مع انهيار أسعار عقود النفط الآجلة لشهر أيار/ مايو لأقل من صفر دولار لأول مرة في التاريخ، يدخل العالم مرحلة جديدة من الأزمة الاقتصادية التي تضافرت عليها ثلاثة عوامل رئيسية: الركود الذي تسببت به إجراءات الإغلاق لمنع انتشار فيروس كورونا حول العالم ما أدى إلى انخفاض شديد غير مسبوق على النفط، وحرب البترول التي دارت خلال شهر آذار بين السعودية وروسيا، وأزمة تخزين البترول الخام الناتجة عن قلة الطلب مقابل المعروض.
وعلى الرغم من أن هذا الانهيار الشديد هو في تعاملات شهر مايو كنتيجة مباشرة لمضاربات الساعات الأخيرة قبل إغلاق التداول عليها، إلا أن سعر العقود غير الآجلة تعرض لانخفاض كبير أيضا يصل إلى 15%، ومن المتوقع أن ينخفض السعر أكثر بعد أيام من تداولات عقود شهر حزيران/ يونيو، للأسباب الثلاثة التي سبق ذكرها، إضافة لحالة الإرباك وعدم اليقين التي خلقتها تداولات أمس الاثنين.
وإذا افترضنا أكثر الاحتمالات تفاؤلا وهي ثبات سعر التداول لعمليات شهر حزيران على 20 دولارا للبرميل، فإن هذا السعر يبقى أقل بكثير من الأسعار التي بنيت عليها ميزانيات الدول المعتمدة في اقتصادها على البترول مثل السعودية وروسيا ودول الخليج العربي بشكل عام، والأهم أنها أقل من نصف تكلفة إنتاج النفط الأمريكي الذي يبلغ 48 دولارا للبرميل، وهو ما يعني أن الدول المصدرة ومنتجي البترول الأمريكي سيعانون أزمة كبيرة بسبب انخفاض الأسعار، التي لا يبدو أنها سترتفع في المدى المنظور بسبب تداعيات فيروس كورونا.
حرب على الصين؟
دعت أزمة أسعار النفط وتداعيات كورونا عددا كبيرا من المحللين الغربيين والعرب لتوقع حرب أمريكية على الصين، اعتمادا على مبدأ أن حل الأزمات الدولية الكبرى بهذا الحجم لا يمكن أن يحل إلا بحرب طاحنة تغير الموازين، وتنسف المعادلات الاقتصادية الطبيعية، وربما تغير شكل النظام العالمي برمته.
ولكن مثل هذه الحرب مستبعدة برأينا لعدة أسباب. أولها أنها ستكون ذات تكلفة عالية جدا بشريا وماليا، حيث إنها ستقوم بين قوى كبرى تمتلك إمكانات عسكرية تدميرية هائلة، وثانيها أن مثل هذه الحرب يمكن أن تتحول لحرب عالمية بسبب حجم الصين والولايات المتحدة وتحالفاتهما الدولية، وثالثهما أن الرئيس الأمريكي غير مستعد لحرب طويلة غير مضمونة النتائج تؤثر على فرص إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية نهاية هذا العام، ورابعهما التداخل الكبير في المصالح الاقتصادية بين الصين وبين الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، وحجم تأثر اقتصاد هذه الأطراف باقتصاد الصين الصاعد عالميا بشكل غير مسبوق.
هل تكون الحرب على إيران مخرجا؟
بخلاف تبعات الحرب الكبيرة والكارثية على الصين، فإن حربا "محسوبة" ضد إيران يمكن أن تمثل حلا للإدارة الأمريكية نظرا لقلة تبعاتها الاقتصادية والبشرية مقابل الحرب على الصين.
وفي هذا السياق نذكر أن صحيفة نيويورك تايمز نشرت تقريرا في السابع والعشرين من آذار الماضي، قالت فيه إن البنتاغون أصدر خطة لضرب ميليشيات عراقية تابعة لإيران في منتصف الشهر الماضي بالرغم من أزمة كورونا، ولكنها توقفت بعد تحذيرات من تداعيات مثل هذه الضربات أصدرها قادة كبار في وزارة الدفاع الأمريكية.
إن أهمية هذا التقرير تكمن في أنه يلغي الفكرة السائدة عن عدم رغبة الإدارة الأمريكية بتوسيع الصراع مع إيران، وأنه يبقى خيارا متاحا إذا كانت نتائجه تحقق المصالح الأمريكية.
ولكن ما هي المصالح التي قد تدفع إدارة ترامب لاتخاذ مثل هذا القرار المجنون في ظل جائحة كورونا، وأزمة انهيار النفط؟
قد تعتقد الإدارة الأمريكية أن حربا محدودة ضد إيران تشبه إلى حد ما حرب "عاصفة الصحراء" ضد العراق في العام 1991 يمكن أن تحقق عدة أهداف بضربة واحدة، بشرط أن تكون محسوبة، ولا تؤدي إلى انهيار النظام، لأن "التجربة التاريخية" للولايات المتحدة تقول إن حروب تغيير النظام مكلفة ومدمرة سياسيا وأمنيا واقتصاديا، بعد تجربتي احتلال العراق وإسقاط نظام حركة طالبان اللتين لا تزال الولايات المتحدة تعاني من تداعياتهما حتى الآن، بعد أكثر من ما يقارب العقدين من الزمن.
وإذا كانت واشنطن حتى الآن لم تطرح مثل هذا الخيار علنا، فإن حساباتها المصلحية البحتة قد تدفع للتفكير فيه، للأسباب الآتية:
أولا: ستؤدي حرب خاطفة ومحدودة إلى إضعاف القوة الإيرانية، وربما ستمهد لعقوبات أكثر صرامة ضدها، كما حدث مع العراق بعد عدوان 1991، ومن المحتمل أن تؤدي إلى إضعاف طهران عن مواجهة أو رفض هذه العقوبات نتيجة لخسائرها من الحرب كما حصل مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
ثانيا: ستؤدي مثل هذه الحرب بلا شك إلى ارتفاع أسعار النفط، خصوصا إذا استهدفت إيران أثناء المواجهات ناقلات نفط أو ممرات البترول، أو منشآت نفطية بالمنطقة، إضافة إلى أن أي حرب في منطقة الخليج ستؤدي إلى مخاوف على مصادر النفط، وبالتالي إلى رفع الطلب عليه وزيادة سعره بفعل المخاوف وزيادة الطلب.
ثالثا: من المحتمل أن تتحمل دول الخليج العربي تكلفة مثل هذه الحرب وخصوصا السعودية والإمارات، بذريعة أن الحرب هي في مصلحتهما ولإضعاف عدوهما المشترك إيران.
سيحقق هذا السيناريو إذن أهدافا أمريكية خالصة، من خلال حرب غير مكلفة، تضعف إيران، وتنعش أسواق النفط، وأسواق الأسلحة، وتحد من انهيار قطاع النفط الأمريكي. المصدر: عربی 21