۴۷۴مشاهدات
الصحف؛

لبنان في مواجهة الإرهاب الأمريكي..فشل محاصرة حزب الله

رمز الخبر: ۵۵۳۵۵
تأريخ النشر: 10 August 2021

د. علي إبراهيم مطر

أصبح الحصار الاقتصادي أكثر استخداماً لدى القوى الكبرى المؤثرة في السياسة الدولية وخريطة توزّع القوى. فمنذ الحرب العالمية الأولى، استخدمت تلك القوى العقوبات الاقتصادية بشكل أكبر لتحقيق أهدافها السياسية، إلا أن هذه التدابير لا تزال بعيدةً عن الإلزام طالما أنها من خارج الشرعية الدولية.
منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومن ثم الحرب الباردة بين القطبين، دأبت الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة على فرض عقوبات على العديد من الدول، لكن لطالما كانت الأمم المتحدة هي الوجهة المعتمدة في تطبيق العقوبات الاقتصادية بموجب المادة 41 من ميثاقها، لذلك أقرت قرارات عدة على دول مختلفة اعتبرتها مخالفة للشرعية الدولية في تصرفاتها. /المادتين 39 و 41
أثناء العام 1966 فرض الأمن الدولي أولى عقوباته على روديسيا الجنوبية، بعد أن أصدرت بموجب القرارين 216 و217 في العام 1965 والقرار 277 في العام 197،ومن ثمّ العقوبات التي فرضتها على جنوب أفريقيا بموجب القرار 418 الصادر في العام 1977، وأعيد فرضه بالقرار 558 الصادر في العام 1984.
لكن الأمر تطوّر بعد الحرب الباردة إلى سياسة تطبيق العقوبات الشاملة، بخاصة بعد احتلال العراق للكويت. وقد طبّقت العقوبات وعلى مدى عدة سنوات، طبّقت العقوبات الاقتصادية على العديد من الدول منها العراق وهاييتي ويوغوسلافيا والصومال وليبيا وليبيريا وأنغولا ورواندا والسودان والجمهورية الإسلامية الإيرانية.
أولاً: إرهاب اقتصادي
تحوّلت العقوبات الاقتصادية إلى سيف بيد الإرهاب الأميركي مسلط على رؤوس الدول، حيث باتت الأسلوب المعتمد في سياسة الهيمنة الأميركية. وتحولت هذه السياسة إلى بديل عن الحروب العسكرية، في كثير من الأحيان، لمحاولة تغيير القرارات الإستراتيجية للدول والجهات الفاعلة التي تهدّد مصالحها، ولفرض تغييرات جيوسياسية تصب في استراتيجية الهيمنة، لكن هذه العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية، تأتي جميعها خارج إطار الشرعية الدولية بشكل يخالف القانون الدولي.
وقد تعرضت دول عربية عدة للعقوبات الغربية فضلاً عن سياسات الهيمنة. فقد تعرّض العراق، في تسعينيات القرن العشرين، لحصار مطبق إلى درجة أن الأمم المتحدة تبنت برنامج النفط مقابل الغذاء لأنه لم يكن بمقدور العراق شراء احتياجاته الغذائية. وعانت سوريا طويلا إجراءات أميركية وأوروبية بسبب عداوتها للكيان الصهيوني من جهة، ودعمها لفصائل المقاومة من جهة أخرى.
تشكّل هذه العقوبات إرهاباً دولياً، على الرغم من أنه قلما يتم الحديث عالمياً عن إرهاب الدولة، الذي يُعدّ أخطر أنواع الإرهاب، ولم يتم استخدام مصطلح الإرهاب الاقتصادي بشكل واسع إلا أن ما يحصل هو جزء لا يتجزأ من الأعمال الإرهابية.
عندما يتعلّق الحديث بالإرهاب يكون من باب الإشارة إلى أعمال العنف والقتل والتسبب بالجروح البليغة لأسباب سياسية أو دينية أو عرقية أو من أجل إخضاع حكومة ما لسياسات محددة، لكن قلّما ورد الحديث عن إرهاب الدولة بما هو الفعل الذي يُرتكب لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية ولكن ليس بوسائل عسكرية وعنفية إنما من خلال الحصار الاقتصادي والعقوبات التي تُفرض على الكثير من دول العالم لسياسات محددة.
قد يناقش البعض في مدى إمكانية وصف هذه الحرب الاقتصادية بالإرهاب، لكننا إذا ما تحدثنا عن نتائجها فإننا سنصل إلى حتمية كونها جزءاً من إرهاب الدولة، لأن الهدف منها لا يقلّ عن هدف الأعمال العنفية لإخضاع الدولة، وبالتالي فإن الحصار الاقتصادي لا يؤثر على الدولة ـ الحكومة وحدها، بل إنه يطال الشعب بمجمله، وقد يصل إلى حدّ المجاعة  والفقر المدقع، وهناك نماذج كثيرة عنها، من كوبا إلى فنزويلاً واليمن والعراق وسوريا وإيران وغيرها.
وكذلك ما حصل مع سوريا، حيث قامت الولايات المتحدة الأميركية بإحراق حقول القمح والسيطرة على الآبار النفطية السورية وفرض حصار مدقع عليها من خلال ما يعرف حالياً بقانون قيصر، وكما حصل ايضاً مع ايران وما زال قائماً، حيث لا زالت ترزح تحت حصار اقتصادي منذ أكثر من 40 سنة لا زالت وتيرته ترتفع لاسيّما في السنوات الأخيرة، ولولا أن الدولة الإيرانية تمتلك من القدرات والإنتاج المحلّي،  لكان شعبها يعيش المجاعة. كما تتمثل هذه الحرب أيضاً بالعقوبات الاقتصادية على فنزويلا التي بدأت تفتقد للوقود فيما هي تملك أهم احتياطات نفطية في العالم، وهي السياسة نفسها التي تتعرض لها دول أخرى.  ومن المفارقة البليغة، أن حلفاء واشنطن أنفسهم لا يسلمون من هذه العقوبات في حال تصادم المصالح، وتعد سياستها هذه من أخطر أنواع السياسات التي تندرج في إطار السياسات الدولية.
ثانياً: الإرهاب الأميركي في لبنان
 يعاني لبنان أزمة خانقة اليوم بسبب سياسة الحصار الأميركي، عندما وضعته على لائحة العقوبات المباشرة، حيث يعرّض الأمن الاقتصادي اللبناني للخطر، وهو الشكل الأبرز والفاضح من التدخل في شؤون الدولة. وإن هذا الإرهاب الذي تمارسه ضد لبنان، هو نتاج ضغوطات مستمرة من قبل صقور الإدارة الأميركية، لما يمثله من خطر وجودي على أمن الكيان الإسرائيلي، وكقوة رئيسية في المنطقة العربية غير خاضعة لسياسة الإملاءات الأميركية.
تحاول الإدارة الأميركية بشتى الوسائل محاصرة حزب الله. بدأت سابقاً واشتدت حتى بلغت أقصاها مع ما سمي بالحراك في 17 أكتوبر/ تشرين الأول. لأن مشكلة الولايات المتحدة الأميركية الحقيقية مع لبنان هي سلاح المقاومة وتهديد أمن "إسرائيل"، ولا شأن لها بفساد حلفائها، وإلا فإن لبنان يعتبر منصة تاريخية لمصالح الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما ورد على لسان أكثر من مسؤول أميركي.
تفعّل الإدارة الأميركية حالة الطوارئ الوطنية فيما يتعلق بلبنان وهو ما يُدخله في إطار الأمن القومي وهذا من السائل الخطيرة من جهة، والتدّخل السافر في شؤون دولة ذات سيادة من جهة أخرى، كذلك يسعى نواب أميركيون الى ابتكار نوع جديد من العقوبات على المقاومة وبيئتها بشكل دائم.
ويعتبر الأميركيون أنه لم يعد بالإمكان التمييز بين الحكومة اللبنانية وحزب الله، فيسعون إلى العمل مع حلفائهم في لبنان على حظر حزب الله كحزب سياسي من خلال نزع الشرعية الدولية، أو اعتبار الأطراف المتحالفة معه معادية للسياسة الأميركية فيوجب وضعها أيضا على لوائح العقوبات، ومن ثم العمل مع منظمات المجتمع المدني التي دعمتها واشنطن بمليارات الدولارات بحسب تصريح دايفيد هيل. وتحاول واشنطن العمل على كسب الانتخابات الجديدة، هذا فضلاً عن أنها تسعى إلى الوصول إلى فتنة بين الجيش اللبناني والمقاومة ومحاولة إعطاء دور أكبر لليونيفل وتغيير مهامها.
ثالثاً: المواجهة الفاشلة
فشلت الولايات المتحدة الأميركية حتى الآن ، في إخضاع حزب الله، لذلك تحاول إخضاع لبنان كله، وبعدما فشلت مجمل خياراتها ولم يعد أمامها إلا تغيير موازين القوى في المجلس النيابي من خلال الانتخابات القادمة.
يقابل إصرار واشنطن على حصار حزب الله ومعاقبة لبنان وشعبه، صمود شعبي وسياسي وفتح مسارات اقتصادية يبتكرها حزب الله في مواجهته ضدها، لذلك تلجا إلى تأليب حلفاء الحزب لفك ارتباطهم به وتحريض الشعب اللبناني بمن فيه بيئته عليه، تارةً من خلال منع تشكيل الحكومة وفرض العقوبات وأخرى عبر منع التوجه شرقاً، وثالثة عبر محاولات التدويل وغيرها، إلا أن أخطرها هو إظهار الولايات المتحدة الأميركية نفسها المنقذ للبنان، وكي وعي الشعب اللبناني، بأن المقاومة هي الإنهيار وأن التطبيع هو الإنقاذ، ومن مظاهر ذلك تشويه صورة المقاومة، في مقابل إعطاء جرعات المخدر، من خلال دعم مؤسسات معينة أو عبر إعطاء القروض من خلال البنك وصندوق النقد الدوليين.
تمتلك واشنطن وسائل القوة والقدرة التي بنتها بفعل الهيمنة والسيطرة والتمدد والتدخل في شؤون الدول، ما مكّن صناع السياسة الأمريكية من استخدام أدوات إرغامية لتثبيت هيمنتها وردع أي محاولات تمرد غير أن مواجهة هذه السياسات ناجحة وفعالة وتحصد نتائجها الجيدة تباعاً وبشكل استراتيجي.
ولا تزال المؤشرات، خاصة تلك المرتبطة بدول المنطقة كلبنان، تؤكد على أنّها تشكّل تحدّياً متعاظماً لخيارات الولايات المتحدة العسكرية وغير العسكرية في منطقة حيوية واستراتيجية، لذلك عملت على هذا الحصار وانشاء نخب وجماعات داخل المنظومة السياسية لفرض مشروعها في الداخل اللبناني ويقصي الأطراف السياسية الفاعلة الرافضة للهيمنة الاميركية ومشاريعها التدميرية على رأسها حزب الله، إلا أنها فشلت في تحقيق النتائج المطلوبة.
الأمر الآخر الذي لا تزال واشنطن تستخدمه هو السيطرة على المنظومة الاقتصادية والمالية، حيث تتدخل لتوجيه الشركات والمؤسسات المالية والبنكية في لبنان (مصرف لبنان المركزي) ومن خلال مجموعة من الخبراء لتكون طرفا مباشرًا في المواجهة مع البيئة الداخلية (المقاومة) المستهدفة علنًا، فتُحكم الحصار على الدولة والحكومة وتعطّل أي مبادرات وطنية لحل الازمات العالقة سياسية كانت او اقتصادية.كما تقحم الإدارة الأميركية المؤسسات المالية الدولية على رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لفرض شروط تعجيزية وتنفيذ مشروعاتها.
لكن الاخطر من ذلك، أن الفشل الأمريكي، يدفع رجال واشنطن إلى التحريض والشيطنة ضد من تعتبرهم متمردين على سياساتها وبكل الوسائل إعلامية كانت أو سياسية أو أمنية، ومن ثم تحاول نشر الفوضى واستغلال هشاشة البيئة الداخلية لتمرير عناوين طائفية ومذهبية هدفها استنزاف بيئة المقاومة وارباكها، وصولاً إن استطاعت إلى الذهاب الى خيار الحرب الاهلية لإسقاط الدولة ولاستنزاف قوى المقاومة ماديّا وبشريّا.

هكذا يتمثل الإرهاب الأميركي في حصار دولة سياسياً واقتصادياً، وفرض عقوبات على تياراتها وأحزابها وشخصياتها، من أجل الانفكاك عن حزب الله أو محاربته، ولو أدى ذلك إلى حرب داخلية لا تبقي ولا تذر، فلا مصلحة تعلو مصالح الأميركي ومصالح الكيان الإسرائيلي، ولا مانع باستعمال مختلف الساليب للوصول إلى أهدافه، واللجوء إلى التحريض لا يقل عن الحرب والإرهاب أبداً بل إنه أخطر بكثير لأنه يسعى للفتنة بين أبناء الوطن الواحد.

رایکم