على مدى العقود الماضية خدعنا نحن و الشعوب بشعارات معظم الثورات والانقلابات ومزاعم الأنظمة الحاكمة وقدراتها العسكرية وادعاء هذا النظام من انه قادر القضاء على حلف الناتو مثلاً برمشة عين، و زعم ذاك النظام من انه يستطيع فناء إسرائيل و تحرير فلسطين في غضون دقائق او من خلال البصق عليها!، و بعض أنظمة المنطقة و من خل هدر و إنفاق أموال وعائدات الشعوب وحرمانها من مقومات الرقي والتقدم والرخاء على شراء الأسلحة و أنواع المعدات والأجهزة العسكرية وتجهيز ملايين من الأفراد والخواص و أنصار الأنظمة لا لمحاربة إسرائيل و لا القضاء على أمريكا و لا الأعداء الوهميين بل فقط و فقط لقمع الشعوب و إرعابها والحفاظ على أركان الأنظمة المستبدة، و خير دليل على ذلك مثلا ان نظام صدام حسين الذي بنى له جيشاً قوياً مجهزاً بكافة أنواع الأسلحة الفتاكة بالإضافة الى ملايين من عناصر و أعضاء الحزب الحاكم مع أسلحتهم و معداتهم، فان هذا النظام تهاوى مع دخول عشر دبابات أمريكية الى بغداد و سقط هذا النظام في غضون عدة أيام فقط و لم تتجاوز الخسائر البشرية لقوات التحالف مئة عسكري في حين ان هذا النظام كان قد هدد بقتل اكثر من مليون جندي غربي في حالة دخولهم ارض العراق!.
الله ، معمر و الناتو و بس!
مع قرب سقوط نظام القذافي اتضح للجميع ضعف و زيف و هشاشة الأنظمة العسكرية والأمنية التي كانت تدعي انها تستطيع مواجهة كافة دول العالم وان شعوب العالم تدافع عنها و تضحي من اجلها، الا ان هذه الادعاءات لم تكن سوى مجرد أوهام و تصورات قادة تلك الأنظمة الذين أوصلوا الوضع من خلال قمعهم لشعوبهم الى حد التمني و الرجاء للأسف من الدول الغربية في بعض الأحيان التدخل لإسقاط وتأديب هذه الأنظمة كما حدث بالضبط مع نظام طالبان في أفغانستان و نظام القذافي في ليبيا و هذا الأخير هو الذي هو الذي حرّض شعبه الانتفاض ضده و اللجوء الى الغرب و الناتو لقصف وتدمير قدرة النظام العسكرية خاصة و ان هذا النظام استغل قدرته الأمنية و العسكرية لقصف و قمع أبناء شعبه و الاستعانة بالمرتزقة الأجانب منذ بداية الاعتراضات و لم يوافق على اقتراح التنحي و الرحيل عن السلطة بالرغم من نهبه هو و أولاده لاكثر من 100 مليار دولار من أموال الشعب. فهل مثل هذا النظام يستحق الدفاع عنه او التأسف على سقوطه او حتى قتل وإعدام زعمائه؟.و هذا الزعيم المصاب بداء العظمة الذي وصف شعبه بالجرذان هو قد فر كالجرذ من انتفاضة الثوار و لم يطلق رصاصة واحدة على أوروبا التي هددها بالدمار الشامل في كل خطاباته الثورية الجوفاء
و عليه نقولها بكل صراحة ومن منطلق شريعتنا و أخلاقنا الإنسانية ان اي نظام مهما كان عميلاً او قومياً او ثورياً او جمهورياً او ملكياً لا يحق له قمع شعبه بتاتاً و ليس من حقه و لا حق اي فئة و جماعة و زعيم و قائد و مسئول و حاكم اي ينكل بشعبه او حتى يجرح احد المواطنين لان مثلا الأكثرية او حتى الأقلية تطالب برحيله او إسقاطه ذلك من حق الشعب و حق كل مواطن مهما كانت مواقفه و تصوراته و معتقداته الاعتراض على سياسة الحكام والوقوف ضدهم للتعبير عن فكره و تطلعاته حتى و ان كان هذا الحاكم يزعم انه (الرب الأعلى) او (الحاكم المطلق).
هذا الوضع و هذه القاعدة الإلهية و القانونية تنطبق على جميع الأنظمة دون استثناء، وعليه و من اجل مواجهة استبداد هذه الأنظمة من حق الشعوب الاستعانة بكل الطرق والوسائل المحلية او الدولية لحماية المدنيين والوقوف ضد أجهزة القمع للأنظمة و السعي لإسقاط الأنظمة المستبدة التي أثبتت زيف شعاراتها الجوفاء لمواجهة الاستكبار العالمي و إسرائيل و ان هذه الأنظمة بنت قدرتها الأمنية والعسكرية والقمعية لحفظ مصالحها الفئوية و الدفاع عن استبداد النظام الحاكم و قمع الشعب و انتهاك حقوقه و نهب أموال و عائدات البلاد بواسطة كبار المسئولين.
قطر و سلاح الجزيرة
من السخرية ان الإعلام الفاشل في بعض دول المنطقة يزعم دوماً تدخل إسرائيل في كل شاردة وواردة و يدعي هذا الإعلام الهابط ان إسرائيل وراء وقوع اتفه الأمور في العديد من دول المنطقة و ان إسرائيل مسئولة عن حوادث السير و زحمة المرور و انقطاع تيار الكهرباء و انقلاب شاحنة كانت تحمل البطاطا و الطماطم!، و ان إسرائيل متهمة لدفع الشباب ارتداء الملابس الضيقة و إطالة شعرهم!، و ان إسرائيل اتهمت حتى انها وراء قضية الإعلان عن اعتقال سيف الإسلام القذافي من قبل الثوار خلال اقتحامهم اطرابلس في حين انه لم يعتقل و ان إسرائيل وراء تحريض بعض الشعوب العربية ضد أنظمتهم الجائرة و القمعية!
و لإيضاح المزيد من ضعف و هوان و قمع واستبداد هذه الأنظمة تدعي بعض أجهزة الإعلام الهابطة الآن ان حدوث الانتفاضات في دول المنطقة مثلاً في سوريا سببه تحريض دولة قطر من خلال قناتها المعروفة (الجزيرة) للمعارضين و نقل أخبار و تقارير الاعتراضات بشكل مباشر و مكثف في حين ان مثل هذه الاعتراضات لا وجود لها و ان أفلام و تقارير (الجزيرة) مفبركة و مزورة!.
و حتى ان بعض الحكام و المسئولين طلب علانية من أمير قطر بوقف او تقليص تسليط ضوء (الجزيرة) على ما يجري في سوريا و اتهام هذه القناة بانها تعمل على إطاحة و إسقاط نظام بشار الأسد او ان للجزيرة او بالأصح لقطر علاقات وثيقة مع جماعة (الأخوان المسلمين) في سوريا،و ان الإخوان في سوريا يختلفون بالكامل عن الإخوان في مصر حسب ادعاء الإعلام الهابط.
لنكن منصفين و عادلين كما طلب منا الشرع (ليس بالطبع فاروق الشرع!)، لنفترض هذه الادعاءات صحيحة وان كل ما وجهت لقطر و (الجزيرة) من اتهامات هي صائبة، فهل ان مثل هذه الادعاءات و الاتهامات يمكنها ان تبرر فشل إعلام و سياسة تلك الدول و الأنظمة التي تعترض على ما يوصف بالإعلام الحر و حق الرأي العام الاطلاع على حقائق ما يجري في دول المنطقة والعالم، وهل من المعقول القبول بقدرة و شعبية نظام يدعي الصمود ان يتهدد بالسقوط بواسطة إعلام قناة فضائية ؟،و اذا كان لدولة قطر و إعلامها مثل هذا القدرة فلماذا لا تحكم المنطقة و العالم بسلطتها و لماذا لا تكون لتلك الأنظمة المعترضة على سياسة إعلام دولة قطر أجهزة مماثلة و منافسة و تمتلك سلاح رد و ردع فضائي لمواجهة إعلام الجزيرة وغيرها من القنوات المشابهة لها؟
الخيار بين الإصلاح و الانتفاضة
و على هذا الأساس نطرح الأمور التالية و نستنتج ما يلي:
** ان اتهام دولة قطر و قناة الجزيرة و سائر أجهزة الإعلام المحترفة كاتهام إسرائيل بأنها وراء الهزات الأرضية و الفيضانات و الكوارث الطبيعية وحوادث السير و المرور و بعض الاغتيالات السياسية و الاجتماعية في تلك البلدان،ان هذه الاتهامات تطرح فقط للتغطية على العجز السياسي والأمني والإعلامي للعديد من الأنظمة التي تسعى دوماً لنشر غسيلها على شرفة الآخرين و تبرير نهبها او سوء استغلالها للأموال العامة.
** ان من حق دولة قطر وكافة دول العالم امتلاك قناة بل قنوات إعلامية محترفة، و من حق الدول الناقدة لسياسة (الجزيرة) ان يكون لديها أجهزة أعلام قوية و فاعلة و لها مشاهديها و متابعيها، و الحق يقال هنا ان الأنظمة الناقدة للقنوات المحترفة لا تمتلك اي قدرة واقعية على امتلاك قنوات نشطة وفاعلة لان القنوات الإعلامية التي تمتلكها تقتبس وتسرق الأخبار و التقارير من الجزيرة و نظيراتها و تستنسخ الأفلام و التصريحات من (الجزيرة) و تنشرها باسمها، و كذلك يفعل ما يطلق على أنفسهم في الدول الناقدة للجزيرة بالاستراتيجيين و عمالقة السياسة و الخبراء المتخصصين الذين يستمعون ليلاً و نهاراً الى تقارير وتحليلات (الجزيرة) و نظيراتها ثم ينشرون هذه التحليلات بتغييرات بسيطة بأسمائهم و أقلامهم المأجورة للأنظمة المستبدة والمغلقة و ذات الحزب الواحد و الحكم المحتكر للسلطة الى مدى الحياة.
** ان الدول و الأنظمة الناقدة للإعلام الحر (مهما كانت توجهاته إيجابية ام سلبية) تمتلك قدرات مالية و إمكانيات مادية أضعاف مضاعفة لامثال دولة قطر و لكن من المؤسف جداً ان هذه الأنظمة تنفق معظم عائدات بلدانها على عناصر الأمن و القوات المسلحة ليس للدفاع عن البلدان و إرادة الشعوب بل لحماية قدرة و سلطة الأنظمة الحاكمة و المحتكرة للسلطة دون وجود اي انتخابات حرة و نزيهة، إضافة الى ذلك فإننا نعلم جيداً ان ميزانية أجهزة إعلام هذه الأنظمة تضاهي او هي أضعاف قنوات مثل (الجزيرة) لكن مسئولي و إعلاميّ أكثرهم اما انهم غير إعلاميين وينتمون للمراكز الأمنية و العسكرية او انهم أغبياء من الناحيتين الإعلامية و السياسية وان هدفهم الوحيد التركيز على قدرة الأعداء و تسليط الضوء على الخصوم الوهميين او تضليل أفكار الشعوب من ان إسرائيل وراء كل شئ و ان (بعبع) إسرائيل يجبرهم تضليل أفكار الشعوب ونهب قوات و خيرات و عائدات الشعوب لانفاقها و هدرها على عناصر الأمن القمعية و القوات المسلحة المدافعة عن مصالح شخص واحد و حفظ أركان النظام الحاكم.
** لقد أثبتت العقود و السنوات الماضية ان معظم الجماعات المسلحة و التي ترفع شعار الصمود و النضال لا تفكر سوى بمصالحها الفئوية و المادية و ان علاقاتها مع الأنظمة الداعمة لها هي علاقة (مصلحة) فقط اي ان كل طرف يبحث عن مصالحه الفئوية و يستغل الطرف الآخر لتحيق مآربه وهذا ما تم مشاهدته و إثباته مثلاً مع جماعة (حماس) في غزة، فمع احترامناً للمقاومة الفلسطينية الا ان الحق يجب ان يقال هنا حتى ولو كان ضد إرادتنا. فقد ظلت (حماس) تدعي ان جماعة محمود عباس أسوء من إسرائيل و لو تصالحت (حماس) مع إسرائيل فإنها لن تتصالح مع جماعة عباس الى ابد الدهر لانها عميلة لأمريكا و لإسرائيل و للصهيونية العالمية و الاستكبار الدولي!، و كل ذلك بالطبع من اجل إجبار الدول و الأطراف الداعمة لفتح جيوب شعوبها وزيادة المنح المالية، وعندما تقلصت تلك المنح في بعض الفترات هرع زعماء حماس للوقوع في أحضان جماعة عباس ليضحك هنية و عباس على ذقون الأنظمة و يسخرا علانية معا في صورة تذكارية من الأطراف الداعمة لهما و ما تم شفطه حتى الان من أموال المحرومين.
و في الآونة الأخيرة وعندما رفضت (حماس) دعم و تبرير ما يقوم به نظام الأسد من أفعال وممارسات في مدن سورية و تعرّض (حماس) لضغوط الأنظمة والأطراف الداعمة لها مادياً، سارعت (حماس) بافتعال معركة أمنية ومواجهة عسكرية مع الإسرائيليين لإجبارهم الرد بقصف مناطق في غزة لتظهر (حماس) صمودها ومقاومتها للاحتلال على حساب دماء المدنيين العزل في غزة و الإبقاء في الواقع و في النهاية على سيول المالية والمادية من الأنظمة المناحة لها والتي تقتطع من أموال شعوب محرومة و فقيرة بالأساس وترسل الى جماعات لا شغل و لا عمل لها سوى اسر او قتل جندي إسرائيلي كل عقد او عقدين من الزمن!.
** ان المطلوب في المرحة الراهنة هو بناء أجهزة إعلامية تكون نظيرة و منافسة لقنوات مثل الجزيرة والعربية والعمل في الوقت ذاته على تغيير سياسة الاعتماد على العناصر الأمنية و العسكرية و القمعية و تركيز هذا الاعتماد على كسب ثقة الشعوب وإنهاء حقبة احتكار السلطة و تغيير سياسة الإفراج عن المحكومين المجرمين والإبقاء على السياسيين المعتدلين في المعتقلات والسجون، واستبدال مواقف إرسال أموال الشعوب المحرومة و الفقيرة الى الجماعات المسلحة بمواقف إنفاق عائدات الشعوب على الشعوب ذاتها أولا و إرسال الفائض منه لاحقا، و إنهاء حالة إبقاء الجماعات المسلحة كعوالق تمتص قوت الشعوب على مدى الدهر و دون حق و الأهم من كل هذا ان نصلح أنفسنا و نسارع لاحترام إرادة الشعوب والدفاع عن حقوق المعارضة والإنسان بشكل واقعي و إلا فقسماً ان روح (محمد البوعزيزي) الغاضبة و الثائرة ستلاحق كافة الأنظمة القمعية والمحتكرة للسلطة و ستتكرر ربيع الانتفاضات قطعا مع جميع أنظمة الحاكم الواحد و تطيع بالمستبد منهم في فترة لا تتجاوز 6 اشهر لكل نظام على ابعد تقدير!.