۳۰۳مشاهدات
لاحظ مراقبون استراتيجيون، أن تسليح الجيش والقبول بالهبة، خلوًّا من أي التزام تجاه الواهبين، يدفع إلى المزيد من التوازن مع "حزب الله" الذي يقاتل في الجرود الجرداء
رمز الخبر: ۲۱۹۴۹
تأريخ النشر: 11 October 2014
شبكة تابناك الإخبارية : لفت انتباه كثيرين ممن تابعوا نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، في حديثه التلفزيونيّ الأخير، قوله بأنّ ما يحصل الآن هو تقاطع للمصالح بين معظم الدول لتهدئة الوضع في لبنان، وليس هذا اتفاقًا. ما يدور في خلد الكثيرين هل فعلاً نحن متّجهون نحو التهدئة المطلوبة لنا بسبب تقاطع المصالح، أو أنّنا مأخوذون إلى الانفجار المذهبيّ الكبير؟

مصادر متابعة ناقشت تلك الرؤية بعمق واتساق، وخلصت إلى أنّ تلك المرحلة، وإن تقاطعت بعض المصالح على الساحة اللبنانية، غير أنّها هشّة ومعطوبة بالعمق البنيويّ العموديّ، ومرتبطة بالساحات الملتهبة في المنطقة بالمعنى الأفقيّ. ذلك أنّ الصراع المحتدم بشدّة، والمحتشد كمًّا ونوعًا بات في قلب التفاصيل اللبنانية، بعناوينها المتصلة بسلوكيات البعض ممن لا يقرأون أو يفقهون.

فمن نافل الأمور أن تميّع الحكومة اللبنانيّة الهبة الإيرانيّة الخالية من الشروط والمساومات، وهي من التفاصيل اللبنانيّة، على غرار هبات أخرى لا تزال حبرًا على ورق تمّ القبول بها، لكونها تمنح الجيش منعة وحصانة في وجه الإرهابيين التكفيريين، فلماذا لا تستثمر الحكومة ورقة تسليح الجيش بقوّة واستدخالها في سلوكيات الضغوط لتأمين تحرير الهبات الأخرى لصالح الجيش اللبنانيّ في مواجهته لداعش؟ تشير مصادر عارفة بهذا الخصوص إلى ترجرج واضح في موقف الحكومة نظرًا لكونها جزءًا من هذا الاصطفاف السياسيّ المنقسم. لكنّ المصادر عينها نصحت الحكومة اللبنانيّة بالتعامل مع تلك الهبة بمرونة وحكمة وهدى. ذلك أنّ قيمة المواجهة مع التكفيريين تلفظ في حركيّتها ذلك الترجرج والهزال واللسان الخشبيّ من جوفها، فهي مواجهة وجوديّة وحرب وطنيّة، ومن المفترض أيضًا أن يأبى اللبنانيون المستشعرون لخطورة تلك القوى تلك الضبابيّة في التعاطي مع تلك الهبة لكونها ترفع من معنويات الجيش واللبنانيين في معنى المواجهة وضرورتها.

في الوقت عينه، لاحظ مراقبون استراتيجيون، أن تسليح الجيش والقبول بالهبة، خلوًّا من أي التزام تجاه الواهبين، يدفع إلى المزيد من التوازن مع "حزب الله" الذي يقاتل في الجرود الجرداء، على مدى الحدود كلّها. وقد أظهرت معركة بريتال كما عرسال، أنّ "حزب الله" وإن كان يقاتل برؤى استراتيجيّة عقيديّة هي الجوهر، لكن الجيش يبقى القلب والوجه والعقل في هذه المعركة الكبرى. ويسأل هؤلاء الذين ينتقدون الحزب بلسان خشبيّ ويدعونه للصحوة، ما هو مشروعكم لنهوض الجيش؟ لماذا لا تقبلون بتسليحه حتّى يقوم بمهامه القتاليّة؟

يتكشّف شيئًا فشيئًا، أنّ المنطق السائد عند من يعارض، وتلك هي الخطورة بالذات، يسوده الكثير من الالتباس بل التماهي المطلق، مع التكفيريين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. واللافت في هذا الخضمّ، موقف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي دعا من أمام قصر الإليزيه، إلى ضرب تنظيم "داعش" من جذوره، وقد ساق كلامه بلهجة حاسمة. ترى كيف يمكن المواءمة بين الكلام الحاسم وبين الواقع على الأرض حين يدعو للقضاء على هذا التنظيم بطريقة منهجيّة؟ وتاليًا، كيف يمكن استنزال موقفه الباريسيّ وبأيّ طريقة منهجيّة على الأرض اللبنانيّة وتجسيده خارج سياق تسليح الجيش اللبنانيّ، وهو الذي حمل المليار دولار من الملك السعودي لهذا الهدف؟ كيف يمكن للجيش اللبنانيّ على مستوى لبنان اقتلاع هذا التنظيم المتوحّش من جذوره، إذا لم يتم تشريع الهبات بلا شروط وبهذا التسويغ الكبير الذي نحياه على أرض المعركة؟ وأخيرًا وليس آخرًا، ما هو مشروع الحريري، وكما تتساءل بعض المراجع، لإعادة التوازن بداءة للطائفة السنيّة الكريمة بخاصّة، وللإسلام بعامّة والذي قال مفتي الجمهوريّة عبد اللطيف دريان في خطبة عيد الأضحى "إنّ الإسلام مهدّد من الداخل، مثلما هو مهدّد من الاستهداف الخارجيّ"، وحتى لا يبدو هذا التنظيم برؤيته الخلافيّة الناطق الوحيد باسم السنّة وباسم الإسلام في العمليّة الانضماميّة التي يشاؤها لهذا الدين الكريم والمبين؟

تلك التساؤلات تتجلّى في ظلّ حراك متراكم مشدود إلى آفاق الصراع على لبنان وفيه. وفي ظلّ عدم جديّة دول التحالف بالقضاء على تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" من جذورهما، ومدينة عين عرب على الحدود السوريّة-التركيّة تكشف أنّ عدم الجديّة يحمل في طياته رؤية تجميعيّة عبر تهجير الأكراد، والدليل على عدم الجديّة تصريح وزير الخارجية الأميركيّة جون كيري الأخير، الذي اكتفى فقط باعتبار أنّ احتلال ثلثي هذه المدينة يُعتبَر مأساة من دون ردع كبير لهذا التقدّم أقلّه من الجوّ، كما حصل على حدود أربيل في العراق حين قصفت الطائرات الأميركيّة التقدّم الداعشيّ باتجاه هذه المدينة واضعة حدودًا للتقدّم.

 
يسخر بعض السياسيين في لبنان من دعوة بعضهم للانضمام إلى تحالف غير مكتمل الأجزاء والعناصر، وتوسيع القرار 1701 باتجاه البقاع الشماليّ، وهو لم يردع إسرائيل على خرق الخطّ الأزرق في الجنوب غير مرّة، ممّا يجعله قرارًا هشًّا. إنّ منطق هؤلاء وبتوصيف بسيط، يُظهِر عقم الرؤى، وعمق التنكّر لمعنى المواجهة وآفاقها وقيمتها الفكريّة والإيديولوجيّة وأهدافها على الأرض المستندة إلى واقع الأمور. إنّ هذه المسألة لدقيقة للغاية. فقد تبيّن أنّها خالية من قراءة واضحة لعمق هذه المواجهة.

إنّ الحركة التكفيريّة مسخ مولود من قلب الفلسفة التفكيكيّة الواردة في الأدبيات اليهوديّة في ما سمي بالرسائل الثلاث The 3 messages ما بين ديفيد بن غوريون وإسحق ساسون وموشي شاريت التي تمّ تبادلها في حقبة الخمسينات من القرن المنصرم. وهي عينها مبثوثة، بصورة أوسع، في كتاب يعدّ بأنّه التوطئة لترسيخ تلك الرؤى من أوروبا الشرقيّة إلى المشرق العربيّ، هو صدام الحضارات وظهور العالم الجديد The clash of civilizations and remaking of a new order لصمويل هانتنغتون.

لبنان بطبيعته وكخلاصة، غير معنيّ بتحالف كهذا، وظيفته فقط تحجيم "داعش" وهذا باد جليًّا في عدم مساندة الأكراد في معركة عين عرب، والانطلاق من تلك الوظيفة لتأمين حركة التجميع كنتيجة للمعارك حتى تتمدّد إسرائيل وتنتسى فلسطين إلى الأبد.

خياران آنيّان مطلوبان اليوم:

1- تسليح الجيش اللبنانيّ وقبول الهبة الإيرانيّة وتحرير الهبات الأخرى لصالحه بلا قيد أو شرط، لكي يتمكّن من المواجهة باسم لبنان واللبنانيين، إذ يكفيه جرحه الكبير بأبنائه المخطوفين المهددين بالذبح، وقد ذبح ثلاثة منهم. قرار قبول الهبة والتسليح يجب أن يكون وطنيًّا وبامتياز أو يكون توطئة لاستمرار "داعش "بعمليّاتها وتهديداتها، فكيف يمكن القضاء عليها من جذورها وكما دعا الحريري من دون جيش لبنانيّ مسلّح ومعزّز بقرار سياسيّ واحد؟

2- عدم الطعن بمواجهة "حزب الله" لهذا التنظيم من قبل بعضهم في ظلّ غياب بدائل استراتيجيّة يطرحونها. فإذا كان الجيش هو البديل فليحرروا الهبات، وحتّى تحريرها وجب على اللبنانيين بكلّ أطيافهم الاتحاد حتّى لا تحترق أرضنا وتصبح يبابًا في أخطر مرحلة من التاريخ اللبنانيّ.

المصدر : النشرة لبنان

رایکم