شبکة تابناک الاخبارية: نقرا معا رایا من أحمد القاعود کاتب و باحث اعلامی مصری نشرتها موقع رای الیوم. تعاطي الاعلام الخليجي مع الأحداث الايرانية الأخيرة شابه العديد من السقطات، بالضرورة تؤثر عليه وعلى مصداقيته التى تشهد ضربات متتالية على مدار السنوات الماضية متأثرة بالأحداث السياسية العسكرية المتلاحقة. ولعل أبرز ما تعرض له الاعلام خاصة الممول من دولتي السعودية والامارات فى الأزمة الأخيرة هو مزيد من فقدان المصداقية لدى الجمهور العربي، ذو الخلفية المعرفية بأن هذه الوسائل معادية لايران ومحرضة على ثورة بها وداعية لاسقاط نظامها، وبالتالي فإن أخذ أي معلومات منها أو مشاهدة تقارير عبرها، ليست الحقيقة لما يجري هناك، أو حتى نصفها!
لقد غرق هذا النوع من الاعلام فى دوامة “التمني” أو تخيل الأحداث بدل من نقل حقيقتها والوقوف على أرض الواقع. فهو دائما يذكر أخبارا وتقارير أبعد ما تكون عن المهنية، تفترض أحداثا وتتوقع واقعا غير حقيقيا، وتستخدم خطابا، يضرها نفسها كوسيلة إعلام، أكثر ما يضر الدولة أو الطرف السياسي الذى تعاديه، وهو فى هذه الحالة الجمهورية الاسلامية الايرانية ونظامها السياسي الحاكم منذ حوالي 40 عاما.
إن أخطر ما يمكن أن تقع فيه وسائل الاعلام ويؤثر على مصداقيتها هو الابتعاد عن نقل الواقع والتحول إلى فكرة الطرف سياسي، وهنا تنتقل الوسيلة من فئة الاعلام إلى فئة الدعاية، وهذه الأخيرة بدورها لا تروق إلا للشخص المؤدلج والمؤيد لوجهة نظرها، بغض النظر عن مدى صدق أو كذب الرسالة الاعلامية المقدمة عبر هذه الوسائل.
ولعل الحفاظ الحقيقي على سمعة وسيلة الاعلام يتمثل فى قدرتها على الحفاظ بين الوظيفة الحقيقة للوسيلة وهي النقل والاخبار، وبين وقوعها فى فكرة الطرف السياسي أو الانحياز الذى يؤدي بالضرورة إلى فقدانه الجمهور أو على الأقل نصف الجمهور الذى يتبني وجهة النظر السياسية للطرف الأخر.
وسائل الاعلام الخليجية، اذا افترضنا نطريا أنها ليست وسائل دعاية، فقدت الكثير خلال السنوات الماضية بسبب تورطها فى كونها طرفا سياسيا يبث دعاية ولا ينقل أخبارا، وبالتالي فان سخط الجمهور العربي عليها فى الأحداث الايرانية الأخيرة كان كبيرا نظرا لعدم القدرة على مواكبة الأحداث بصورة مهنية ترضي شغف الجمهور العربي بمعرفة ما يجري داخل واحدة من أهم وأكبر دول الاقليم!
وفى المقابل فان الاعلام الخليجي الأخر الذى تقوده قطر، بدا محاولا تفادي حالة السخط الجماهيري “جمهور وسائل الاعلام” عن طريق إفراد مساحة واسعة للأحداث هناك وتصديرها النشرات الاخبارية، لكنه لم يكن منصفا فى كل الأحوال. فالهجوم الذى تعرضت له وبالأخص قناة الجزيرة وهي الرائدة مهنيا وأكثر تأثيرا فى المنطقة، بأنها تتجاهل احتجاجات إيران لا أساس له من الصحة.
لكنه أيضا غيب الصوت الأخر فى تغطيته، وهو فى هذه الحالة ليس أعداء إيران فى الخليج، وإنما صوت الشارع الايراني نفسه وبالأخص المحتجين العاديين الذين انطلقوا فى مدن عديدة للمطالبة بالحريات وتحسين الوضع الاقتصادي. فينما تنقل الجزيرة كعادتها فى كافة الملفات العربية الرأي والرأي الأخر متلقية فى هذا غضب الأطراف المتصارعة المختلفة حيث لا يرغب كل طرف فى أن يرى أو يسمع ما يعتبره عدوه، الا أن هذا الطرف فى الأحداث الايرانية الأخيرة كان غائبا وأصبحت التغطية مطابقة تماما لتغطية وكالات إخبارية تنقل ما يتوفر لها من أحداث وتقارير عامة يكون فى الغالب معظمها منقولا عن السلطة الرسمية.
ورطة الاعلام العربي ووقوعه فى فخ الانحياز وفشله فى القيام بوظيفة مهنية وخدمة اخبارية متميزة خاصة وأن الأحداث المذكورة هي أحداث جوهررية ومهمة للاقليم ككل، باعتبار ايران دولة مركزية، تفرض البحث فى تطوير وسال اعلام خاصة مهنية بعيدة عن هذا أو ذاك، تخاطب العقل فقط ولا تنحاز لطرف على حساب الأخر، وأيضا لا تقع فى فخ التفريط فى القضايا الحقيقية للأمة العربية ولا تحول العداء العربي من إسرائيل إلى إيران.