القسم الدولي لموقع "تابناك": تحل اليوم الإثنين الذكرى السنوية الأولى لعملية «طوفان الأقصى» التي نفذها مقاتلون من كتائب «القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس»، محدثين صدمة لدى المنظومة الأمنية للاحتلال الذي انتقم بارتكاب إبادة جماعية في غزة، استشهد على إثرها 41,870 شهيداً وسط حصار تسبب بمجاعة واسعة، وأوامر تهجير أسفرت عن نزوح مليونين من سكان القطاع.
عبور السابع من أكتوبر المجيد، حطم الأوهام التي رسمها العدو الإسرائيلي لنفسه
واعتبر عضو المكتب السياسي ورئيس مكتب العلاقات العربية والإسلامية لحركة «حماس»، خليل الحية، أن عبور السابع من أكتوبر المجيد، حطم الأوهام التي رسمها العدو الإسرائيلي لنفسه، واستطاع أن يقنع بها العالم والمنطقة، عن تفوقه وقدراته المزعومة. وأضاف الحية في تصريح صحافي بمناسبة مرور عام على معركة طوفان الأقصى، أن «النخبة المجاهدة استطاعت خلال ساعات معدودة، تركيع الكيان الإسرائيلي وتحييد أهم فرق جيشه، ويتركهم بين قتيل وأسير وجريح، وما زال أبناء القسام وفصائل المقاومة، يُسطّرون أروع المعارك وهم يدافعون ويذودون عن أهلهم وذويهم». وأوضح أن «لا أمن ولا استقرار في المنطقة ما لم يأخذ شعبنا الفلسطيني حقوقه كاملة، والاحتلال مركز الشر والخراب وعدم استقرارها». وقال إن إسرائيل لا تزال تعرقل مساعي التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بعد عام من الحرب في غزة وذلك رغم مرونة الحركة. وحث دول العالم على وقف «سياسة ازدواجية المعايير» تجاه غزة ولبنان.
بعد مرور عام على طوفان الأقصى؛ الصهيونية تحت أقدام المقاومة
نريد أن نستعرض إنجازات المقاومة بعد عام واحد من معركة الأقصى. الإنجاز الأول هو أن عملية طوفان الأقصى كانت ناجحة بلا شك. وفي إنهاء الصراع بين أهالي ومقاومة المنطقة مع العدو الصهيوني، والعودة إلى وجهتها الحقيقية؛ خاصة بعد أن قامت دول العالم المستعمرة وعلى رأسها أمريكا ومعها بعض الدول العربية بحرف هذا الصراع عن مساره الصحيح والطبيعي خلال السنوات الماضية وحاولت إخفاء حقيقة أن إسرائيل باعتبارها العدو الرئيسي للعرب والمسلمين أرض العرب. لقد تم ذبح وتهجير فلسطين وشعبها بأكثر الطرق وحشية، ودعهم ينسون، لقد كانت محاولة أميركية للتغطية على الطبيعة الهمجية والاحتلالية لإسرائيل. إلا أن وقوع عملية طوفان الأقصى، في وضع لم يبق فيه شيء لإبرام اتفاق تسوية بين السعودية والصهاينة، كان سببا في عودة الصراع بين العرب والمسلمين إلى مساره الصحيح والأصلي.
الإنجاز الثاني كان الكشف عن الطبيعة الوحشية للنظام الصهيوني في العالم أجمع؛ خاصة بعد أن حاول هذا النظام الغاصب المعتدي إخفاء طبيعته الوحشية خلف شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان السخيفة بدعم ونفقات أمريكا والغرب خلال العقود الماضية. ولأول مرة، اضطرت المؤسسات القضائية الدولية، بما فيها محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، إلى إصدار أحكام ضد الصهاينة تحت ضغط قوي من الرأي العام العالمي، بل وصدرت مذكرات اعتقال بحق المسؤولين عن هذا الأمر. ومن بينهم بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء المجرم للكيان الصهيوني. لذلك أدركت كل شعوب العالم رسميًا أن النظام الصهيوني هو منظمة إجرامية. ولا يتوانى عن ارتكاب أي جريمة ضد الإنسانية ويخالف كافة القوانين والمواثيق الدولية وهو أعوج. وحتى السلطات الصهيونية شككت في طبيعة الأمم المتحدة، وشنت هجمات قاسية ضد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بسبب طلبه وقف حرب الإبادة الجماعية ضد المدنيين الفلسطينيين.
الإنجاز الثالث يتعلق بكبح عملية تطبيع العلاقات العربية مع النظام الصهيوني. وكما قلنا، فإن عملية طوفان الأقصى جاءت في وضع كانت فيه الدول العربية تتجه نحو التوصل إلى اتفاقات تسوية مع المحتلين بوتيرة ثابتة وسريعة. وحينها كانت السعودية التي تعتبر نفسها زعيمة الدول العربية وأهم رموز الإسلام الدينية الموجودة في هذا البلد، على وشك توقيع اتفاقية تطبيع مع الصهاينة؛ لكنه اضطر إلى الامتناع عن هذا الإجراء بسبب ضغوط الرأي العام بعد معركة الأقصى، وهو يعتبر نفسه زعيم الدول العربية وله مكانة دينية عالية في الإسلام، ولكن السبب في الغالب هو انضمام الرياض. وكان من الممكن أن يكون قطار التسوية مع الصهاينة ذريعة لدول عربية أخرى لمواصلة هذا المسار؛ الدول الخائنة والرجعية التي تنتظر فرصة التسوية مع العدو الصهيوني على أمل المساعدات المالية الأمريكية. الإنجاز الرابع لعاصفة الأقصى هو المتعلقة بنجاحها في توحيد ساحات المقاومة في المنطقة بشكل لم نشهده من قبل. في كل الحروب السابقة بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني، حاربت الجماعات الفلسطينية العدو بمفردها؛ لكن طوفان الأقصى شكل مشهدا مختلفا ونزل محور المقاومة بأكمله إلى ساحة المعركة مع الغزاة الصهاينة لنصرة القضية الأساسية للأمة الإسلامية.
أعادت معركة "طوفان الأقصى"، للقضية الفلسطينية مركزيتها
وبقدر ما أعادت معركة "طوفان الأقصى"، للقضية الفلسطينية مركزيتها وجعلتها في صدارة القضايا إقليمياً ودولياً، فقد أحيت أيضاً روح المقاومة ووحّدت الفصائل الفلسطينية وعززت تلاحم محور المقاومة لمواصلة إفشال مشاريع العدو الصهيوني وتقديم المزيد من التضحيات لفضح المؤامرات الهادفة لتصفية هذه القضية. وأفضت معركة "طوفان الأقصى"، الاستراتيجية إلى مسارين رئيسيين، تمثل الأول في وقوف محور المقاومة مع الشعب والقضية الفلسطينية وإسناده ودعمه للمقاومة في مواجهة الكيان الغاصب، فيما تمثل المسار الثاني في تماهي الأنظمة العربية العميلة وخذلانها لفلسطين وقضيتها العادلة وتخليها عن المقدسات الإسلامية. وأكدت الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة في بيان لها السبت، بهذه المناسبة، أن المقاومة الفلسطينية مستمرة بكل قوتها وكافة أجنحتها كحق مشروع للشعب الفلسطيني في نضاله من أجل الحرية وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس.. مُشددة على أن المقاومة في حالة جيدة، وتتمتع بتنسيق عالٍ ومستمر على مختلف الجبهات ومحاور القتال.
كما شددت الفصائل على رفضها القاطع لأي محاولات لفرض إدارة بديلة في غزة خارج نطاق الإجماع الوطني الفلسطيني.. مشيرة إلى أن هذه المحاولات سيتم التعامل معها بنفس طريقة التعامل مع الاحتلال. وطالبت الشعوب العربية والإسلامية بالتحرك "الفوري والعاجل" في كل الميادين والمدن والعواصم، واستهداف مصالح العدو الصهيوني وداعميه والضغط لوقف حرب الإبادة الجماعية على القطاع ومحاسبة الاحتلال على جرائمه. ومن أرقام طوفان الأقصى أن هناك أكثر من 500 ألف صهيوني هاجروا الكيان إلى دولهم الأصلية أو غيرها، وهناك أكثر من عشرة آلاف جريح صهيوني بمعدل ألف جريح شهرياً، وهناك حوالي400 جندي صهيوني مُصاب بأحد أطرافه أو كليهما، كما أن هناك 35 في المائة من جيش العدو يعاني من أمراض اكتئابية أو قلق أو اضطرابات ما بعد الصدمة، وهناك 690 جندياً قتيل.. أما الخسائر في مجال الكلفة المادية فقد تخطت 70 مليار دولار. وقد كشفت هذه الفترة عن أبعاد إنسانية كارثية لم يسبق لها مثيل، فالمدن والقرى تعرضت لتدمير شامل، مما أدى إلى تدهور حاد في الأوضاع المعيشية، وضغط هائلا على المنظمات الإنسانية التي تحاول تقديم الدعم في ظل هذه الظروف القاسية، ومع استمرار هذه الحرب، وبرزت الحاجة الملحة لجهود دولية حقيقية لإنهاء الصراع وتحقيق السلام.
وبعد من "طوفان الأقصى" تتجلى آثار المسار الذي بدأته العملية على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والقضية الفلسطينية بشكل واضح، بعد أن كان مشروع التطبيع وتشكيل تحالف عربي صهيوني هو من يفرض إيقاع السياسة في المنطقة لسنوات سابقة. وأعاد الطوفان مشروع الحركة إلى هيئته الأولى، عند انطلاقها كحركة مقاومة تعتمد الكفاح المسلح الطريق الأساسي لمجابهة الاحتلال ورفع كلفته ومنع راحته، وهو المسار الذي فرض نفسه على الإقليم، ليصبح الاشتباك العسكري ممتدا من الضفة الغربية وغزة إلى لبنان واليمن والعراق وإيران، وما يجاورها من مسطحات مائية. وأصدر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان تقريرا شاملا بمناسبة مرور عام كامل على بدء جريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبها كيان العدو الصهيوني ضد المدنيين في قطاع غزة، بعنوان (محو غزة: عام من الإبادة الجماعية وانهيار النظام العالمي)، استعرض الجرائم التي نفذها جيش العدو بتواطؤ دولي واضح.. مشيرا إلى سياق الجريمة وأبعادها القانونية. وفقا للتقرير، فقد قتل جيش العدو الصهيوني أكثر من 50 ألف فلسطيني منذ السابع من أكتوبر 2023، بينهم 42 ألف مسجلين رسمياً لدى وزارة الصحة الفلسطينية بينما شكل الأطفال والنساء نسبة كبيرة من الضحايا، حيث يمثل الأطفال 33 في المائة والنساء 21 في المائة.. بينما أصيب أكثر من 100 ألف آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، وما زالت آلاف الجثامين تحت الأنقاض بسبب صعوبة الوصول إليهم.
الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين
رصد المرصد الأورومتوسطي استشهاد العديد من أفراد العائلات الفلسطينية في هذه العمليات، حيث فقدت 3.500 عائلة عددا من أفرادها، منها 365 عائلة فقدت أكثر من عشرة أفراد، وأكثر من 2.750 عائلة فقدت ثلاثة أفراد على الأقل. أوضح التقرير أن الجرائم الصهيونية شملت قتل المدنيين في المناطق الإنسانية، والأسواق، والخيام، ودهسهم بالآليات العسكرية، كما وثق حالات قتل للأسرى الفلسطينيين والمعتقلين، فضلا عن استهداف العاملين في المجال الإنساني. وتطرق التقرير إلى أن أساس الإبادة الجماعية هو الاحتلال الصهيوني غير القانوني للأرض الفلسطينية منذ عام 1967.. مشيراً إلى رأي محكمة العدل الدولية في يوليو 2024، الذي أكد على عدم شرعية الممارسات الصهيونية في الأراضي المحتلة ومنها قطاع غزة. ولفت التقرير إلى أن قطاع غزة يُعد أحد الإقليمين اللذين يشكلان الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، إلى جانب الضفة الغربية.
وأثبتت معركة "طوفان الأقصى" أن "جيش العدو الذي لا يقهر" هو مجرد أسطورة.. فقد تمكنت المقاومة من اختراق أكثر المناطق تحصينا وهي مركز التجسس في منطقة ريعيم وإلحاق خسائر فادحة بالعدو وأسر أكثر من 250 أسيرا، منهم شخصيات كبيرة داخل جيش الاحتلال، مما زعزع ثقة المجتمع الصهيوني بقدرات جيشه وأجهزته الأمنية". وشهدت الساحة العربية والدولية موجة غير مسبوقة من التضامن مع الشعب الفلسطيني.. تجلى ذلك في المظاهرات الحاشدة التي عمت العواصم العالمية، وحملات المقاطعة التي استهدفت الشركات الداعمة للعدو. الجدير ذكره أن كيان العدو الصهيوني لن ينسى صبيحة يوم السابع من أكتوبر، حين دخل بكل مؤسساته حالة صدمة غير مسبوقة، واستفاق على الضربة الأعمق والأقوى في تاريخه، تلك الضربة التي شكلت للمرة الأولى تحدياً وجودياً لهذا الكيان اللقيط.