۱۸۳۸مشاهدات
رمز الخبر: ۵۸۹۸۶
تأريخ النشر: 23 October 2021

تختلف كثيراً الإدارة الأمريكية الحالية عن سابقتها في إجراءاتها وسياساتها الخارجية ويأتي هذا الاختلاف، عقب فوز الديمقراطيين برئاسة "بايدن"، على نظيره الجمهوري "ترامب"، وتعتبر الأربع سنوات التي حكم خلالها ترامب الولايات المتحدة الأمريكية استثنائية، إذ كان التطرف في العلاقات الخارجية هو المهيمن، وأبرز مثال على هذا التطرف في العلاقات مع الخارج هو الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، والذي أحدث خضةً في العالم، وأدى إلى إحداث شرخ في الثقة بين دول العالم وأميركا، خصوصاً بعد انسحاب ترامب من اتفاق باريس للتغير المناخي وفرض عقوبات على بعض الشركات الأوروبية والتي كان للشركات الألمانية النصيب الأكبر منها.

هذه التصرفات أدت إلى عزلة أميركا عن العالم الخارجي وتراجع أسهم علاقاتها مع الدول الصديقة، وهو ما حفّز بايدن وإدارته إلى إعادة رسم العلاقات الخارج مع وصولهم إلى سدة الحكم في أميركا، وقد اختار بايدن لترأس وزارة الخارجية الأمريكية، صديقه القديم "أنتوني بلينكن"، إلا أن هذا الاختيار لم يكن عبثياً، فبايدن يعرف جيداً الميزات التي يمتلكها "بلينكن" من خلال الخبرات التي راكمها طوال سنين عملها في الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ شبابه حتى انتهاء ولاية الرئيس الأسبق "باراك أوباما"، وأبدت الإدارة الأمريكية الجديدة وضوحاً كبيراً في وضع الخطوات التي تريد تحقيقها خلال السنوات الأربع القادمة وهي ما تكلم عنها بلينكن في جلسة المسائلة في الكونغرس الأمريكي قبيل تنصيبه وزيراً للخارجية وهي على الشكل التالي:

• إيقاف كوفيد 19 وتعزيز الأمن الصحي.

• الالتفاف حول الأزمة الاقتصادية وبناء اقتصاد عالمي أكثر استقرار وشمولية.

• تجديد الديمقراطية لأنها مهددة.

• انشاء نظام هجرة فعال وإنساني.

• تنشيط العلاقات مع حلفاءنا وشركائنا.

• التصدي لأزمة المناخ، قيادة ثورة الطاقة الخضراء.

• تأمين الريادة في مجال التكنولوجيا.

• إدارة أكبر اختبار جيوسياسي للقرن 21: علاقتنا مع الصين.

 

_شخصية بلينكن وخصائصه:

من خلال رصد مكثف للمقابلات التلفزيونية والتصريحات التي يجريها "بلينكن"، يظهر أنه شخص عقلاني يجيب على الأسئلة التي تطرح عليه بشكل منهجي وعلمي ويستند دائماً على الأدلة والشواهد. يشجع بلينكن دائماً على العمل الجماعي وهو ما يشير إلى أهميته ضمن المؤسسة الواحدة. بحسب العديد من الزملاء الذين رافقوا "بلينكن" خلال مسيرته العملية، يشيرون إلى أنه يمتلك ميزة في حل المشكلات بطريقة إبداعية وسرعته في إيجاد الحلول بعد الفهم السريع للمشكلة.

بعكس رئيسه "بايدن"، فإن بلينكن صبور ومترو في التحدث مع الصحافة متفادياً بذلك الغضب الإعلامي وردود فعل الجماهير، إذ يقوم أيضاً بشرح المواضيع بشفافية ويجيب على الأسئلة بصراحة مطلقة، وعندما لا يريد الإجابة على سؤال ما يكتفي برفض ما طرح عليه. يتميز بلينكن بأسلوبه المرن في الانتقال بين المواضيع أثناء حديثه، إذ إنه قادر على ربط موضوعين مختلفين ببعضهما البعض والانتقال إلى الآخر بمرونة، لكن أسلوبه في إلقاء خطاباته سردي ولا يظهر أي انفعال أو إظهار لعواطف أثناء الكلام بل يبقي على درجة واحدة من النبرة عند التحدث وهو ما يدل على هدوئه ودراسة مسبقة لما سيقوله، وأنه ليس عشوائياً في اختيار كلماته، ويشير ذلك بحسب علم النفس على أن شخصيته غير قيادية بل مجرد متلق للأوامر، وذلك يعود لعدم بروز الصوت أثناء الكلام، ليس بالضرورة أن يلجأ إلى الصراخ لكن الحفاظ على درجة واحدة والثبات الدائم في جلوسه يدل على ذلك أيضاً، وبالتالي فإن شخصيته غير كاريزماتية.

حتى اليوم لا يزال "بلينكن" يتابع هواياته الخاصة، فمع توليه منصب وزارة الخارجية، حافظ على هوايته في الغناء والعزف على الغيتار، ولديه ألبوم أغاني موجود على موقع "سبوتيفاي"، كذلك الأمر بالنسبة لكرة القدم التي أحبها منذ طفولته، إذ أنه ما زال يمارسها وينقل بأنه يمارسها كل سبت مع أصدقاءه في الإدارة وخارجها. ومعروف عن بلينكن الذي قضى أغلب مراهقته في باريس، أنه "الباريسي" في الإدارة الأمريكية، ويعود ذلك لأناقته وشخصيته المحترمة والطيبة والتواضع الذي يظهرهما من خلال أسلوبه في الكلام وتعامله مع زملاءه.

طوال سيرته المهنية عُرف عن "بلينكن" أنه الشخصية دائمة التزلف، وهو ما يؤكده مقربون منه، ويظهر ذلك أيضاً من خلال الإتيان الدائم لذكر أسمائهم والاستعانة بكلامهم.

_موقعه:

بناءً على ما ذكر سابقاً فإن وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن"، شخص غير قيادي داخل الإدارة بل مجرد متلق للأوامر وظهر ذلك من خلال العديد من اللقاءات والخطابات والتي كان واضحاً فيها بأنه ليس من صناع القرار بل منفذ لها، ويذكر أن "بلينكن" متعلق كثيراً بأفكار جو بايدن و"أوباما"، ويتبنى طريقة أوباما في التحدث للإعلام.

وفي تعليق لمسؤول أوروبي سابق يقول فيه: "بلينكن ليس رجلاً يتصدر الصفحات الأولى، إنه ليس هنري كيسنجر بطريقة جيدة أو سيئة".

 

 

_الثغرات في شخصيته

بلينكن ليس من الشخصيات الغامضة التي يصعب فهمها واستكشافها بل هو واضح من خلال تصرفاته وكلامه، وتظهر من خلال هذه التصرفات الثغرات/الخصائص التي يمتلكها وهي:

• التأثير اليهودي في قيمه ومبادئه الأخلاقية وخياراته الاستراتيجية واعتباره لنفسه أحد حراس إسرائيل في الإدارة.

• التأثير الفرنسي (الفرنكفوني) وما يعني ذلك من إمكانية تأثره بالفكر الكولونيالي والذي يمكن أن يتعطى باللامبالاة مع فكرة الاستعمار المباشر والغير المباشر.

• عدم خبرته السابقة في قيادة فرق عمل كبيرة كفريق العمل الضخم والمتشعب في وزارة الخارجية كونه يأتي من مجال بحثي فقد يغلب على مقاربته السياسية نوعاً من التنظير.

• ضعفه وامتثاله الكبير أمام رؤساءه وهذا قد يعني الشيء الكثير لعضو فريق أساسي في مجلس الأمن القومي خاصةً في حال تعارضه مع الرئيس.

• التغير الكبير الذي طرأ على حياته بعد عام 2017 حيث زاد اهتمامه بجمع ثروة وهذا ما يؤثر على تركيزه السياسي.

• غير ضليع بالأمور العسكرية مما يؤثر على قراراته أو رأيه في مجلس الأمن القومي في حال تم تداول أو اتخاذ قرار ذا طابع عسكري.

• ولعه بالفنون الذي يبدو أنه ما زال متعلقاً بها واضطراره لتركها من أجل دخول عالم السياسة.

• يمكن اعتباره الشخصية القيادية الأضعف في مؤسسات صنع القرار الأمريكي الذي يضم: جو بايدن- كامالا هاريس- جيك سوليفان- آفريل هاينز- لويد أوستن- نيكولاس بيرنز).

 

 

_علاقاته خارج الوزارة:

ينقل عن كثيرين من المحيطين ببلينكن، أنه شخص محبوب جداً ولديه علاقات كثيرة وصداقات متّنها خلال المناصب التي تسلمها ومنذ أيام دراسته الجامعية. ومن أصدقاءه المقربين:

• لوزاتو غاردنر: التحقا سوياً بجامعة هارفرد وكلية الحقوق في جامعة كولومبيا وعملا معاً في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس بيل كلينتون، وتقاطعا معاً خلال إدارة أوباما، ذلك عندما عمل بلينكن كمستشار لبايدن ثم نائباً لوزير الخارجية وكان "غاردنر" سفيراً للاتحاد الأوروبي في نفس الوقت.

• جيمس شتاينبرغ: عضو في الحزب الديمقراطي الأمريكي، كان هو وبلينكن سوياً في جامعة هارفرد، ويعمل في المجال الدبلوماسي وأستاذ جامعي.

• توماس. أي دونيلون: عمل توماس وبلينكن سوياً في إدارتي كلينتون وأوباما، إذ شغل- دونيلون- منصب مستشار الأمن القومي في إدارة أوباما، وعمل أيضاً في إدارتي كلينتون وكارتر بما في ذلك منصب رئيس أركان وزارة الخارجية الأمريكية، والآن يرأس مجلس إدارة معهد بلاك روك للاستثمار.

• دينيس ريتشارد ماكدونو: شغل منصب رئيس موظفي البيت الأبيض ونائب مستشار الأمن القومي خلال إدارة أوباما، حالياً يشغل منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية إبان رئاسة أوباما ويعمل حالياً كمحلل رفيع للأمن القومي والاستخبارات في "NBC news" و "MSNBC".

 

_علاقاته داخل الوزارة:

غير واضحةً مدى العلاقة التي تجمع بلينكن بزملائه في وزارة الخارجية، إلا أنه اشتهر هو ومستشار الأمن القومي الحالي "جاك سوليفان" بالزمالة والتقارب القوي في الآراء من ناحية دعم التحالفات الأمريكية وردود الفعل لاستخدام الدبلوماسية بدلاً عن الحلول العسكرية، وقد دعا سوياً العودة إلى الاتفاق النووي، علماً بأن سوليفان كان لاعباً رئيسياً في المفاوضات مع إيران، والتي أدت إلى الاتفاق النووي عام 2015.

 

_زوجته:

إيفان مورين رايان:  ‏هي سياسية أمريكية من الحزب الديمقراطي، أكملت دراسة السياسة الخارجية في جامعة جونز هوبكينز. اختارها الرئيس الأمريكي جو بايدن لمنصب أمينة إدارة البيت الأبيض وسبق لها شغل منصب نائبة وزير التعليم والشؤون الثقافية من سنة 2013 إلى سنة 2017 في إدارة باراك أوباما .

 

_رؤى بلينكن الاستراتيجية ومواقفه الأساسية:

بطبيعة الحال فإن التصريحات التي تصدر عن أي مسؤول في الإدارة الأمريكية، تعبر عن التوجه السياسي للإدارة بشكل عام، وفي هذه الحالة فإن هذه التوجهات التي يقودها بايدن، يعتقد بها بلينكن أيضاً وهو ما يؤكد عليه دائماً أثناء كلامه حينما يشدد على صوابية خيارات رئيسه بايدن ومدى إعجابه به، إضافةً إلى ذلك فإن المعتقدات السياسية الخاصة لدى بلينكن ليست بسرية، إذ إنه وقبل تنصيبه وزيراً للخارجية في الإدارة الحالية، كانت له العديد من المواقف المتعلقة بسياسات الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية وهي على الشكل التالي:

• إسرائيل: يقول بلينكن: "يعتقد الرئيس "بايدن" وأنا أوافقه الرأي، أن أفضل طريقة وربما الطريقة الوحيدة لضمان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، ومنح الفلسطينيين الدولة التي يحق لهم الحصول عليها، هي من خلال ما يعرف ب "حل الدولتين". أعتقد أنه من الصعب رؤية أي آفاق على المدى القريب تبشر بتحقيق تقدم على هذا الصعيد.

التزم بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وموقعاً للسفارة الأمريكية.

• لبنان: يعتبر بلينكن أن حزب الله يشكل تهديداً للبنان من خلال أعماله الإرهابية التي يقوم بها في الخارج إذ يعتبر أنها تهدد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط ودعا العالم إلى اتخاذ خطوات ثمن شأنها تقييد حركة حزب الله.

• سوريا: يؤكد بلينكن على الالتزام بحل سياسي لحل الصراع القائم في سوريا، وأنه يدعم الأمم المتحدة في قراراتها المتعلقة بالشأن السوري، ويرى استحالة في عملية تطبيع مع النظام السوري، ويجب عدم التخلي عن موارد النفط شمال شرق سوريا للنظام مجاناً، والاهتمام بملف النازحين واللاجئين السوريين.

أما بالنسبة للجولان، يعتبر بلينكن أن إسرائيل تسيطر على الجولان عملياً، بصرف النظر عن الموقف القانوني، وأن ذلك يحتاج إلى أن يظل الوضع كما هو إلا إذا لم تعد سوريا تمثل تهديداً لإسرائيل.

يذكر بأن بلينكن إبان رئاسة ترامب للولايات المتحدة الأمريكية، دعم الضربات التي وجهها سلاح الجو الأمريكي على النظام السوري عام 2017، ذلك بعد اتهام النظام باستخدام غاز السارين.

• العراق: يؤمن بلينكن في استراتيجية التمكين في العراق وليس التنفيذ، بمعنى الدعم لا التطبيق، وأنه يجب التحكم بالحشد الشعبي وعدم ترك الساحة العراقية لإيران وأتباعها، ودعم الجيش العراقي في محاربة داعش.

في الآونة الأخير صرحّ الرئيس الأميركي "جو بايدن"، بأن أواخر عام 2021 سيشهد العراق سحباً للقوات الأمريكية من الأراضي العراقية، وانطلق حوار بين الجانبين العراقي والأمريكي على عدة جولات، مثّل فيها بلينكن الولايات المتحدة، وشدّد بلينكن خلال جولات الحوار على مستقبل العلاقات الأمريكية- العراقية، ومواصلة التعاون والتنسيق الأمني مع أميركا، مشدداً أيضاً على ضرورة التنسيق الدولي لمواجهة داعش.

• اليمن: يرى بلينكن أنه يجب على الولايات المتحدة الأمريكية وقف الدعم عن الحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، إذ قال: "لقد أعلن الرئيس المنتخب بوضوح أننا سنوقف دعمنا للحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، وسنعمل في هذا الصدد دون أي تأخير، فور استلام الرئيس المنتخب للسلطة.

أما بالنسبة للحوثيين فقد أبدى بلينكن في عدة جلسات قلقه منهم معبراً عن ذلك بالقول: "يجب أن نكون يقظين بشأن الحوثيين، فقد أطاحوا بالحكومة وهم يقومون بأعمال عدائية في جميع أنحاء البلاد، لذا فإن ما يثير قلقي بشدة بشأن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، هو أنه ظاهرياً على الأقل لم يحقق نتيجة عملية في تعزيز الجهود ضدهم وإعادتهم إلى طاولة المفاوضات. أعتقد أننا سنقترح مراجعة ذلك على الفور للتأكد كم أن ما نقوم به لا يعيق تقديم المساعدات الإنسانية، حتى في ظل هذه الظروف الصعبة.

• إيران: يرى بلينكن أن التعامل مع إيران يجب أن يكون دبلوماسياً كما كان الحال إبان إدارة الرئيس "باراك أوباما"، ويرى "أنتوني" أن أولويات الولايات المتحدة الأمريكية هي العودة إلى الاتفاق النووي، قائلاً: "أعتقد أن مهما كانت حدود "خطة العمل المشتركة" فقد كانت تحقق نجاحاً وفق الشروط الخاصة في عرقلة مسارات إيران في صنع السلاح النووي، ان انسحابنا من الاتفاق هو التحدي الذي نواجهه حالياً.

• روسيا: يقول بلينكن أنه يسعى إلى علاقة مستقرة يمكن التنبؤ بها مع روسيا، ويضيف أنه إذا تصرفت روسيا بقوة ضد الولايات المتحدة الأمريكية أو حلفاءها فسترد أميركا بقوة.

• الصين: ينتقد بلينكن في أغلب مقابلاته التي يجريها، سياسة الصين التوسعية في العالم، والقمع التي تقوم به على شعبها ومع هونغ كونغ، وفي سؤال مع صحيفة أجنبية حول مواجهة عسكرية مع بكين، يجيب بلينكن: "الوصول إلى تلك النقطة أو حتى التوجه إليها يتعارض بشدة مع مصالح الصين والولايات المتحدة الامريكية".

• أفغانستان: في 31 آب تم سحب آخر جندي أمريكي من الأراضي الأفغانية، وذلك بعد 20 سنة من الحرب الأمريكية عليها، وقد أعقب هذا الانسحاب، بيان لوزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" يقول فيه: "نحن ملتزمون بالنظر في كل ما فعلناه منذ اليوم الأول وحتى الوقت الحاضر واستخلاص الدروس منه. أعتقد أنه يجب أن يكون هناك أيضاً، بما في ذلك عبر وزارة الخارجية الأمريكية، نظرة إلى الوراء على مدار العشرين عاماً بأكملها لفهم المسار الكامل لهذه الحرب والمشاركة مع أفغانستان وطرح الأسئلة الصحيحة وتعلم الدروس الصحيحة من ذلك. لذلك سيكون لدينا المزيد حول العملية التي سنشارك فيها، لكننا ملتزمون بالقيام بذلك.

وفي رسالة أرسلها "بلينكن" إلى رئيس أفغانستان "أشرف غني"، في الأول من آذار المنصرم يقول فيها: "تقدم أفغانستان أحد أصعب قرارات السياسة الخارجية للإدارة الجديدة. لقد سئم الرأي العام الأمريكي من حرب عمرها 20 عاماً، لكن الانسحاب الآن يمكن أن ينظر إليه على أنه يمنح طالبان الكثير من النفوذ ويلقي بظلاله على التضحيات التي قدمتها القوات الأمريكية وقوات التحالف والمدنيون الأفغان".

وكتب بلينكن في الرسالة: "حتى مع استمرار المساعدات المالية من الولايات المتحدة لقواتكم بعد الانسحاب العسكري الأمريكي، أشعر بالقلق من أن الوضع الأمني سوف يتدهور وقد تتمكن طالبان من تحقيق مكاسب سريعة على الأرض.

 

 

_على صعيد المؤسسة

جميع الإدارات الأمريكية المتعاقبة، امتازت بأشخاص مميزين على صعيد الخبرة وقدراتهم في أداء المهام الموكلة إليهم، إلا أنه يبقى رأس الهرم في أي مكتب أو وكالة أو وزارة، هو المرجع الأول لمن هو مسؤول عنهم، ودائماً ما تكون خبرته أوسع وأداءه أفضل، لكن الإدارة الأمريكية الحالية مختلفة عن سابقاتها، فهنالك تفاوت في الخبرات بين وزير الخارجية ومسؤولين أقل شأناً منه من حيث الموقعية، منافسين له ومتفوقين عليه وتصل إلى حد السيطرة عليه أيضاً.

في هذا الشأن يقول أحد المسؤولين الأوروبيين السابقين: "بلينكن ليس رجل الصفحات الأولى، إنه ليس هنري كيسنجر بطريقة جيدة أو سيئة". أغلب الذين تعاقبوا على منصب وزارة الخارجية كان لهم وقع خاص في السياسات العالمية وتركوا بصماتهم في الكثير من المنعطفات السياسية العالمية، بينما بلينكن إلى حد الآن لم يلعب هذا الدور، أو لم يسطع نجمه على أقل تقدير.

 

_أشخاص متفوقين عليه:

• وندي شيرمان: تمتلك "شيرمان" خبرةً أكبر وأهم من "بلينكن"، ذلك يعود إلى المناصب التي شغلتها في مسيرتها المهنية وهي:

▪︎ مستشارة وزير الخارجية.

▪︎ وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية خلال رئاسة "أوباما".

▪︎ حالياً تشغل وندي منصب نائب وزير الخارجية "بلينكن".

جميع هذه المناصب التي شغلتها تشير إلى تقدمها على بلينكن ضمن الوزارة، خاصةً من خلال المشاركات التي خاضتها سابقاً، إذ كان لها مشاركة في المفاوضات النووية مع كوريا، والمفاوضات النووية مع إيران.

 

• جون كيري: "كيري" المعروف عالمياً بحنكته السياسية والأدوار الدبلوماسية التي لعبها سابقاً والأدوار في صناعة القرار، ومن أهم المناصب التي تولاها:

▪︎ وزير الخارجية في عهد أوباما.

▪︎ رئيس لجنة العلاقات في مجلس الشيوخ.

▪︎ رئيس لجنة الأعمال التجارية الصغيرة في مجلس الشيوخ.

حالياً يشغل كيري منصب المبعوث الرئاسي لشؤون المناخ والذي أعطي له من خلاله تفويضاً للتعامل المباشر مع الدول الأوروبية والصين تحديداً. أهمية وخبرات كيري في الإدارة الأمريكية تجعله متفوقاً على وزير الخارجية الحالي بلينكن في الإدارة الأمريكية.

يقول الاستشاري في الشؤون الاقتصادية والسياسية "كيفين بوك": أن كيري سيكون وزيراً للعالم أما بلينكن فمجرد وزير للخارجية".

 

_أشخاص مسيطرين عليه:

جاك سوليفان: يعمل حالياً "سوليفان" كمستشار للأمن القومي والذي يعتبر كموقع أعلى من موقع وزير الخارجية الأمريكي والذي يشارك في المفاوضات الأمريكية- الإيرانية، وقد عمل سابقاً كمدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية، يمكن أن يلعب دور المسيطر على بلينكن بالرغم من أن الأخير يكبره في العمر.

 

 

_أشخاص منافسين له:

يقول مستشار ونائب رئيس المجلس التنفيذي في المجلس الأطلسي "ديمون ويلسون": "بلينكن استراتيجي، لكنه لائق للغاية، إنه رجل لطيف ومع ذلك في بعض الأحيان يمكن أن يؤدي كونك الرجل اللطيف أيضاً إلى مشاكل، حيث يمكن للمسؤولين الأكثر عدوانية من تجاوزك".

• راندال بول: يعتبر من أكثر خصوم بلينكن، وهو عضو مجلس الشيوخ وتشير انتقاداته وتعليقاته إلى مدى خصومته لبلينكن، وفي جلسة الاستماع إلى الوزير بلينكن قبل تنصيبه وزيراً، يقول له "بول": "آمل أن تفكر أنه مهم ليس فقط للنقطة الفلسفية، ولكنه مهم لأطفالنا، أعني بذلك أنه نحن نرسل هؤلاء الأطفال للقتال في الحروب (يقصد سوريا والعراق وليبيا) التي تستمر إلى الأبد، آمل أن تكون شخصاً شجاعاً بما يكفي للوقوف وإيقاف بعض هذا".

• جون باراسو: عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، وقد انتقد سياسة بلينكن وبايدن في جلسة الاستماع قبيل تعيين بلينكن وزيراً للخارجية، إذ يقول في كلامه عن تاريخ قرارات السياسة الخارجية الفاشلة: "إن دور وزير الخارجية مهم للغاية في حماية أمننا القومي وكذلك تعزيز المصالح والقيم الأمريكية في جميع أنحاء العالم. مع وضع هذا في الاعتبار، فإن ترشيحك يثير لي مخاوف، من الأهمية بمكان ما ألا تعود أمتنا إلى استراتيجية القيادة من الخلف.

ويكمل قائلاً: "أشار "روبرت غيتس"، وزير الدفاع في عهد الرئيس أوباما، إلى أن جو بايدن كان مخطئاً في جميع قضايا السياسة الخارجية والأمن القومي الرئيسية تقريباً على مدى العقود الأربعة الماضية، لقد طرحت هذا لأنك كنت جزءاً لا يتجزأ من تقديم المشورة لكل من بايدن وأوباما بشأن قرارات السياسة الخارجية هذه".

 

• عضو الكونغرس تيد كروز: عضو في الكونغرس الأمريكي ومن أشد المعارضين لسياسة بايد وبلينكن وفي الجلسة الأخيرة التي عقدها الكونغرس للاستماع لبلينكن إزاء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان يقول:

"لقد ترأس الرئيس بايدن وإدارته أسوأ كارثة للسياسة الخارجية خلال جيل كامل. الأمريكيون في جميع أنحاء البلاد مرعوبون. جنودنا ونساءنا وجيشنا في الخدمة الفعلية غاضبون، وهم محبطون. يتشجع الأعداء في جميع أنحاء العالم، مما يجعل العالم أكثر خطورة اليوم على أمريكا، ويشعر حلفاؤنا بالإحباط. منذ أن بدأت الكارثة تتكشف في أفغانستان، رأينا إدارة بايدن تقدم الأعذار السياسية. لقد رأينا الديمقراطيين في هذا تشرح اللجنة بإسهاب كيف أن كل ما حدث في أفغانستان هو خطأ ترامب.  السيد الوزير، جو بايدن هو رئيس الولايات المتحدة، وكمالا هاريس نائب رئيس الولايات المتحدة، أنت وزير خارجية الولايات المتحدة. تمامًا مثلما يمتلك جيمي كارتر كارثة أزمة الرهائن في إيران، أنت تمتلك هذا، تسببت إدارة بايدن في هذه الكارثة". 

 

_النزاعات والانتقادات من سوليفان حول الانسحاب من أفغانستان

وفقاً لتقرير في صحيفة "وول ستريت جورنال"، أعرب مستشار الأمن القومي جاك سوليفان عن قلقه وشكك في سرعة الانسحاب، وخاصةً التخلي المفاجئ في أوائل تموز عن قاعدة باغرام الجوية، التي كانت المركز العصبي للحرب الأمريكية في أفغانستان لمدة عقدين، لكن بايدن وافق على الخطة. وتعليقاً على النقاش الذي دار بين سوليفان وبايدن حول عملية الانسحاب من أفغانستان، قال أحد زملاء سوليفان السابقين في البيت الأبيض: "ليس لدي أي شك، بناءً على ملاحظتي في أن جاك سوليفان كان واضحاً بشأن نصيحته، من الصعب جداً على أي شخص اختراق المحادثات بين مستشارالأمن القومي والرئيس، لكن في نهاية الطاف، تسود آراء الرئيس".

وقد أشار "سوليفان" قبيل عملية الانسحاب من أفغانستان إلى المشاكل الاستخباراتية والتي أدت إلى حدوث خلل في عملية الانسحاب.

 

_على صعيد السياسات:

حتى الآن لم يظهر بلينكن على أنه الشخص الذي يلعب دوراً حاسماً في صناعة سياسات الولايات المتحدة الخارجية، إذ اقتصرت تحركاته على تغيير نمط العلاقة مع الدول الحليفة خاصةً الأوروبية منها، عبر قيامه بجولات ولقاءات مع مسؤولين أوروبيين لإعادة تمتين العلاقات مع تلك الدول، لكن فيما يتعلق بالسياسات الأمريكية في المنطقة لم يحصل أي تقدم ملحوظ. ففي لبنان لم يضف بلينكن شيئاً جديداً مقارنةً بأسلافه، خاصةً بالنسبة لحزب الله باعتباره إرهابياً بالنسبة لأميركا، إلا أن المتغير هو المسار التصاعدي لقوة حزب الله في مختلف الساحات وبالتالي فإن ما يجري على أرض الواقع مخالف لتوقعات أو ما يريد بلينكن تحقيقه، ففي خطوة غير مسبوقة أعلن حزب الله عن بدء توافد السفن الإيرانية المحملة بالمساعدات، وهي خطوة تعتبر بالدرجة الأولى كسراً للحصار والقرار الأمريكي العازم على تضييق الخناق على اللبنانيين والدفع نحو تأليب الرأي العام اللبناني على الحزب، إلا أن هذه الخطوة أربكت الإدارة الأمريكية ودفعتها إلى إيقاف العمل جزئياً بقانون قيصر بالسماح لعبور الغاز والكهرباء عبر الأراضي السورية، وهو ما يعتبر خللاً لدى الإدارة الأمريكية والذي يعد بلينكن المسؤول المباشر عن سياساتها الخارجية. واليوم تصب جهود الولايات المتحدة الأمريكية في تقديم المساعدات المالية واللوجستية للجيش اللبناني ظناً منها، أن هذه الخطوة قد تدفع نحو صدام بين الجيش اللبناني وحزب الله، لكن هذه المحاولات حتى اليوم لم تأتي ثمارها.

بالنسبة لسوريا، فإن جهود الولايات المتحدة الأمريكية اليوم تصب في خانة الحفاظ والسيطرة على النفط السوري، وهو ما أكد عليه بلينكن، لكن في نفس الوقت يرى استحالة في التطبيع مع النظام السوري، وهو ما يعتبر خلافاً للواقع، نسبةً لصمود النظام أمام الحرب التي خاضها في مواجهة المنظمات الإرهابية، وشرعيته التي جددها له الشعب السوري عبر الانتخابات الأخيرة، التي فاز بها الرئيس بشار الأسد بأغلبية أصوات المقترعين.

في العراق، لا يزال مسار التمكين قائماً من خلال الدعم الأمريكي لرئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، والمؤسسات العسكرية والأمنية، لكن ما لم يستطع بلينكن تحقيقه هو السيطرة على الحشد الشعبي في العراق وفصائل المقاومة.

فيما يتعلق باليمن، فإن ما صدر عن بلينكن قبيل تنصيبه وزيراً للخارجية لم يتحقق، إذ وعد بأن الإدارة الجديدة التي يرأسها بايدن ستوقف الدعم عن الحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، لكن جميع المؤشرات تدل على أن الدعم العسكري ما يزال قائماً، بل هنالك معلومات تشير إلى أن الجيش الأمريكي يدير المعركة القائمة حالياً في مأرب.

إن رؤية بلينكن لإيران تتوافق بشكل تام مع رؤية أوباما وبايدن، فالثلاثي الديمقراطي يريد العودة إلى المفاوضات مع إيران وهو ما بدأه أوباما أثناء رئاسته، إلا أن الرئيس السابق ترامب قد انسحب من الاتفاق لتبقى الأمور عالقة إلى أن وصل بايدن إلى الرئاسة، ومع وصوله باشرت الإدارة الأمريكية على الفور سعيها للعودة إلى الاتفاق النووي السابق، إلا أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية أوضحت بأن العودة مشروطة بإزالة كافة العقوبات التي فرضها ترامب على الجمهورية الإيرانية، وإعطاء ضمانات لعدم الانسحاب مرةً أخرى من الاتفاق. لا تزال الجلسات المنعقدة في فيينا قائمة، والتي تهدف إلى الوصول لصيغة ترضيي الطرفين لإعادة إحياء الاتفاق السابق، لكن هذه الجهود وحتى اليوم لم تقرّب المسافات ولم تفضي لأي تقدم يذكر، وبالتالي فإن العودة إلى الاتفاق النووي التي يسعى لها بلينكن وإدارته لم تحصل حتى الآن.

 

_الفساد

حينما كان جو بايدن نائب الرئيس الأسبق باراك أوباما، كانت ثروته تقل عن 150 ألف دولار، ولكن بعد ذلك حقق أرباحاً طائلة، مستفيداً من صفقة كتب بملايين الدولارات وأرباحاً تضاهي 540 ألف دولار سنوياً من مركز جامعة بنسلفانيا المسمى باسمه، ومع ذلك روج لنفسه على أنه من الطبقة الوسطى، لكن العديد من الأشخاص الذين يعملون مع بايدن متورطين في عالم مبهم من الاستشارات الاستراتيجية، وبالتالي شبكة من أكبر الشركات في العالم، إذ كانوا يتشاورون مع الشركات ذات المصالح الخارجية، ومن هؤلاء المستشارين، "بلينكن".

 

_موقف الإعلام من بلينكن:

لا يعتبر الإعلام الغربي والأمريكي بشكل خاص، أن بلينكن الشخصية الأولى في الإدارة الأمريكية، ربما من الصفوف الأولى لكن بكل تأكيد ليس الأول من بعد الرئيس إلا أنه لديه نصيب وافر من المتابعة الاعلامية والصحافية بشكل خاص، فعلى سبيل المثال تأتي في مقدمة هذه الصحف "بوليتيكو" التي تتابع تحركات بلينكن منذ عمله السابق إبان رئاسة أوباما، بالتالي فإن الاعلام الأمريكي مقسوم بين ديمقراطي وجمهوري وبطبيعة الحال فإن فإن وسائل الاعلام الجمهورية تهاجم بلينكن وسياساته وآراءه. لكن وكما ذكرنا مسبقاً أن صحيفة "بوليتيكو" هي الأكثر متابعة لتحركات وزير الخارجية الأمريكي بلينكن، فإنها الأكثر شراسة في التصويب على مكاكن الأخطاء التي يقوم بها، إذ أنها لا توفر فرصة إلا وتتكلم خلالها عن ثغراته في في إدارته لوزارة الخارجية وآخرها ما جرى إثر الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ونشرت الصحيفة سابقاً مقالاً حول الثروة التي جمعها بلينكن بسبب الفساد وهو ما أشرنا إليه في الفقرة تحت عنوان "الفساد". وتعتبر الصحفية "نحال توسي" مراسلة "بوليتيكو" للشؤون الخارجية والأمن القومي هي أكثر من يتابع تحركات بلينكن والأمثر كتابةً للمقالات حوله.

 

_أداؤه السلبي في الكونغرس:

بعد إعلان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب من أفغانستان، باشرت وزارة الخارجية تطبيق خططتها التي وضعتها مسبقاً لإدارة عملية الانسحاب بأقل الأضرار وبشكل مرن، إلا أن ما جرى من أحداث في مطار كابول وترك عملاء أميركا من الأفغانيين بهذه الطريقة، أثبتت مدى فشل وزارة الخارجية الأمريكية ورئيسها في التخطيط لهذه العملية، وبالتالي أجرى الكونغرس جلسة استماع دعى خلاله العديد من الوزراء المعنيين بشكل مباشر عن عملية الانسحاب، إذ شهد الجلسة غياب جميع من تمت دعوته ومنهم وزير الدفاع "لويد أوستن"، ليحضر "بلينكن" الجلسة وحيداً.

افتتحت الجلسة وجرت مسائلة بلينكن خلالها حول عملية الانسحاب وأسباب فشلها وتمت مهاجمته بقوة من قبل الأعضاء، ولم يستطع خلالها الرد على ما طرح عليه، وكان يكتفي بالتهرب من الأسئلة وتقديم إجابات غير كافية، وقد ظهر خلالها مدى الضعف في شخصيته والإرباك الذي حلّ به.

 

_خاتمة

بلينكن ليس الشخصية المؤهلة لإدارة وزارة تعتبر رأس الحربة الأمريكية في التعامل مع مجريات الأحداث السياسية الخارجية، إذ إنه حتى اليوم لم يستطع تقديم نفسه على أنه الشخص المناسب في المكان المناسب، فبصرف النظر عن شخصيته، حتى اليوم لم يستطع تقديم أي جديد في الملفات التي تعهد على نفسه إيجاد حلول لها، فالخروج من أفغانستان أثبت مدى فشله في إدارة عمليته واليوم تعتزم الإدارة الأمريكية الخروج تدريجياً من الشرق الأوسط بعدما بدأت ترتسم ملامح خروج القوات الأمريكية من العراق نهاية العام الحالي، فما الذي يستطيع بلينكن فعله في هذه الحالة خصوصاً أن التواجد الأمريكي في المنطقة ممتد من العراق إلى سوريا حتى اليمن، وكيف ستكون ردود الفعل الاسرائيلية إزاء هذا الإجراء، وإذا كان ترامب قد أفسد إلى حد ما العلاقة مع الدول الأوروبية وحلف شمال الأطلسي بالتحديد، فإن الثنائي قد أطاحا بهذه العلاقة كلياً بعد الحلف الذي أقاماه مع بريطانيا وأستراليا وما يتعلق بصفقة الغواصات مع فرنسا، إضافةً إلى العقوبات التي ما زالت قائمة على الشركات الألمانية، أما بالنسبة للمواجهة مع الصين فإن بلينكن حتى اليوم لم يضع خارطة طريق لكيفية مواجهتها. بناءً على ما تقدم فإن بلينكن اليوم في مأزق كبير والمهام الموكلة إليه أكبر من أن يستطيع تداركها على الأقل، بل بات جميع هذه الملفات لا يمكن ضبطها على الأقل كسابقيه "بومبيو" و"كيري".

في صورة له في الكتاب المدرسي لعام 1980 لمدرسته "جينين مانويل"، اختار بلينكن عنواناً لصورته وهو "مجرد حجر آخر في الحائط"، وهي كلمة واردة ضمن أغنية لفرقة شهيرة تسمى "بينك فلويد". كان اختياره لهذه الجملة صائباً، فها هو بلينكن مجرد حجر آخر في حائط الإدارة الأمريكية وجوده أو عدمه لا يؤثر بأي شكل عليها.

جرت مؤخراً جلسة استماع لفحص انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، والتي يقوم بها عدد من أعضاء الكونغرس بمسائلة وزير الخارجية بلينكن حول الانسحاب ومستقبله، يتعرض الوزير بلينكن لنقد حاد لتعاطي الإدارة مع مسألة الانسحاب، وهو ما عبّر عنه السناتور "جيم ريش" في كلام موجه لبلينكن حيث يقول: تركت إدارة بايدن أفغانستان في حالة فوضى تامة، وخلقت بمفردها أزمة إنسانية مع آلاف اللاجئين والأفغان النازحين في حاجة إلى مساعدة طارئة".

رایکم