كشفت مصادر لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني، أن حرب النفط بين المملكة العربية السعودية وروسيا، سبقتها مشادة كلامية بين ولي العهد، محمد بن سلمان، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وفي التقرير الذي كتبه دافيد هيرست، جاء أن ولي العهد هدد الرئيس الروسي بشأن خفض الإنتاج، قبل أن يقرر إغراق سوق النفط، بحسب المصادر.
وكما جاء في الموقع فقد “أفضت مكالمة هاتفية الشهر الماضي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى مشادة كلامية صاخبة بين الرجلين قبيل اتخاذ الرياض قراراً بإغراق السوق بالنفط في تحرك نجم عنه هبوط حاد في الأسعار”.
وقال مسؤولون سعوديون على معرفة بالمكالمة الكارثية في تصريح للموقع إن الخلاف هدد بإفساد شهور من الانفراج بين البلدين تم خلاله أيضاً الاتفاق على صفقة أسلحة معتبرة.
وجرت المكالمة قبيل اجتماع أوبك زائد يوم السادس من آذار/ مارس الماضي، والذي شهد إخفاق كبار مصدري النفط في الاتفاق على صفقة حول تخفيض الإنتاج على الرغم من تراجع الطلب العالمي جراء تفشي وباء فيروس كورونا.
وقال المسؤول السعودي الذي تحدث شريطة إبقاء هويته طي الكتمان: “قبيل الاجتماع جرت مكالمة هاتفية بين بوتين ومحمد بن سلمان، وكان محمد بن سلمان عدوانياً وأعطى إنذاراً، ثم هدد بأنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق فلسوف تبدأ السعودية بشن حرب أسعار. كانت المكالمة شخصية جداً، ورفع الاثنان صوتيهما على بعض. رفض بوتين الإنذار وانتهت المكالمة على نحو سيء.”
وتابع الموقع بأنه وقبل أن يبدي عدوانيته لبوتين، تواصل محمد بن سلمان مع جاريد كوشنر، صهر الرئيس دونالد ترامب وكبير مستشاريه، والذي يوصف بأنه “أشد المدافعين عن ولي العهد داخل البيت الأبيض”، وذلك بحسب مصدر ثان تكلم أيضاً شريطة التكتم على هويته.
وقال هذا المصدر: “كانت المكالمة مع بوتين قد تمت بمباركة ترامب عبر كوشنر. لم يطلب كوشنر من محمد بن سلمان أن يجري المكالمة، ولكنها تمت بعلمه وهو لم يعترض على إجرائها. ويبدو أن محمد بن سلمان خلص من ذلك إلا من استنتاجاته الخاصة.”
وشهدت أسعار النفط هبوطاً حاداً بعد اللقاء الذي أخفقت فيه دول أوبك وروسيا وبلدان أخرى في الاتفاق على مقترح يقضي بتخفيض الإنتاج بمقدار مليون ونصف المليون برميل في اليوم. ووردت تقارير من داخل الاجتماع أن المملكة العربية السعودية سعت إلى “لي ذراع” روسيا. وعلق على ذلك أحد الخبراء في قطاع النفط قائلاً: “لقد شهدنا للتو مخاطر حشر بوتين في الزاوية.”
في البداية أشاد ترامب بانهيار أسعار النفط، واعتبر ذلك فرصة سانحة لملء خزانات الولايات المتحدة بنفط زهيد.
وقال: “سوف نملأ الخزانات بالكامل، ونوفر بذلك على دافعي الضرائب الأمريكيين مليارات ومليارات من الدولارات، ونساعد قطاعنا النفطي ونمضي قدماً في تحقيق ذلك الهدف الرائع – والذي حققناه، والذي لم يظن أحد أنه كان ممكناً – ألا وهو الاستقلال في الطاقة.”
ولكن فيما بعد تراجع البيت الأبيض واتخذ مساراً معاكساً تماماً بعد الاحتجاجات التي صدرت عن منتجي النفط في الولايات المتحدة، والذين استثمر كثير منهم في استخراج الزيت الصخري الأعلى تكلفة، ولذلك فهم بحاجة لأسعار نفط مرتفعة حتى يحققوا نقطة التعادل في الحد الأدنى (لا ربح ولا خسارة).
دبلوماسية هادئة
ويتابع التقرير بأن الشجار السعودي مع بوتين حول إنتاج النفط بدد شهوراً من الدبلوماسية الهادئة بين موسكو والرياض، والتي بدأت حينما اغتنم بوتين فرصة عدم رد ترامب على الهجمات التي تعرضت لها مرافق النفط السعودية في أرامكو من قبل طائرات مسيرة وصواريخ كروز إيرانية في شهر سبتمبر / أيلول الماضي.
وكان بوتين قد تحدث بعد لقاء جمعه بالزعماء الأتراك والإيرانيين في أنقرة في سبتمبر / أيلول الماضي، عارضاً أن يبيع السعودية أنظمة الدفاع الجوية التي تصنعها روسيا.
وقال بوتين: “نحن على استعداد لتقديم المساعدة اللازمة إلى المملكة العربية السعودية، ويكفي أن تتخذ القيادة السياسية في المملكة العربية السعودية قرار حكومة حكيم – كما فعل زعماء إيران حينما اشتروا آنذاك منظومة S-300 وكما فعل الرئيس أردوغان حينما اشترى أحدث منظومة ترايامف S-400 للدفاع الجوي من روسيا.”
وفي منتصف يناير، قررت المملكة العربية السعودية من حيث المبدأ شراء منظومة دفاع جوي روسية من طراز Pantsir S1M SPAAGM بحسب ما كشفت عنه مصادر ميدل إيست آي.
وفي هذا الصدد، قال المسؤول السعودي لـ”ميدل إيست آي”: “لم يوقعوا على أي عقود. قرروا أن يشتروا المنظومة ولكنهم وضعوا بعض الشروط. أراد السعوديون أن يتم تصنيع جزء من المنظومة الروسية داخل السعودية نفسها. كانوا جادين بشأن شراء المنظومة. وكان ذلك بعد ثلاثة شهور من هجوم أرامكو.”
وتعتبر منظومة الصواريخ الروسية حديثة نسبياً، فقد تم كشف النقاب عنها في استعراض وزارة الدفاع الروسية في وقت مبكر من العام الماضي. وتصف وزارة الدفاع الروسية المنظومة بأنها صممت لحماية البنى التحتية العسكرية والعسكرية الصناعية الصغيرة، بحيث تشتبك مع الأهداف التي تحلق على ارتفاعات منخفضة.
بوتين وهمزة الوصل
ولفت التقرير إلى أن الرجل الذي شكل همزة الوصل في هذه المفاوضات هو كيريل ديميتريف، المقرب جداً من بوتين ورئيس صندوق الاستثمار في الدولة الروسية RDIF والذي تصل ميزانيته إلى 10 مليارات دولار. وكان ديميتريف قد صرح لشبكة CNBC في أكتوبر / تشرين الأول من العام الماضي أن روسيا لا تسعى إلى ملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وقال ديميتريف: “حقيقة، نحن لا نتكلم عن الشراكة الاستراتيجية التي تقيمها السعودية مع الولايات المتحدة، وما نقوم به ليس عملاً مناهضاً للولايات المتحدة، وإنما نقوم ببناء شيء إيجابي، في الواقع. وكذلك بناء شيء يساعد الاقتصاد السعودي والاقتصاد الروسي ويبني الصداقة بين بلدينا.”
وأضاف: “كانت لدينا خلافات كثيرة أيام الاتحاد السوفياتي. كانت لدينا خلافات كثيرة حول الكثير من السياسات في الشرق الأوسط. أما الآن، فبإمكاني أن أقول لك إننا حققنا فعلاً اختراقاً، وهو اختراق تحقق لأن الرئيس بوتين والملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان يعتقدون فعلياً بأنه من الممكن أن يحصل تقارب بين روسيا والمملكة العربية السعودية.”
وتابع هيرست بأن صندوق الاستثمار الروسي أقام شراكات استثمارية مع صندوقين سياديين للثروة في المملكة العربية السعودية، صندوق الاستثمار العام، الذي يترأسه محمد بن سلمان، والسلطة العامة للاستثمار في المملكة العربية السعودية. كما أن شركة أرامكو السعودية استثمرت في شركة النفط الروسية نوفوميت. وكان من المقرر الإعلان عن مشاريع استثمارية مشتركة أخرى قبل أن تتعكر الأجواء بسبب الخلاف على إنتاج النفط.
وبحلول تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، كانت المملكة العربية السعودية قد استثمرت 2.5 مليار دولار من 10 مليارات دولار تعهدت باستثمارها في قطاع الطاقة الروسي وفي البنى التحتية وفي التكنولوجيا.
اجتماع سيشيلز
وكان ديميتريف قد قُدم لكل من ابن سلمان وولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، في لقاء نظم في سيشيلز وجذب انتباه روبرت مولر، المحامي الخاص الذي كان يحقق في مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية عام 2016.
كما ورد اسم ديميتريف بوصفه الروسي الذي اجتمع مع إريك برينس “لتناول مشروب” في فندق فور سيزنس في الجزر الواقعة في المحيط الهندي. يذكر أن برينس، الذي أسس شركة المقاولات العسكرية الخاصة بلاكووتر (والتي تسمى الآن أكاديمي)، يعيش الآن في الإمارات العربية المتحدة ولديه ارتباطات وثيقة وعقود تجارية مع الحكومة الإماراتية.
في شهادة له أمام الكونغرس الأمريكي، اعترف برينس بأنه التقى مع ديميتريف ولكنه نفى أن يكون ذلك قد تم بصفة رسمية. وقال برينس إنه التقى ديميتريف بتوصية من المسؤولين الإماراتيين، ولكنه ناقش معه بالمجمل مشاريع استثمارية خاصة.
وصرح برينس في شهادته للكونغرس قائلاً: “قالوا يوجد هنا شخص روسي جاء لمقابلتنا وقد يكون من المفيد لك أن تلتقي به.”
إلا أن شهادة برينس تلك عن الاجتماع كذبها تقرير مولر.
فقد كشف مولر عن أن جورج نادر، الذي كان يعمل مدبراً للأمور لصالح محمد بن زايد وأدين بجرائم ذات علاقة بالتحرش بالأطفال وهو الآن موقوف في الولايات المتحدة ويواجه تهماً جديدة تتعلق بالاحتفاظ بمشاهد جنسية للأطفال، هو الذي رتب لهما اللقاء بعد أن سعى ديميتريف إلى التعرف على أحد أعضاء فريق ترامب في الفترة الانتقالية تمهيداً للبدء بتحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا.
ووصف التقرير ديميتريف بأنه على تواصل مباشر مع بوتين وبأنه كثيراً ما ينعته بأنه رئيسه أو مديره.
وحينما رغبت المملكة العربية السعودية في إيجاد شريك جديد لها في روسيا، كان ديميتريف يحظى بالمؤهلات للمضي قدماً بالتفاوض مع المملكة العربية السعودية ومع ابن سلمان شخصياً.
وقد تعززت هذه المؤهلات في احتفال غريب تم خلاله منح ديميتريف وسام الملك عبدالعزيز، وهو أعلى وسام يمنح للمدنيين في المملكة.
فيما بعد، لعب ديميتريف دوراً مهماً في ضمان إبرام اتفاق روسي سعودي حول النفط تم الإعلان عنه في الثاني عشر من إبريل / نيسان حينما وافقت أوبك زائد أخيراً على خفض الإنتاج العالمي بما يقرب من عشرة بالمائة. ولكن كان سعر النفط حينها قد تراجع إلى ما يقرب من نصف ما كان عليه حينما حصل الصدع في العلاقات بين الطرفين.
تم التوصل إلى الصفقة من خلال سلسلة من الاتصالات الهاتفية بين القادة في موسكو والرياض وواشنطن.
وفي العاشر من نيسان/ إبريل أعلن الكرملين عن أن بوتين تحدث مع محمد بن سلمان وأن “الاثنين اتفقا على الاستمرار في الاتصالات الروسية السعودية” في سياق خفض إنتاج النفط.
وفي الثاني عشر من نيسان/ إبريل تحدث بوتين هاتفياً مع ترامب ومع العاهل السعودي، الملك سلمان لتأكيد ما توصلت إليه أوبك+ من اتفاق. بعد ذلك هنأ ترامب عبر تغريدة في حسابه على تويتر كلاً من بوتين والملك سلمان على إبرام الصفقة.
إلا أن الصفقة لم تكن كافية لمنع أسواق النفط من الانزلاق إلى قعر غير مسبوق يوم الاثنين، حيث هبطت أسعار النفط الخام الأمريكي بشكل حاد ووصلت إلى منطقة السالب، فكان آخر سعر وصلت إليه نهاية ذلك اليوم هو ناقص 37.63 دولاراً، حيث لم تعد مرافق تخزين النفط قادرة على استيعاب المزيد من الواردات.
وعندما سئل عما إذا كان سيفكر في وقف الاستيراد الأمريكي من النفط السعودي لدعم قطاع النفط المحلي، قال ترامب “سوف ننظر في الأمر.”
وكان ديميتريف قد التقى محمد بن سلمان في الثاني والعشرين من فبراير / شباط، عندما بدأ ولي العهد السعودي يقلق إزاء تراجع أسعار النفط، وذلك بحسب ما صرحت به المصادر لموقع “ميدل إيست آي”.
وقال مسؤول سعودي في تصريح لـ”ميدل إيست آي”: “حينها أصبح الفيروس واضحاً وبدأت أسعار النفط في الانخفاض. فجاء كمبعوث من قبل بوتين وناقش تلك القضايا. لم يكن ذلك الاجتماع سيئاً، ولكن محمد بن سلمان أعرب عن خشيته من أن ميزانيتنا لن تتحمل الانخفاض في الأسعار.”
فسأل ديميتريف محمد بن سلمان إن كان بإمكانه أن يربط قاربه في عرض البحر أمام ساحل المملكة العربية السعودية. يقول المصدر: “كانت العلاقات حينها جيدة.”
تواصل موقع ميدل إيست آي مع الحكومتين السعودية والروسية ومع صندوق الاستثمار الروسي، ولكن لم يتجاوب أي منهم مع طلب التعليق على هذا التقرير قبل نشره.