثر من 70 دولة، أبرزها إيران، والعراق، واليمن، والكويت، والبحرين، وتونس. واستُهلت المراسم بتلاوة آيات من القرآن الكريم، تلاها عزف النشيد الوطني اللبناني ونشيد حزب الله، قبل أن تُنقل الجثامين بين المشيعين لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة، ومع تصاعد مشاعر الحزن، شهدت الأجواء تطورا أمنيا لافتا، حيث حلق الطيران الإسرائيلي على علو منخفض فوق المنطقة.
المقاومة مستمرة
في كلمته التي ألقاها خلال التشييع، أكد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم أن "المقاومة مستمرة كخيار إستراتيجي"، مشددا على أن الحزب باق على العهد رغم الخسائر الكبيرة، وأوضح قاسم أن "الموافقة على وقف إطلاق النار مع إسرائيل في هذه المرحلة تمثل نقطة قوة"، لكنه أكد في الوقت ذاته ضرورة تحمل الدولة اللبنانية مسؤولياتها. وأضاف أن "إسرائيل لم تلتزم، وقد صبرنا، لكننا نواجه احتلالا وعدوانا، والقصف على الداخل اللبناني يعد اعتداء واضحا"، كما شدد على أن حزب الله لن يسمح للولايات المتحدة "بالتحكم بلبنان".
وبعد انتهاء المراسم في المدينة الرياضية، حمل المشيعون نعش الأمين العام السابق حسن نصر الله، في مسيرة امتدت لنحو 3 كيلومترات، وصولا إلى موقع الدفن المستحدث خصيصا له بين الطريقين المؤديين إلى مطار رفيق الحريري الدولي، والذي من المتوقع أن يتحول إلى مزار اعتبارا من يوم غد الاثنين. أما جثمان هاشم صفي الدين، فسيُنقل إلى مسقط رأسه في بلدة دير قانون النهر في جنوب لبنان، حيث سيُدفن يوم غد الاثنين.