۳۲۷مشاهدات

العراق..الكهرباء المقطوعة تفوح منها رائحة الفساد والضغوطات الخارجية والتخريب

أعلنت الأجهزة الحكومية العراقية في اليومين الماضيين، تعرض شبكة الكهرباء الوطنية العراقية لعشرات الهجمات المتفرقة، التي أدت خلال يوم واحد الى مقتل سبعة أشخاص وجرح أكثر من 15 مواطنًا آخر، فيما خرج أكثر من 60 خطًا رئيسيًا عن الخدمة تمامًا.
رمز الخبر: ۵۳۹۹۶
تأريخ النشر: 07 July 2021

وكالة تبناك الإخبارية_ كانت مطالبات العراقيين التي انطلقت قبل أيام في عدد من المحافظات العراقية الجنوبية احتجاجًا على تردي واقع الطاقة الكهربائية وانقطاعها المستمر، السبب الرئيس الذي أدى بوزير الكهرباء إلى تقديم استقالته لرئيس الحكومة، معللًا الأمر بصعوبة الحل وسط تفاقم الأزمة بتصاعد الاستهداف لأبراج الطاقة الكهربائية وارتفاع درجات الحرارة واستهداف جماعات مجهولة لمحطات الكهرباء.

استقالة الوزير قبيل 3 أشهر من انتخابات مبكرة من المقرر أن يشهدها العراق وتصاعد الاحتجاجات، تفتح ملفًّا شائكًا عانى منه العراقيون عقودًا في ظل حكومات عدة دون نتيجة، وهو ما يستوجب البحث عن حل اللغز الذي دام 18 عامًا واستهلك مليارات الدولارات من أموال العراقيين.

وإثر انقطاع المنظومة الكهربائية التام في العاصمة بغداد وبقية محافظات العراق عدا إقليم كردستان أصدر رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، قرارات عدة بفصل عدد من المديرين واستبدال آخرين في وزارة الكهرباء بعد أن امتلأت الشوارع بمئات المحتجين الناقمين على سوء إدارة ملف الكهرباء وتراجع ساعات تجهيزها اللافت مع بداية حر الصيف.

ويأتي تصاعد الأحداث بعد أن لفّ الظلام الدامس ليل بغداد ومعظم المحافظات الأخرى إثر انقطاع تام لمنظومة الطاقة الكهربائية عنها، لتتصاعد وتيرة الاحتجاجات ردا على ما حدث.

كما يأتي تفاقم الأوضاع في البلاد، بعد أيام على استقالة وزير الكهرباء ماجد حنتوش لغياب الحلول لديه وسط تصاعد الأصوات العراقية الناقمة والضغوط السياسية، ولكن استقالة الوزير لم تفلح في تهدئة الشارع المحتج فبعد الاستقالة تفاقمت الأزمة بزيادة ساعات القطع إلى جانب غياب أي ملامح لخطط علاجية سريعة تطرحها الحكومة لتسكين الشارع.

ويرجع مصدر سياسي أسباب استمرار الأزمة إلى سوء التخطيط والإدارة من قبل الحكومات السابقة، واعتماد الحلول الترقيعية التي لا ترقى لأعقد مشكلة تواجه العراقيين والعمل على حلها.

ويبدي المصدر استغرابه من لجوء الحكومات إلى استيراد الطاقة الكهربائية من بلدان أخرى بدل البحث عن حلول لإنتاجها كما فعلت الحكومة الحالية بذهابها إلى توقيع تفاهمات واتفاقيات مع السعودية لتوريد 500 ميغاوات ومع مصر لاستيراد 700 ميغاوات عابرة للحدود فضلا عن استيراد الغاز من إيران. ويضيف "في الواقع هذه حلول غير عملية وترقيعية وتتيح ورقة قوة لدول الجوار في هيمنتها حتى على القرار السياسي في البلاد".

ووفق تقارير إعلامية فإن الكاظمي اتفق مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني خلال القمة الثلاثية الأخيرة التي عقدت في بغداد على مدّ شبكة ربط كهربائي بتكلفة 2.2 مليار دولار لتوريد الكهرباء إلى العراق مرورا بالأردن، وتجهز مصر من خلالها العراق بـ700 ميغاوات في أواخر عام 2023.

اشتداد الأزمة الكهربائية في البلاد وتراجع ساعات التجهيز تراجعًا لافتًا أخيرًا، تعزوه وزارة الكهرباء إلى عوامل عدة اجتمعت لتجعل أزمة هذا العام هي الأشد. المتحدث باسم وزارة الكهرباء أحمد موسى لخص 5 أسباب اجتمعت لتفاقم الأزمة هي:

- الاستهداف المتزايد لمنظومات وأبراج الطاقة الكهربائية
- انحسار إطلاقات الغاز المورد لتشغيل المحطات
- عدم التزام المحافظات العراقية بالحصص المقرّة لها من كمية الطاقة المزودة
- الاستمرار بظهور المناطق الزراعية والعشوائية غير النظامية التي تضيف أحمالا جديدة على المنظومة الكهربائية
- ارتفاع درجات الحرارة والعوارض الفنية التي ترافقه

ودعت الاستهدافات المتكررة لأبراج الطاقة الكهربائية أخيراً الحكومة إلى التحرك سريعًا، اذ عقد الكاظمي اجتماعًا للمجلس الوزاري للأمن الوطني للعمل على وضع خطط حماية لأبراج الكهرباء البالغ عددها 46 ألف برج في عموم البلاد، استهدِف منها 35 برجا خلال العام الحالي، تلا الاجتماع زيارة لمستشار الأمن الوطني لمحافظة ديالى لتفعيل تلك الخطط والشروع فيها.

ولكن مع ذلك، تم استهداف عدد من الأبراج في نينوى وصلاح الدين مجددًا، كما تبنّى تنظيم داعش الإرهابي قصف محطة سامراء الكهربائية - التي افتتحها الكاظمي حديثًا - بصواريخ الكاتيوشا، ما تسبّب بانقطاع تام للمنظومة العراقية في عموم المحافظات، ورغم تبنّي تنظيم الدولة العديد من الاستهدافات، فإن جهات نيابية وسياسية تحمل شخصيات وجهات متنفذة المسؤولية لتحقيق مكاسب مالية عبر استبدال وصيانة تلك الأبراج، التي تكلف عملية إصلاح المتضرر منها 30 مليون دينار عراقي (20 ألف دولار)، حسب الحكومة، وكذلك وقود المولدات الأهلية التي تمثل بديلًا في بعض الأوقات عن إمدادات الطاقة الوطنية، في كل محافظات البلاد.

وتتضارب التصريحات بشأن حجم الأموال التي أنفقتها الحكومات العراقية على منظومة الطاقة الكهربائية بعد عام 2003 لكن تصريحات أعضاء في لجنتي الطاقة والنزاهة النيابيتين تشير إلى حصر قيمة تلك المبالغ بين 60-80 مليار دولار أميركي.

ويرجع كثير من البرلمانيين والسياسيين ضياع تلك الأموال إلى شبهات الفساد التي رافقت عملية صرفها، كما يوضح عضو لجنة النزاهة النيابية رحيم الدراجي. ويقول إن أكثر من 65 مليار دولار صُرفت على الطاقة الكهربائية خلال السنوات السابقة، مضيفا أن تلك الأموال هدرت نتيجة فساد جميع العقود التي وقعت في الملف الكهربائي وبأسعار تبلغ 5 أضعاف السعر الحقيقي لها ليسيطر من خلالها الفاسدون والمتنفذون على أموال العراقيين، حسب قوله.

وأشار الدراجي إلى أن أزمة الكهرباء لا تظهر الفساد وحسب بل تظهر حجم "أكبر خيانة"، واجهها العراق حسب قوله، متسائلًا "كيف لم يحاسَب حتى اليوم المسؤولون عن استيراد محطات تعمل بالغاز والعراق لا ينتجه؟".

وكان الرئيس التنفيذي لشركة سيمنس الألمانية، جو كيزر، صرح في مقابلة خاصة أجرتها معه القناة الألمانية "دويتشه فيله" (DW) عام 2018، أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كان له دور في محاولة عرقلة اتفاق الشركة مع الحكومة العراقية والدفع باتجاه منح الصفقة بالكامل لشركة جنرال إلكتريك الأميركية، حيث بلغ التنافس أشده بين الشركتين في عهد رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي للحصول على عقود قيمتها 14 مليار دولار، وفي ذلك الوقت كانت شركة سيمنز تمني النفس بالحصول عليها لتأهيل الشبكة الكهربائية في العراق.

ولكن بعد ضغوط عدة استمرت جنرال إلكتريك في الحصول على عقود الكهرباء داخل البلاد، ورفض المتحدث باسم وزارة الكهرباء أحمد موسى الإشارة إلى حجم قيمة العقود التي حصلت عليها إلكتريك، معللا ذلك بصعوبة حصر تلك القيمة، ولكنه أفصح أن 55% من المنظومة الكهربائية هي منوطة بالشركة الأميركية.

وقال القاضي وائل عبد اللطيف النائب السابق في البرلمان العراقي، في لقاء متلفز، إن الولايات المتحدة وجنرال الكتريك أجبرتا رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي على التراجع عن إكمال عقد كهربائي مهم كان من المؤمل توقيعه مع سيمنز رغم أن العبادي هو صاحب الفكرة وهو من ذهب إلى الشركة الألمانية لكنه تراجع في اللحظات الأخيرة عن التوقيع بضغط أميركي لحماية وجود جنرال إلكتريك في العراق وعقودها المستمرة.

في حين يرجح اقتصاديون ومحللون سياسيون أن الولايات المتحدة تسيطر على قطاع الطاقة في العراق ومن ضمنه الكهرباء عبر عقود جنرال إلكتريك، وتضغط على الحكومات عند التفكير باتجاه شركات أخرى ممكن أن تجد حلولا ناجعة للأزمة الكهربائية المتجذرة.

ويشير المتحدث باسم الكهرباء أحمد موسى إلى أن انحسار كمية الغاز الإيراني المورد من 70 مليون متر مكعب حسب الاتفاقيات إلى 30 مليون متر مكعب لا يكفي لسد حاجة المحطات الكهربائية والتسبب بقلة ساعات التجهيز، وفي المقابل انتهى مصير مشاريع عدة أعلنتها الحكومات العراقية لاستغلال الغاز المصاحب للنفط إلى طريق مسدود لأسباب مجهولة.

وبينت عضوة لجنة الطاقة في البرلمان زهرة البجاري أن "العراق يحرق سنويا أكثر من 15 مليار متر مكعب من الغاز المصاحب لإنتاج النفط، من دون الاستفادة منه"، لافتة إلى أن "هناك فقرات تلزم الشركات النفطية بالاستفادة من هذا الغاز بدلا من احتراقه وتلويث البيئة".

وأضافت أن "العراق يستورد الغاز من إيران بكميات كبيرة وبأسعار باهظة جدا من أجل توليد الطاقة الكهربائية، ومن ثم فهذا يمثّل خللا كبيرا على اعتبار أن العراق من الدول الأولى المنتجة للنفط".

ويقول تقرير لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إن العراق يبدد حاليا ما يقرب من 2.5 مليار دولار سنويا نتيجة حرقه الغاز المصاحب لعمليات استخراج النفط، الذي يبلغ 1.55 مليار قدم مكعب يوميا، أي ما يعادل 10 أضعاف الكمية المستوردة من إيران.

وفي صيف عام 2018 قبيل الانتخابات البرلمانية انطلقت شرارة احتجاجات عارمة في البصرة تنديدا بسوء الخدمات وانقطاع الكهرباء إذ كانت -وفق سياسيين- واحدة من أبرز العوامل التي أطاحت بحظوظ العبادي للحصول على ولاية ثانية رغم تمكنه من الانتصار على تنظيم داعش الإرهابي.

وقد أسهمت تلك الاحتجاجات بتراجع مؤشرات التصويت، فبعد أن كانت الاستطلاعات تشير إلى حصول تحالف النصر بزعامة العبادي على المركز الأول، جاء في المركز الثالث. ومجددا يتكرر المشهد قبل انتخابات هذا العام وبالصورة نفسها رغم أن الكاظمي أعلن عدم ترشحه للانتخابات منفردا أو عبر حزب يمثله.

ولكن النائب السابق رحيم الدراجي يرجح أن تكون ورقة التصعيد هذه المرة مختلفة عن تصعيد الانتخابات السابقة، فهي تأتي مدعومة من جهات سياسية لغرض إثارة الفوضى وتأجيل الانتخابات لضمان الحصول على مزيد من الأصوات التي فقدتها تلك الجهات عقب الاحتجاجات المناهضة لها وخسرت فيها كثيرا من جماهيرها.

وعلى الرغم من تكرار مشهد الاحتجاجات في كل صيف للمطالبة بحل أزمة الكهرباء، لا يرى المراقبون أي رغبة جدّية لدى الحكومات والسياسيين بالانتهاء من مشكلة الكهرباء التي رافقت العراقيين منذ الحصار الذي فرض على البلد بعد غزو الكويت عام 1990. ووفقا لمراقبين فإن أزمة الكهرباء أزمة سيادية تعطل كل مرافق الحياة كما يبين عضو تحالف من أجل النزاهة، سعيد ياسين، الذي يقول إن الفساد السياسي هو ما يمنع حلحلة ملف الكهرباء الذي يستنزف نصف الموازنة العامة للبلاد.

ويوضح ياسين أن تعطل الكهرباء يعطل كل مرافق الحياة، فغيابها كان السبب الرئيس في تعطل الاقتصاد وبقاء المصانع معطلة وارتفاع البطالة لكن لا نية جدّية لدى أحد في إصلاحها وتحريك عجلة الحياة في البلاد للنهوض مجددًا.

وتقدر وزارة الكهرباء حاجة البلاد الفعلية من الكهرباء بين 27-30 ألف ميغاواتا، في حين تبلغ الطاقة الإنتاجية في العراق 18-19 ألف ميغاوات بعد كل تلك السنوات والعقود والمليارات التي صرفت. بالمقابل تتجه الحكومة لحلول ولدت ميتة.

رایکم