شبکة تابناک الأخبارية: تضم حركة عدم الانحياز الآن 120 دولة، وتعتبر ثانى أكبر تجمع بعد الأمم المتحدة، وتأتى أهمية الحركة من منطلق أنها تضم دولا رئيسية تلعب أدوارا مهمة على الساحة الدولية والإقليمية وتؤخذ قراراتها بعين الاعتبار في القضايا الدولية، وتمثل اليوم نسبة 60% من عدد الدول في الأمم المتحدة وبالتالي تشكل كتلة تصويتية كبيرة، كما تمثل أكثر من نصف سكان العالم.
تأسست حركة عدم الانحياز إبّان انهيار النظام الاستعماري، ونضال شعوب إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وغيرها من المناطق في العالم من أجل الاستقلال، وفي ذروة الحرب الباردة.
نشأة الحركة:
كانت جهود الحركة، منذ الأيام الأولى لقيامها، عاملاً أساسيًا في عملية تصفية الاستعمار، والتي أدت لاحقًا إلى نجاح كثير من الدول والشعوب في الحصول على حريتها وتحقيق استقلالها، وتأسيس دول جديدة ذات سيادة. وعلى مدار تاريخها، لعبت حركة دول عدم الانحياز دورًا أساسيًا في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.
وإذا كانت بعض الاجتماعات قد عُقدت، في إطار العالم الثالث، قبل عام 1955، فإن المؤرخين يعتبرون أن مؤتمر باندونج "الأفرو- آسيوي" هو الحدث السابق مباشرة على قيام حركة عدم الانحياز، وكان هذا المؤتمر قد عقد في مدينة باندونج خلال الفترة من 18حتى 24 أبريل 1955، وشهد تجمع 29 رئيس دولة ينتمون إلى الجيل الأول من قيادات ما بعد الحقبة الاستعمارية من قارتي إفريقيا وآسيا بغرض بحث القضايا العالمية في ذلك الوقت وتقييمها، وانتهاج سياسات مشتركة في العلاقات الدولية.
وتم الإعلان في ذلك المؤتمر عن المبادئ التي تحكم العلاقات بين الدول، كبيرها وصغيرها، وهي المبادئ التي عُرفت باسم "مبادئ باندونج العشرة"، والتي جرى اتخاذها فيما بعد كأهداف ومقاصد رئيسية لسياسة عدم الانحياز. ولقد أصبح تحقيق تلك المبادئ هو المعيار الأساسي للعضوية في حركة عدم الانحياز؛ بل إنها أصبحت تعرف بما يسمى "جوهر الحركة" حتى بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي.
وفي عام 1960، وفي ضوء النتائج التي تحققت في باندونج، حظي قيام حركة دول عدم الانحياز بدفعة حاسمة أثناء الدورة العادية الخامسة عشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي شهدت انضمام 17 دولة إفريقية وآسيوية جديدة. وكان رؤساء بعض الدول أو الحكومات في ذلك الوقت، حققوا دور بارز في تلك العملية، وهم:" الرئيس جمال عبد الناصر، وقوامي نكروما من غانا، وشري جواهر لال نهرو من الهند وأحمد سوكارنو من اندونيسيا، وجوزيب تيتو من يوغسلافيا، الذين أصبحوا، فيما بعد، الآباء المؤسسين للحركة، ورموز قادتها.
وبعد مؤتمر باندونج بستة أعوام تم تأسيس حركة دول عدم الانحياز على أساس جغرافي أكثر اتساعًا، أثناء مؤتمر القمة الأولى الذي عُقد في بلجراد خلال الفترة من الأول حتى السادس من سبتمبر 1961، وقد حضر المؤتمر 25 دولة هي: أفغانستان والجزائرواليمن وميانمار، وكمبوديا، وسريلانكا، والكونغو، والكونغو، وكوبا، وقبرص، ومصر، واثيوبيا، والهند وغينيا، واندونيسيا، والعراق، ولبنان، ومالي، والمغرب، ونيبال، والسعودية، والصومال، والسودان،وسوريا، وتونس، ويوغسلافيا.
وكان مؤسسو حركة عدم الانحياز قد فضلوا إعلانها كحركة وليس كمنظمة، تفاديًا لما تنطوي عليه الأخيرة من آثار بيروقراطية.
معايير العضوية في عدم الإنحياز:
وتوضح معايير العضوية التي جرت صياغتها أثناء المؤتمر التحضيري والذي عقد بالقاهرة 1961، أن الفكرة من وراء الحركة ليس القيام بدور سلبي في السياسة الدولية، وإنما صياغة مواقفها بطريقة مستقلة بحيث تعكس مواقف الدول الأعضاء فيها.
وعلى هذا، ركزت الأهداف الأساسية لدول حركة عدم الانحياز، على تأييد حق تقرير المصير، والاستقلال الوطني، والسيادة، والسلامة الإقليمية للدول؛ ومعارضة الفصل العنصري، وعدم الانتماء للأحلاف العسكرية المتعددة الأطراف، وابتعاد دول حركة عدم الانحياز عن التكتلات والصراعات بين الدول الكبرى، والكفاح ضد الاستعمار بكافة أشكاله وصوره، والكفاح ضد الاحتلال، والاستعمار الجديد، والعنصرية، والاحتلال والسيطرة الأجنبية، ونزع السلاح، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، والتعايش بين جميع الدول، ورفض استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية، وتدعيم الأمم المتحدة، وإضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإعادة هيكلة النظام الاقتصادي العالمي، فضلا عن التعاون الدولي على قدم المساواة.
ومنذ بداية قيام الحركة، بذلت دول عدم الانحياز جهودًا جبارة بلا هوادة لضمان حق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال والسيطرة الأجنبية، في ممارسة حقها الثابت في تقرير المصير والاستقلال.
وإبّان عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، لعبت حركة دول عدم الانحياز دورًا أساسيًا في الكفاح من أجل إنشاء نظام اقتصادي عالمي جديد، يسمح لجميع شعوب العالم بالاستفادة من ثرواتها ومواردها الطبيعية، ويقدم برنامجًا واسعًا من أجل إجراء تغيير أساسي في العلاقات الاقتصادية الدولية، والتحرر الاقتصادي لدول الجنوب.
وأثناء السنوات التي تناهز الخمسين من عمر حركة دول عدم الانحياز، استطاعت الحركة أن تضم عددًا متزايدًا من الدول وحركات التحرير التي قبلت- على الرغم من تنوعها الأيديولوجي، والسياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي- المبادئ التي قامت عليها الحركة وأهدافها الأساسية، وأبدْت استعدادها من أجل تحقيق تلك المبادئ والأهداف. ومن استقراء التاريخ، نجد أن دول حركة عدم الانحياز قد برهنت على قدرتها على التغلب على خلافاتها، وأوجدت أساسًا مشتركًا للعمل، يفضي بها إلى التعاون المتبادل وتعضيد قيمها المشتركة.
المبادئ العشرة لباندونج:
1 -- احترام حقوق الإنسان الأساسية، وأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
2- احترام سيادة جميع الدول وسلامة أراضيها.
3 - إقرار مبدأ المساواة بين جميع الأجناس، والمساواة بين جميع الدول، كبيرها وصغيرها.
4 - عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى أو التعرض لها.
5 - احترام حق كل دولة في الدفاع عن نفسها، بطريقة فردية أو جماعية، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة.
6 - أ- عدم استخدام أحلاف الدفاع الجماعية لتحقيق مصالح خاصة لأيّ من الدول الكبرى.
ب - عدم قيام أي دولة بممارسة ضغوط على دول أخرى.
7 - الامتناع عن القيام، أو التهديد بالقيام، بأي عدوان، والامتناع عن استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة.
8 - الحل السلمي لجميع الصراعات الدولية، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة.
9 - تعزيز المصالح المشتركة والتعاون المتبادل.
10 - احترام العدالة والالتزامات الدولية.
مصر وحركة عدم الانحياز:
ترى مصر أن حركة عدم الانحياز تمثل الإطار الأهم ، والأوسع نطاقاً لتنسيق مواقف الدول النامية إزاء مختلف القضايا السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية المطروحة على أجندة الأمم المتحدة ، ودعم سبل العمل الجماعي متعدد الأطراف في مواجهة السياسات الانفرادية ، أحادية الجانب، والتي تعد إحدى التحديات الكبرى التي تواجه دول العالم الثالث ، وغالبيتها أعضاء في الحركة .
وتبدى مصر اهتماما كبيراً للحركة ولضرورة الحفاظ عليها لما تتمتع به من ثقل إقليمي ودولي كبيرين باعتبارها تضم ما يقرب من ثلثي دول العالم الأعضاء بالأمم المتحدة ، ومن ثمّ تمثل كتلةً تصويتية لايستهان بها، ويتعين العمل على توثيق العلاقات بين دولها للدفاع عن مصالحها ومصالح شعوبها .
وتتمثل أحد الركائز الأساسية التي يستند عليها الموقف المصري من حركة عدم الانحياز في أنه إذا كانت الحركة قد نشأت في ظل نظام دولي ثنائي القطبية فإن اختلاف هذه الظروف يفرض تطوير أدوات الحركة بما يعطيها إمكانية المساهمة - من خلال مواقف بناءة ، وواقعية تحظى بإجماع من كافة دولها - في التأثير على مجرى التفاعلات الدولية .
وقد لعبت مصر دوراً محورياً ليس فقط في تأسيس حركة عدم الانحياز رسمياً خلال قمتها الأولى في العاصمة اليوغسلافية بلجراد في عام1961، وإنما يعود هذا الدور إلى ما قبل مرحلة الميلاد الرسمي للحركة حينما لعبت مصر دوراً بارزاً في بلورة فكرة إنشائها ، ثم تحويل هذه الفكرة إلى كيان ملموس على أرض الواقع منذ البدايات الأولى في مؤتمر باندونج عام 1955 ، والذي بذلت خلاله الدبلوماسية المصرية جهوداً كبيرةً بالاشتراك مع الدول الرئيسية المؤسسة للحركة ، ومنها الهند ، واندونيسيا ، ويوغسلافيا لكي ينجح المؤتمر ويحقق أغراضه ، وهو ما تحقق بالفعل على النحو الذي أثار إعجاب وتقدير ساسة وقادة دول العالم في ذلك الوقت.
وترى مصر أن ما تشهده الساحة الدولية اليوم من تصدع لأركان ومبادئ أساسية قامت عليها حركة عدم الانحياز هو أمر يدعو للقلق خاصةً ما يتعلق بعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، واحترام سيادتها ، واستقرارها ، واستقلال قرارها ، وعدم كفاية كل من السيادة الوطنية ، والوحدة الإقليمية لمنع التدخل في الشئون الداخلية للدول ، بل أصبحت الشئون الداخلية ذاتها ذريعةً وقناعاً لمن يرغب في فرض سيطرته على الآخرين ، وهى كلها تحديات جسيمة تفرض ضرورة استمرار الحركة مع إعادة بنائها ، وتطوير قدراتها .
وتؤكد وثائق الحركة ومسيرتها الدور التاريخي الذي لعبته- وتلعبه مصر- في تطوير الحركة وبث روح جديدة في جسدها ، ويشكل هذا الدور المصري الرائد في تأسيس وبناء حركة عدم الانحياز, بالإضافة إلى ثقلها الحضاري والسياسي القاعدة التي ترتكز عليها مصر لدعم مسيرة الحركة في المستقبل عبر تكثيف جهودها المشتركة مع العديد من الدول الساعية لدعم الحركة من أجل تطوير أهدافها وآلياتها ، وجعلها أكثر كفاءةً فيما يتعلق بالتعامل مع التغيرات الكبيرة التي تشهدها الساحة العالمية سياسياً ، واقتصادياً ، وثقافياً لاسيما بعد أن تحولت الحركة من كيان يضم 25 دولةً في قمتها التأسيسية الأولى إلى كيان ضخم يضم حالياً 118 دولةً تنتمي لقارات أفريقيا ، و أسيا ، وأوروبا ، وأمريكا اللاتينية.
وتثبت مصر بمشاركتها الفعالة في قمم حركة عدم الانحياز - منذ تأسيس الحركة - تفاعلها المستمر ودورها الريادي ، ليس فقط في نطاق إقليمها وإنما أيضا للعمل على المستوى العالمي الأرحب للدفع بقضايا الدول النامية حتى تحصل على نصيبها العادل سياسياً وتنموياً على الساحة الدولية على اتساعها اقتناعاً منها بأهمية تعزيز العمل الجماعي متعدد الأطراف من خلال دعم الأمم المتحدة ، ومنظماتها ، وأجهزتها وعلى رأسها الجمعية العامة ، وإعادة إصلاح وهيكلة مجلس الأمن الدولي بهدف إلزام الدول الأعضاء بمقرراتها ، وعدم دفع هذه الدول للعمل خارج النظام الدولي ، وبعيداً عن إطارا لشرعية الدولية .
واستضافت مصرا القمة الثانية للحركة في عام 1964 وسط فورة حركة الاستقلال الوطني والتحرر على المستوى العالمي ، وكانت هذه القمة بمثابة نقلة نوعية في تاريخ حركة عدم الانحياز حيث خرجت بالحركة من الإطار السياسي العام إلى مرحلة التفاصيل الدقيقة ، والمعالجة المتعمقة للقضايا ، وبدأت عملية ترتيب القضايا المطروحة على جدول الأعمال وفقاً لنوعيتها فيما أصبح يعد تقليداً ، أو فصولاً ثابتةً في البيانات الختامية اللاحقة للحركة .
ساهم الأداء المتميز لمصر خلال فترة رئاستها لحركة عدم الانحياز في إنجاح أنشطة الحركة على مدار الفترة الماضية، وتمكين الحركة من التحدث بصوت واحد والاستجابة بفاعلية لأية تطورات قد تطرأ على الساحة الدولية.
كما قامت مصر منذ تولى رئاسة القمة الخامسة عشر لحركة عدم الانحياز بالبناء على الإنجازات المتراكمة التي حققتها الرئاسات السابقة للحركة من أجل تعزيز دورها على الصعيد الدولي ولاسيما في إطار الأمم المتحدة، واستمرت مصر في بذل الجهود والتنسيق مع كافة الدول الأعضاء وصولا إلى القمة الحالية في إيران.
وأكدت الوثائق التي صدرت عن قمة شرم الشيخ أهمية التعاون بين الجنوب والجنوب من ناحية ،وبينه ودول الشمال الصناعية المتقدمة من ناحية أخرى، والتحذير من اتخاذ بعض الدول الصناعية قرارات أحادية في الأوضاع الاقتصادية والمالية والتجارية يكون لها تأثير سلبي للغاية على الدول النامية، بالإضافة لأهمية التعاون بين مجموعة الـ77 ودول عدم الانحياز وهما متداخلان في الأهداف والعضوية ومجموعة ال15 المنبثقة عن حركة عدم الانحياز فى منتصف الثمانينات من القرن العشرين وعادة ما تعقد اجتماعاتها على هامش مؤتمرات الحركة.
وخلال رئاسة مصر للحركة تم اعتماد عضوية كل من أذربيجان وجزر فيجى وأيضا اعتماد إعلان بالى لحركة عدم الانحياز فى مايو الماضي بمناسبة مرور خمسين عاما على تأسيس الحركة الذي حدد الأهداف والخطوات الرئيسية للتعامل مع التحديات المعاصرة، ويجدد رؤية أعضاء الحركة إزاء القضايا والتحديات العالمية على مدار السنوات القادمة.
لقد شهد العالم والشرق الأوسط تطورات هامة ما بين رئاسة مصر للحركة فى قمة شرم الشيخ عام 2009 والقمة القادمة فى إيران ابتداء بالأزمة المالية العالمية التي اندلعت فى الولايات المتحدة الأمريكية وتصاعدت مع رئاسة أوباما، ثم توالت أحداث الثورات العربية ابتداء من تونس ومرورا بمصر وليبيا، واليمن وسوريا، وانفصال جنوب السودان، وخروج القوات الأمريكية من العراق وان ظل تحت السيطرة العسكرية والسياسية الأمريكية وتزايد النفوذ الإيراني فيه، وتصاعدت الحرب الدبلوماسية والتهديدات وفرض العقوبات والمقاطعة ضد إيران بسبب ملفها النووي واتهامها بالسعي لتصنيع سلاح نووي..وبالتالي تبرز أهمية دور الحركة المؤثر إزاء هذه التطورات الهامة على الساحة الدولية.