۵۱۱مشاهدات
رمز الخبر: ۵۰۳۴۷
تأريخ النشر: 07 April 2021

تقدمت 36 قائمة إلى الانتخابات التشريعية، رغم التكاليف الباهظة والقيود الغليظة على الترشيح، خصوصًا تقديم الاستقالة وقبولها، وانتشار وباء كورونا، وأجواء القمع والترهيب والتهديد بالعقوبات والفصل، ووقف حتى التأمين الصحي، خصوصًا لأبناء فصيل بعينه الذين اختاروا الترشح في قوائم كثيرة، لا سيما قائمة الحريّة، ما يجعلهم أبطالًا وانتحاريين.
ورغم وجود الاحتلال واعتقالاته وتهديداته وتحذيراته التي تستهدف عدم إجراء الانتخابات، أو لضمان أن تأتي نتائجها على مقاسه (رغم أن السحر سينقلب على الساحر)، لا تزال الدعوات أو التمنيات بتأجيل الانتخابات تحلّق في الأجواء، على خلفية الخشية من نتائجها، وبذرائع تبدأ بالانتخابات في القدس التي يجب فرضها على الاحتلال لا وضع مصير إجرائها بيده، ولا تنتهي بكورونا.
قلنا وما زلنا نقول إنّ الانتخابات كان يجب أن تأتي في سياق معركة التحرر الوطني، بحيث تكون تتويجًا لاتفاق الرزمة الشاملة التي تتضمن إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، باعتبارها ضرورة وطنية وليست خيارًا من الخيارات، وعلى أساس الشعار الخالد الذي أطلقه القائد الأسير مروان البرغوثي “شركاء في الدم شركاء في القرار”. وحدة تقام على أسس وطنية وشراكة حقيقية وديمقراطية توافقية تناسب مرحلة التحرر الوطني، بحيث تكون الانتخابات أداة من أدوات معركتنا مع الاحتلال، وبما يجسد التعددية والمنافسة الإيجابية في إطار الوحدة، وضمن إطار وطني جامع تجسده منظمة التحرير التي من المفترض أن ينضوي الجميع تحت مظلتها.
وما دام صاحب القرار والقوى الرئيسية استجابة لمصالح فردية ضيقة اختارت الانتخابات تحت الاحتلال، وفي ظل الانقسام ومن دون الاتفاق على المشروع الوطني، واندفع الشعب للتسجيل للانتخابات وبنسبة مذهلة بلغت 93.3%، فلا بد من الانصياع لإرادة الشعب، وبذل أقصى الجهود لجعل الانتخابات فرصة للتغيير، وليس لتأبيد وشرعنة الوضع القائم وتكريس الانقسام.
36 قائمة رغم أن الانتخابات تجري لتجديد شرعية سلطة حكم ذاتي مقيدة بالتزامات أوسلو يراد لها أن تستمر إلى الأبد، ولا بد من جعلها بدلًا من ذلك خطوة على طريق التخلّص من قيودها الغليظة والتزاماتها الظالمة، حيث يتم حشد القوى والطاقات لدحر الاحتلال وتحقيق الحرية والسيادة والاستقلال، وذلك رغم تعذر محاولات إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير لتكون قولًا وفعلًا الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني أينما تواجد، ومن أجل أن تعود كرافعة للنهوض الوطني من الدرك الأسفل الذي وصل إليه النظام السياسي الفلسطيني.
لقد وصلنا إلى وضع تهمشت فيه القضية الفلسطينية ومنظمة التحرير التي تمثلها، وتراجعت أهميتها، وتعمّق الاحتلال، وتوسّع الاستعمار الاستيطاني، واستمرّ الانقسام وتعمّق، لدرجة الشروع في التعامل معه والاعتراف به والعمل لشرعنته وتكريسه كما تدل الصفقة الفاشلة لخوض الانتخابات بقائمة مشتركة، مغطاة بتسميتها، وجعلها “قائمة وطنية”، والتوافق على دعم الرئيس محمود عباس كرئيس توافقي في الانتخابات الرئاسية القادمة، التي من المفترض أن تتبع الانتخابات التشريعية.
36 قائمة يكفي النظر إلى أسمائها التي تحتوي كلمات مثل الحرية، والعهد، والقدس، ونبض الشعب، والبلد، والفجر الجديد، والتغيير، وإنهاء الانقسام، والوفاء والبناء، ومعًا قادرون، والعائدون، والحراك الوطني الموحد، والعدالة والبناء، وتجمع الكل، ووطن، وفلسطين تجمعنا، وكرامتي الشبابية، والفجر الجديد الشبابية، ونهضة وطن، واليسار الموحد، وحق، وحلم، والمستقبل، والحرية والكرامة، وكفاءة، وصوت الناس، والتغيير والكرامة، وطفح الكيل؛ للتأكد أن الأمور وصلت إلى حالة لا تطاق، وبحاجة الى تغيير قبل فوات الأوان، ليس على الصعيد السياسي فقط، حيث بتنا من دون مقاومة تزرع ولا مفاوضات تحصد، بل على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
لقد بات الفلسطينيون في الأراضي المحتلة العام 1967 يعيشون في تجمعات سكانية، إما في معازل مفصولة عن بعضها البعض تحت الاحتلال المباشر في الضفة ، أو في معزل كبير محاصر وتحت احتلال غير مباشر في قطاع غزة. والمطلوب فقط هو بقاء السكان على قيد الحياة واستغلالهم في ظل سلطة يراد لها أن تبقى وكيلًا أمنيًا للاحتلال، ومن دون حريات وحقوق فردية ولا وطنية عامة، وبلا حرية وكرامة لا للوطن ولا للمواطن، وبلا أمل في المستقبل ولا ثقة بإمكانية التغيير.
أما فلسطينيو 48 فيعيشون داخل الكيان العنصري الذي ينكر حقوقهم ويتعامل معهم رغم أنهم أصحاب البلاد الأصليين كمواطنين من الدرجتين الثانية والثالثة، خصوصًا بعد إقرار قانون القومية الذي جعل العنصرية دستورًا في ما بات يسمى إسرائيل.
وأما نصف الشعب الآخر فيعيش في أماكن اللجوء والشتات، حيث يعاني الفلسطينيون من عدم الاعتراف بحقوقهم وهويتهم الوطنية، ويحرمون في بعض البلدان حتى من أبسط حقوقهم الفردية والمدنية، الأمر الذي يدفعهم إلى الهجرة مرة أخرى، وبالفعل هُجّر الكثير منهم مرة ثانية وثالثة إلى بلاد المهجر البعيدة بعد تدمير العديد من المخيمات. ففلسطينيو اللجوء والشتات الذين يشكلون أكثر من نصف الشعب الفلسطيني مهملون بلا برنامج وطني يستنهضهم، وبلا قيادة حقيقية تمثلهم منذ وبعد توقيع اتفاق أوسلو الذي قزم القضية والمنظمة وقسم الأرض والشعب.
36 قائمة معظمها تضم المستقلين، أو تنتمي إلى فصائل قديمة عاجزة، لم تستطع التجديد والتغيير والتأثير، أو لم تجد أن الفصائل تمثل الشعب، فعبّرت عن الغضب العارم من القوى القائمة وعجزها عن تقديم حلول، ما يجعلها تعكس رغبة الشعب العارمة في التغيير على مختلف الأصعدة. فالخراب كبير ولم يعد ينفع معه الإصلاح، بل بتنا في حاجة إلى تغيير شامل وعميق وعلى مختلف المستويات والمجالات والأصعدة، من دون احتكار للحقيقة والوطنية والدين، وبلا تحريض وشيطنة من طرف للأطراف الأخرى.
لا أبالغ بالقول إن هناك تصويتًا انتقاميًا واسعًا سيحصل، وستصب أصوات كثيرة لصالح القائمة أو القوائم التي يشعر الناخب/ة أنها قادرة على إحداث التغيير الممكن، من دون شعارات فارغة، وبلا تبرير للواقع القائم، ولا الاكتفاء بالتبشير لمستقبل مشرق قادم من دون العمل حاليًا من أجله، ومن دون طرح برنامج ملموس قابل لتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه في هذه المرحلة، على طريق تحقيق الأهداف والحقوق الوطنية التاريخية والطبيعية والقانونية كاملة وغير منقوصة.
بات التغيير حاجة ملحة لبقاء القضية حية أولًا بما يقود إلى تجسيد حق العودة والتعويض، وإلى حرية الوطن واستقلال دولته وسيادتها بعد إنهاء الاحتلال وتفكيك الاستعمار الاستيطاني، وإلى توفير حياة حرة وكريمة للمواطن الذي من حقه أن يعيش في ظل نظام يحقق العدالة والمساواة للجميع، بغض النظر عن الدين والجنس والعقيدة، وتكافؤ الفرص والمساءلة والنزاهة بعيدًا عن الفساد والهدر والمحسوبية، وبما يحقق سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلالها، خصوصًا استقلال السلطة القضائية التي تم القضاء عليها بعد أن استكملت السلطة التنفيذية الاستحواذ على كل السلطات ووضعتها بيد شخص واحد .
إن ما جرى، على عكس المخطط له، فتح أبواب التغيير، إذ بدأ العد العكسي للنظام السياسي القائم، سواء إذا جرت الانتخابات أو لم تجر، أو إذا كانت غير حرة ولا نزيهة، وسواء احترمت نتائجها أو لم تحترم، وسواء زورت أو لم تزوّر. فلا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فهناك معالم نظام سياسي مختلف بدأت تطل برأسها ولن يكون أحد قادر على وقفها.
وإذا لم تجر الانتخابات فشرعية النظام القائم سقطت وتآكلت وتقادمت، بدليل حجم الغضب والمعارضة والمطالبة بالتغيير.
دقت ساعة التغيير الذي يقود الشعب إلى الأمام، بما يحقق مصلحة وحرية الوطن والمواطن، وبات حاجة ملحة لا تقبل المزيد من الانتظار، فهناك من يريد بقاء الوضع السيئ على حاله، ومن يريد إحداث تغيير يدفعنا إلى الوراء، إلى السلام الاقتصادي وقبول ما يعرض علينا من حلول لتصفية القضية وتحول الشعب الفلسطيني إلى أفراد ومجموعات من دون هوية ولا حقوق ولا إرادة ولا نضال، وهناك من يسعى بكل قوة لإحداث التغيير الممكن على طريق التغيير الشامل الوطني والديمقراطي، وبما يحقق حاجات الشعب الفلسطيني ومصالحه وحقوقه وأولوياته كأفراد وجماعة وفصائل وأحزاب.

بقلم :هاني المصري

رایکم