۷۵۱مشاهدات

أصداء نهاية الإمبراطورية

وتبدو أمريكا الآن أصغر كثيرا من العملاق الذى بدا أنه يمتطى العالم عام 1989، عندما كان من الممكن أن يؤخذ مقال بعنوان «نهاية العالم» على محمل الجدية على الرغم مما فيه من تناقض.
رمز الخبر: ۹۲۷۳
تأريخ النشر: 15 August 2012
شبکة تابناک الأخبارية: يعتبر الربيع العربى، وتهديد إيران كقوة نووية صاعدة، واستمرار العنف فى سوريا، والإحجام الأمريكى عن التورط، جميعها دلائل على ضعف دور الولايات المتحدة باعتبارها الشرطى الأوحد فى العالم، إن لم يكن انتهاء هذا الدور. وفى العام الماضى قال الرئيس أوباما «لا يمكن لأمريكا أن تستخدم الجيش حيثما يحدث قمع».

ويذكرنى الموقف الأمريكى الآن بموقف بريطانيا عام 1945، عندما لم تعد بريطانيا الغارقة فى الدين، والملتزمة ببناء خدمة الرعاية الصحية، وغيرها من مقتضيات دولة الرفاه قادرة على إدارة الامبراطورية. فضلا عن أن بريطانيا التى كانت قبل جيل من ذلك التاريخ، تسيطر بفخر على البحار، بدأت تعانى من التعب، وتفتقر إلى قوة الإرادة لمواصلة قدرها الإمبراطورى. بل إن الدور الأمريكى كقوة استعمارية أكثر ضعفا، حيث لم تمتلك الولايات المتحدة أبدا ثقة بريطانيا فى قدرها الاستعمارى. وكان الأمريكيون دائما مترددين فيما يتعلق بدور الهيمنة العالمية.

واليوم، تعتبر الضرورة العملية، وليس العزلة التقليدية، الدافع وراء التراجع الأمريكى. ولم تعد أمريكا المعاصرة مثلها فى ذلك مثل بريطانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية تمتلك الموارد المالية الكافية للحفاظ على إمبراطورية، كانت الولايات المتحدة لا تسعى إليها بدأب فى الأساس. وقد تسببت معدلات العجز والدين فى الاضرار بأحلام الإمبراطورية أكثر مما فعل أى تحول فى الفكر. وقد نشأ والداى فى ساحل الذهب بأفريقيا بينما كانت القوة البريطانية تتراجع، لذلك أشعر أن لى صلة مباشرة بظاهرة انهيار الامبراطوريات. وقد اصبح ساحل الذهب، يعرف بجمهورية غانا فى عام 1957، بعد سنة من أزمة السويس. وأنا اليوم عضو فى البرلمان، ولذلك لدى وجهة نظر مزدوجة بشأن الإمبراطورية.

●●●

ومثلما يعتبر الكثير من المؤرخين الحرب العالمية الثانية نهاية للإمبراطورية البريطانية، ربما يعتبر المؤرخون فى المستقبل الأزمة المالية فى 2008 نهاية للإمبراطورية الأمريكية. غير أن تراجع القوة الأمريكية، خاصة فى الشرق الأوسط، ربما يزعزع إلى حد كبير استقرار العالم، وينشر حالة من الغموض.

وتبدو أمريكا الآن أصغر كثيرا من العملاق الذى بدا أنه يمتطى العالم عام 1989، عندما كان من الممكن أن يؤخذ مقال بعنوان «نهاية العالم» على محمل الجدية على الرغم مما فيه من تناقض.

وظل هناك دائما شك فى أن أمريكا لا تمتلك حماسا كافيا كقوة استعمارية. فلم تسع أبدا لإدارة أراض أجنبية إدارة مباشرة، وإلى أجل غير مسمى. وعلى الرغم من وجود القواعد الأمريكية فى اليابان وألمانيا وبريطانيا، ولاحقا فى السعودية تبدو الولايات المتحدة قوة استعمارية ناعمة.

وخلال فترة الحرب الباردة، اعتبرت الولايات المتحدة نفسها زعيمة «العالم الحر»، وهو ادعاء للقيادة الأخلاقية يماثل فى جرأته ادعاء أى امبراطوية فى التاريخ. وكانت سيطرتها تعتمد على قوة التحالف، وتقديم المساعدة المباشرة، وطرح النموذج الاجتماعى والاقتصادى، أكثر من الاحتلال. ولم تتدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر إلا فى السنوات العشر الماضية فحسب، لتقرر من يحكم العراق، وأفغانستان، وليبيا. ولم تكن هذه المسئولية المفترضة سوى عمل من أعمال الإمبراطورية. غير أن الأمريكيين كانوا يحجمون دائما عن الإقرار بذلك. وخلال هذه الفترة، كان المدهش أن المحافظين الجدد تبنوا نهجا امبرياليا أكثر علنية. وكان الإحجام الأمريكى عن تقلد سيف الإمبراطورية هو أساس غضبهم على السياسة الخارجية لبلادهم. فكانوا يقومون بحث الولايات المتحدة كما لو أنها تلميذ كسول بطىء، على القيام بدور ليس له ميل طبيعى للقيام به.

فمنذ استقلال الولايات المتحدة، ظل الإحجام عن الانخراط فى التفاصيل المربكة للسياسة الدولية ملمحا من ملامح السياسة الأمريكية. وكان تحذير جورج واشنطن الشهير «تجنبوا التعقيدات الخارجية»، من أكثر الاقتباسات زيفا فى التاريخ وهو عبارة مضغوطة من ثلاث كلمات تحوى فكرة أكثر دهاء عن تجنب المشاحنات الأوروبية. وفى الواقع، لم تظهر هذه العبارة فى خطاب الوداع العظيم عام 1796. غير أن الزعماء الذين جاءوا بعده، اتبعوا النسخة المعترف بها من ملاحظات واشنطن. وفى وقت لاحق، بشر وودرو ويلسن «بحق تقرير المصير خارج البلاد، وأوضحت حرب فيتنام للأمريكيين أن قواهم محدودة. واليوم، يبدو المحافظون الجدد كشخصيات غريبة من الماضى، كان الكثير من الأمريكيين يفضل نسيانها. وخلال 23 عاما، انتقلنا من «نهاية التاريخ»، حيث عالم تبدو فيه الرأسمالية الليبرالية والديمقراطية مسيطرة تماما، إلى إعلان الرئيس أوباما الرخو عن القدرة المحدوة للولايات المتحدة.

وأدت الأزمة المالية وتراكم المديونية فى نهاية المطاف إلى إنهاء السلوك الإمبريالى الأمريكى. ومن المستبعد، حتى لو تعافى الاقتصاد، أن تدخل البلاد حملات بجرأة وسذاجة غزوها للعراق عام 2003.

●●●

ويوضح تاريخ الإمبراطورية البريطانية أن كل أشكال الإمبراطوريات مضلل. فأولا؛ الإمبراطورية مكلفة للغاية. وصعود الصين، والعالم الناشئ، يعنى أن الاقتصاد الأمريكى سيكون أصغر حجما، حتى لو استعاد عافيته. ومن المؤكد أنه لن يكون كما كان عليه فى 1945 و1989. وهذا وحده يجعل القيادة التعددية أكثر توقعا من القيادة المنفردة.

  وثانيا، وكما اكتشفت بريطانيا، يقتضى الاحتفاظ بالإمبراطورية، العديد من الحسابات، والكثير من المعرفة بل والخبرة بما يزيد على قدرة أى قوة واحدة فى عالمنا المعاصر، حتى على المحاولة. وربما تكون تجربتا العراق وأفغانستان قد لقنتا أمريكا تلك الدروس.
رایکم